بإقرار قانون موحد للأسرة البحرينية عاد للبحرين وضعها الاجتماعي الطبيعي المنسجم مع تاريخها، مثلما عاد للمجتمع البحريني مزاجه الأصيل، هكذا كانت البحرين وهكذا عرفت على مر الأزمان، يتعايش أصحاب الأديان المختلفة تعايشاً طبيعياً في بيئة تسودها روح المحبة والإخاء، فما بالك بأصحاب المذاهب المختلفة لذات الدين، لا تفرقهم اختلافات في الرؤى أو الفكر أو العقيدة الدينية.
الأدلة والشواهد التاريخية على تلك البيئة التسامحية التي ظللت مختلفي الأديان والمذاهب أكثر من أن تحصى أجملها على الإطلاق أن الشيخ المهزع قاضي القضاة لأصحاب المذهب السني توفي عام 1941 ميلادي، كان لا يجد غضاضة في الحلول مكان الشيخ العصفور قاضي القضاة للمذهب الجعفري في حال غيابه والعكس صحيح أيضاً، والأجمل أن المتقاضين كانوا يقبلون بأحكامهما، هكذا كانت البحرين وتلك هي جذور الأجداد التي غرسها في وجداننا والتي حاول البعض قطعها واستنبات جذور غريبة في تربتنا التسامحية، وإذ بها تفاجئ الجميع بأنها مازالت حية بل أينعت وتمثلت في وجود حفيدي الشيخ خلف العصفور والشيخ قاسم المهزع في لجنة صياغة المشروع!! أليست تلك إشارة بأن لهذه الروح الأصيلة رباً يحميها.
لإقرار قانون للأسرة موحد اليوم في هذا التوقيت وبعد أن عادت للدولة مكانتها وحضورها في إقرار الأمن وإنفاذ القانون، دلالات تتجاوز بتأثيرها تطوير المنظومة التشريعية أو تطوير مؤسسة القضاء الشرعي بكثير، فالعناصر الاجتماعية المرتبطة بوحدة قانون للأسرة، لا يمكن فصمها عن العناصر السياسية والأمنية بل وحتى الاقتصادية المتعلقة بوحدة المجتمع وسلامته، هذه إحدى الدلالات أما الدلالة الأهم هي أنه كلما كانت الدولة حاضرة في إدارة الاختلافات بين فئات المجتمع، كلما كان ذلك أدعى لاندماج فئاته وشرائحه وللاطمئنان فيما بينهم بأن «الدولة» ضامنة لحقوق المواطنة لا الجماعات، إذ ثبتت وحدة المرجعية التي يعود لها المواطنون، فلا تخلق كيانات تضفي هي مظلتها الخاصة للحماية والرعاية وتقلص بعزلهم مكانة ودور الدولة، إنه ارتباط شرطي يفضي بنتيجة ثابتة، كلما تضاءل دور الدولة كلما تضاعف دور الجماعة.
لقد مررنا بحقبة زمنية تضاءل فيها دور الدولة إلى أن اضمحلت سلطاتها المشروعة في بعض مواقعها الدستورية حتى الأمنية منها، واستغلت ذلك الغياب مجموعات اختطفت مزاجنا الأصلي وأرادت قطع جذورنا من تربتها، وتركت لتتمدد وتنمو وتكبر إلى أن نجحت في عزلنا إلى معسكرات يزيدية ومعسكرات حسينية، وأضفت على جريمة تقسيمها للمجتمع قداسة دينية جعلت من المساس بها، مساساً بالدين وبالله عز وجل، وعدت أي محاولة لإعادة الدمج وسقي الجذور الأصلية جريمة تهدد الدين وتهدد الخصوصية، وتركتها الدولة مع الأسف -وهذه كانت غلطتها- لتغرس سكين العزل والإقصاء في جذورنا الممتدة في عمق تربتنا لمئات من السنين مضت.
وحين قررت الدولة الإصرار على التمسك بدورها كحامية للقانون وسادنة له، وأنفذته دون تمييز ودون اعتبارات قداسية لكائن من كان، تمكنت جذورنا الأصلية أن تنمو من جديد بحرية تامة وتنفست هواءً بحرينياً معجوناً بتربتنا التسامحية فأينعت وأثمرت ذلك القانون، بل وأثمرت تلك الحالة الأمنية التي بدأت تستتب الآن في مملكتنا.
نحن اليوم نتعلم درساً جديداً من تلك الحقبة ونتعظ اليوم أكثر من نتائجها، فقد تعلمنا أن الدولة إن تنازلت طوعاً أو كرهاً عن أي من سلطاتها الدستورية حتى وإن كانت القضائية وهي اختصاص دستوري منوط بها، فإن ذلك يعني فراغاً غاوياً لأي طامع يستشف منه ضعف ممكن استغلاله، ومن ثم التمدد إلى ما بعده، وهذا ما حدث.
تعلمنا أن إعادة الأمور لنصابها لا بد أن تكون في بداية محاولة الاختطاف وكل تأخر له ثمن وكلما طالت المدة ارتفع الثمن، فكم من تراخٍ تركنا له حبله على غاربه فصعب علينا إعادة الأمور لنصابها، وكم من تردد وخوف ضاعف علينا ثمن التصحيح والتقويم.
