بشاير الذوادي
أطفال يتعرضون للإيذاء الجسدي أو اللفظي ممن يفوقونهم عمراً أو قوة، وبنات يعانين إيذاء ذكور يفوقونهن عضلات.. مدرس يقف عاجزاً أمام طلاب شبوا عن الطوق واستقووا على من علمهم أكثر من الحروف أو الكلمات.. مشاهد متكررة في الزمان والمكان وتبقى في ذاكرة كل فرد، لكنها تخلف كدمات نفسية عند ضحاياها، يخبئها الزمن لكنه لا يمحو أثرها.
إنها ظاهرة "التنمر" التي كتبت فيها الكتب وأخرجت حولها الأفلام وسال حبر كثير في روايتها، غير أن المجتمعات البشرية لم تتجاوزها بعد. فمن هم ضحايا التنمر؟ وماذا يقولون؟
يكون التنمر عادة في المدرسة أو الأسرة، ويأخذ في المدرسة أشكالاً مختلفة، أكثرها شيوعاً عندما يكون الضحايا طلاباً والمتنمرون طلاباً مثلهم، وقد يكون التنمر من الطلاب على معلمهم فيتحول إلى ضحية.
فيما تبين نتيجة البحث، أن هناك نوعين من التنمر داخل الأسرة غالباً، الأول حين يكون الإخوة ضحية لإخوتهم سواء باستغلال تفاوت الأعمار كأن يتنمر الكبير على الصغير، أو بتفاوت الجنس كتنمر الصبي على الفتاة، والثاني حين يكون الوالدان ضحية لتنمر الأبناء، ويكون عادة في صورتين، أن يكون أحد الوالدين ضحية فعلية لتنمر الأبناء وهو ما يعرف مجتمعيا بالعقوق، أو أن يكون الوالدان ضحية المسؤولية عن تصرفات أبنائهم الذين يتنمرون على الآخرين.
"ع. إبراهيم" طالبة في المرحلة الثانوية عانت آلاما جسدية ونفسية نتيجة التنمر، حيث قالت "لا يوجد أسوأ من شعور ضحايا التنمر فهم منطوون ومكتئبون يجرون مشاعر خيبة الأمل".
وتروي الطالبة أنها تعرضت لتنمر وتحرش لفظي جارح وازدراء من طالبات متنمرات في نفس المدرسة، كما عانت من إطلاق الألقاب والإهانات والشائعات.
معلمون.. ضحايا لتنمر طلابهم!
لكن ظاهرة التنمر لم تقتصر على الضحايا الطلاب، بل امتدت حتى وصلت إلى المعلمين، حيث قال معلم لغة عربية في المرحلة الابتدائية للبنين إن التنمر لم يعد سلوكاً غريباً أو شاذاً بسبب كثرة انتشاره في المدرسة وإنه معلم واحد من أصل العديد من المعلمين المستائين من سلوك الطلاب.
وذكر أنه يعاني من سلوكيات الطلاب المشاغبة المتمثلة في عدم الاحترام والتعمد على إثارة الفوضى أثناء الدرس ما يعرقل دائماً من سير الحصة وأن تنمر بعض الطلاب سبب لانخفاض عطاء المعلم، كما إنه أيضاً سبب لتأثر الطلاب الآخرين سلباً.
وأشار إلى أنه يمكنهم السيطرة على بعض الحالات وحالات أخرى تفوق سيطرة المعلم، عازياً سبب تنمر الطلاب إلى بعض القوانين التي يظن إنها تدفع الطالب لحالة من اللاانسياب وعدم إدراك قيمة الموقف التعليمي.
وأضاف أن المستوى الدراسي للطلاب ضعيف ومادة التدريس تكون أعلى مستوى فيشعر الطالب بثقل المادة مما يجعله يمارس التنمر تغطيةً لضعف مستواه ولفرض شخصيته.
وصنف التنمر على أنه مشكلة تربوية بالدرجة الأولى وتحتاج إلى حل سريع للحفاظ على البيئة التعليمية والحرص على عطاء المعلم وإنتاجيته.
في حين، عبر معلم لغة عربية بالمرحلة الابتدائية للبنين، عن استيائه الشديد حيال هذه الظاهرة، التي وصلت في نظره إلى مراحل متطورة شديدة الخطورة، مشيراً إلا أنه شهد معركة ضرب بين طالب وأحد العلمين.
وأضاف "أصبح هدف المعلم تلافي غضب الطلاب وامتصاصه لحماية نفسه من التنمر وأنه يتعامل مع تنمرهم عن طريق تكوين علاقات طيبة معهم"، لافتاً إلى أن للتنمر تأثيراً سلبياً على نفسية المعلم وعلى شخصيته.