أما العظة والحكمة التي استقيناها أن المجتمع أياً كان تقدمه وتحضره فإنه لا غنى له عن دولة تظلله وتحميه من تغول الجماعات، وفي حال تقدم الدولة لملء الفراغ الذي تركته سيساندها المجتمع على اختلاف فئاته ويطرد عنه شبح الخوف، وسنرى أنه تمنع أو تخوف من سلطة الدولة الدستورية سابقاً مستظلاً بظلال الجماعات، ستجده أول الجالسين تحت وارف ظل الدولة متمتعاً بامتيازاتها.
الأدلة والشواهد التاريخية على تلك البيئة التسامحية التي ظللت مختلفي الأديان والمذاهب أكثر من أن تحصى أجملها على الإطلاق أن الشيخ المهزع قاضي القضاة لأصحاب المذهب السني توفي عام 1941 ميلادي، كان لا يجد غضاضة في الحلول مكان الشيخ العصفور قاضي القضاة للمذهب الجعفري في حال غيابه والعكس صحيح أيضاً، والأجمل أن المتقاضين كانوا يقبلون بأحكامهما، هكذا كانت البحرين وتلك هي جذور الأجداد التي غرسها في وجداننا والتي حاول البعض قطعها واستنبات جذور غريبة في تربتنا التسامحية، وإذ بها تفاجئ الجميع بأنها مازالت حية بل أينعت وتمثلت في وجود حفيدي الشيخ خلف العصفور والشيخ قاسم المهزع في لجنة صياغة المشروع!! أليست تلك إشارة بأن لهذه الروح الأصيلة رباً يحميها.
لإقرار قانون للأسرة موحد اليوم في هذا التوقيت وبعد أن عادت للدولة مكانتها وحضورها في إقرار الأمن وإنفاذ القانون، دلالات تتجاوز بتأثيرها تطوير المنظومة التشريعية أو تطوير مؤسسة القضاء الشرعي بكثير، فالعناصر الاجتماعية المرتبطة بوحدة قانون للأسرة، لا يمكن فصمها عن العناصر السياسية والأمنية بل وحتى الاقتصادية المتعلقة بوحدة المجتمع وسلامته، هذه إحدى الدلالات أما الدلالة الأهم هي أنه كلما كانت الدولة حاضرة في إدارة الاختلافات بين فئات المجتمع، كلما كان ذلك أدعى لاندماج فئاته وشرائحه وللاطمئنان فيما بينهم بأن «الدولة» ضامنة لحقوق المواطنة لا الجماعات، إذ ثبتت وحدة المرجعية التي يعود لها المواطنون، فلا تخلق كيانات تضفي هي مظلتها الخاصة للحماية والرعاية وتقلص بعزلهم مكانة ودور الدولة، إنه ارتباط شرطي يفضي بنتيجة ثابتة، كلما تضاءل دور الدولة كلما تضاعف دور الجماعة.
لقد مررنا بحقبة زمنية تضاءل فيها دور الدولة إلى أن اضمحلت سلطاتها المشروعة في بعض مواقعها الدستورية حتى الأمنية منها، واستغلت ذلك الغياب مجموعات اختطفت مزاجنا الأصلي وأرادت قطع جذورنا من تربتها، وتركت لتتمدد وتنمو وتكبر إلى أن نجحت في عزلنا إلى معسكرات يزيدية ومعسكرات حسينية، وأضفت على جريمة تقسيمها للمجتمع قداسة دينية جعلت من المساس بها، مساساً بالدين وبالله عز وجل، وعدت أي محاولة لإعادة الدمج وسقي الجذور الأصلية جريمة تهدد الدين وتهدد الخصوصية، وتركتها الدولة مع الأسف -وهذه كانت غلطتها- لتغرس سكين العزل والإقصاء في جذورنا الممتدة في عمق تربتنا لمئات من السنين مضت.
وحين قررت الدولة الإصرار على التمسك بدورها كحامية للقانون وسادنة له، وأنفذته دون تمييز ودون اعتبارات قداسية لكائن من كان، تمكنت جذورنا الأصلية أن تنمو من جديد بحرية تامة وتنفست هواءً بحرينياً معجوناً بتربتنا التسامحية فأينعت وأثمرت ذلك القانون، بل وأثمرت تلك الحالة الأمنية التي بدأت تستتب الآن في مملكتنا.
نحن اليوم نتعلم درساً جديداً من تلك الحقبة ونتعظ اليوم أكثر من نتائجها، فقد تعلمنا أن الدولة إن تنازلت طوعاً أو كرهاً عن أي من سلطاتها الدستورية حتى وإن كانت القضائية وهي اختصاص دستوري منوط بها، فإن ذلك يعني فراغاً غاوياً لأي طامع يستشف منه ضعف ممكن استغلاله، ومن ثم التمدد إلى ما بعده، وهذا ما حدث.
تعلمنا أن إعادة الأمور لنصابها لا بد أن تكون في بداية محاولة الاختطاف وكل تأخر له ثمن وكلما طالت المدة ارتفع الثمن، فكم من تراخٍ تركنا له حبله على غاربه فصعب علينا إعادة الأمور لنصابها، وكم من تردد وخوف ضاعف علينا ثمن التصحيح والتقويم.
أما العظة والحكمة التي استقيناها أن المجتمع أياً كان تقدمه وتحضره فإنه لا غنى له عن دولة تظلله وتحميه من تغول الجماعات، وفي حال تقدم الدولة لملء الفراغ الذي تركته سيساندها المجتمع على اختلاف فئاته ويطرد عنه شبح الخوف، وسنرى أنه تمنع أو تخوف من سلطة الدولة الدستورية سابقاً مستظلاً بظلال الجماعات، ستجده أول الجالسين تحت وارف ظل الدولة متمتعاً بامتيازاتها.