ويرى المعلم، أن الدافع وراء التنمر هو شعور الطالب الوهمي بعداوة المعلم له، بالإضافة إلى غياب دور الوالدين وعدم تنشئة الأبناء على مبدأ احترام الكبير، وأن تعرض الطالب للعنف المسبق في حياته ومخالطة جلساء السوء أيضاً أسباب غير مباشرة لهذا السلوك، ملقياً باللوم على بعض المعلمين لتحبيط الطلاب ولأسلوبهم السيئ في التعامل مع الطلاب والذي يحثهم على الرد بالتنمر.
فيما قال معلم رياضيات بالمرحلة الابتدائية للبنين، إن التنمر لا ينحصر في سلوك لفظي أو جسدي، بل يمكن أن يتخذ شكلاً آخر منتشراً في المدارس يتمثل في افتراء الطالب المتنمر على المعلم واستغلال عاطفة ولي الأمر وتصديقه لهذه الافتراءات والوقوف بصف الطالب.
ولفت إلى أن الطالب يملك الثقة بأن المعلم لن يستطيع رد فعل التنمر بسبب قوانين وزارة التربية والتعليم المقيدة للمعلمين والمتحيزة للطلبة والتي تجعل المعلم عرضة للتنمر.
وأفاد أن الإجراء المدرسي المتخذ تجاه الطالب المتنمر هو التعهد فقط ولا يجوز فصل الطالب ولو حتى في حالة تكراره لهذا السلوك بناءً على تعليمات مديرة المدارس الابتدائية، وإن هذا الإجراء غير رادع ويجعل الطالب يستمر، فمن أمن العقوبة أساء الأدب.
وطرح موقفاً أثار استياءه شهد فيه قيام طالب أثناء هروبه من المدرسة بحركة غير أخلاقية بمساعد مدير المدرسة، مشيراً إلى أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء تجاه هذا الطالب بسبب قوانين الوزارة كما شرح سابقاً.
وبسؤال أحد الموجهين التربويين عن انتشار التنمر في المدارس، أكد أنه في زياراته للمدارس كان يرى أحد نماذج التنمر سواء للطلاب على بعضهم البعض أو تنمر الطلاب على المعلمين.
وتابع "الطالب يتصرف كالمدرس وبذلك يفقد الأخير شخصيته وهيبته تماماً، ما يجعله في حالة عدم الراحة وبذلك لا يقبل المعلم على العمل بالروح اللازمة، كما يكون دائماً في نوع من مشاعر القلق والخوف".
وأضاف "بعض المعلمين يستغلون عدم التزام الطالب المتنمر بوقت الحصة ويجدونها فرصة وسبباً لطرده من الصف لكي لا يعرقل سير الحصة"، لافتاً إلى أن المعلم الأجنبي أكثر عرضة للتنمر من المعلمين البحرينيين، وذلك بسبب قناعة مزروعة لدى الطالب بأن هذا المعلم كونه أجنبياً فهو يملك فصله بسهوله ولا ينفي أن قوة شخصية المعلم هي الرادع الأساسي لمثل هذه التطاولات.
مشرف مدرسة متنمر
يحكي أحد أولياء الأمور، قصة معاناته مع ابنه والذي كان يظن أنه متنمراً لمدة 3 سنوات، بسبب شكاوى الأخصائي الاجتماعي وبعض المعلمين المستمرة في المدرسة، مما دفعه لزيارة مدرب حياة "life coaching" لطرح مشكلة سلوكيات ابنه في المدرسة، التي أدت بدورها كما يظن إلى تدني مستواه الدراسي.
وقال إنه "بعد عدة جلسات مع المدرب أكد أن الطالب لا يشكو من شيء بل إنه ذو أخلاق حميدة وشخصية قوية، حيث كانت شخصيته القوية سبباً في تحدي المعلمين والأخصائي الاجتماعي له في المدرسة".
وأشار ولي الأمر، إلى أن ذلك كان ناتجاً عن عدم قدرة المعلمين على التعامل مع الشخصيات المختلفة والنزول من مستوى المعلم والموجه التربوي إلى مستوى طالب مراهق، فكانوا يفسرون قوة شخصيته على أنها نوع من أنواع التنمر وحاولوا كبت وكسر هذه الشخصية لا تنميتها بالشكل الصحيح، مضيفاً أن المشرف المباشر لابنه والذي كان يتقدم بشكاوى يومية مختلفة عليه يتعالج عند طبيب نفسي عن العصبية.
وذكر أن إدارة المدرسة لم تكن تعطي الأهمية لمثل تلك المواضيع مما جعله يتخذ قرار نقل ابنه والذي بدوره كره المدرسة وإرساله للدراسة إلى خارج البحرين، لافتاً إلى أن التقييم المدرسي لابنه في المدرسة الجديدة ممتاز ومستواه بدأ بالارتفاع من جديد وأنه لا يعاني من أي مشاكل.