^  ماذا يُريد النواب من الثقافة ومن وزيرة الثقافة؟ إلى أين تتجه الفئة التي تهاجم المهرجانات الثقافية التي تقيمها وزارة الثقافة؟ كيف تسمح لهم إنسانيتهم بل (تدينهم) أن يهاجموا امرأة؟ فالرجولة ليست بالخَلق والشكل وإنما بالفعل، الفعل الإنساني تجاه المخلوق الآخر. إن الثقافة صرح حضاري وإنساني لا تتمكن تلك الفئة من التمسك بأوصاله، ولا يمكنها أن تفهم معانيه، والثقافة والفن صنوان لا يفترقان، كما أن الثقافة هي رسالة إنسانية كذلك الفن. فبفضل جهود سعادة وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت إبراهيم آل خليفة ونشاطها المضني نالت مملكة البحرين وبكل فخر لقب (عاصمة الثقافة)، أما هؤلاء النواب والذين قبلهم ماذا قدموا إلى البحرين؟ وماذا استفادت منهم البحرين وشعبها؟ وإن كان هذا الشيء لا يعجبهم فالاعتراض عليه هو كالاعتراض على وجودهم تحت قبة البرلمان. وما فعلته سعادة الوزيرة للبحرين ولثقافتها يُسجل في تاريخ البحرين، وما يفعله هؤلاء النواب لا ينتمي قيماً وسلوكاً إلى البحرين. كأن هؤلاء النواب قد أعلنوا بالرضا عن كل شيء في البحرين وارتكنوا إلى زاوية ما تقدمه وزارة الثقافة من فعاليات في ربيعها الثقافي، تركوا المحرمات وآلياتها، تناسوا مشاكل المواطنين مع الإسكان، عملوا على رفع مستوى معيشتهم وتناسوا سقف معيشة المواطن، يحصلون على ما يريدون من الأموال ولم يعملوا شيئاً لإنقاذ المواطن من القروض، وماذا فعلوا للمواطنين تجاه ما عليهم من فواتير الكهرباء؟ وهل قدموا لهيئة الكهرباء أسماء المؤسسات والشركات والمجمعات والأفراد الذين لا يدفعون ما للكهرباء من حقوق مالية؟ والذين لا تتم معاملتهم كمعاملة المواطن الذي لا يستطيع أن يُسدد ما عليه من التزامات كهربائية؟ وماذا قدموا من آليات لمكافحة الفساد المالي، والبطالة، وغيره من هموم المواطنين الذين أوصلوهم إلى مقاعدهم النيابية الوثيرة مادياً والمريحة جسدياً. أعتقد أن النواب يستخدمون الديمقراطية فقط في الحلال والحرام، ويتناسون كثيراً من هموم الناس، لأن فاقد الشيء لا يُعطيه. فهؤلاء النواب بدؤوا أشغالهم النيابية للفصل التشريعي الحالي بالسب والقذف وبتجريح مشاعر الآخر، وها هم اليوم يطعنون في شرعية توزير وزارة الثقافة ويطالبون برحيلها عن مَقعد الوزارة، فهل هذا ما نصبو إليه من “النواب”؟ وهل هذا هو دورهم فقط؟ وهل اعتراضهم هو على شخص “سعادة الوزيرة” أم على بعض فقرات فعاليات وأنشطة ربيع الثقافة البحريني؟ أم على تنظيم هذا الربيع الثقافي؟ أم أن الوزارة لم تضع فقرة دينية من بين فقرات هذا المهرجان؟ هناك كثير من الفعاليات والأنشطة التي نظمها عدد من المؤسسات والجمعيات والمنظمات الدينية في البحرين.. فهل هناك مَن اعترض عليها؟ أو طالب من الجهات المسؤولة عنها بسحب سجلها من هذه الجهات؟ لا ندري ماذا يُريد النواب؟ وكيف يخلقون أموراً بعيدة جداً عن اهتمامهم؟ والشيء الذي نعرفه أن النواب بحاجة إلى فهم ثقافي لهذا الربيع، وقلنا سابقاً إنهم بحاجة إلى ثقافة دستورية أولية حتى يعرفون لماذا أتوا وشغروا مقاعد مجلس النواب. هذه الثقافة التي ستجعلهم يُفرقون بين ما هو دستوري وما هو غير دستوري، وتجعلهم يتعلمون طريقة سن وتشريع القوانين وكيفية طرحها للتصويت، وتمكنهم من استخدام المساءلة بوجهها الصحيح، واستخدام الديمقراطية وآلياتها بطرق بعيدة عن الغوغائية والتأزم، وهُم بحاجة أيضاً إلى ثقافة فهم الآخر، وثقافة تبادل الآراء واحترام الآخر. البحرين اليوم بحاجة إلى جهد مشترك من جميع المؤسسات التنفيذية والتشريعية لإطفاء ما يشتعل في البلاد من حرائق، لإنقاذ المئات من الشباب والشابات المُغرر بهم تحت اسم (الديمقراطية وحقوق الإنسان). الوطن بحاجة إلى أبنائه جميعاً لتخليصه من الأزمات السياسية والاقتصادية التي شلت حركة البلاد وعرقلت تطورها، فقد انشغل النواب ظاهرياً بالناس بحضور الولائم والندوات والمؤتمرات وبالظهور على صفحات الجرائد، وفي المؤتمرات والندوات والمجالس، تاركين وراءهم هموم الشعب ومشاكله، فهم يمارسون ثقافة الذات، تاركين الممارسات الديمقراطية الحقيقية، لأن فاقد الشيء لا يُعطيه. حتى لو مكنتهم الدولة من مطلبهم هذا وجاء وزير جديد للثقافة فهل سيصمتون أم أنهم سيستمرون في نهجهم حتى تتحقق أجندتهم وأهدافهم؟ وهل الوزير القادم سيسلم من لسانهم ونهجهم؟ لا نعتقد ذلك فمن يَسير على الخطأ لا يستطيع أن ينتهج طريقاً غيره، ومن يستثمر الديمقراطية لذاته لا تعنيه أبداً المصلحة العامة. فاليوم هُم يطلبون إقالة الوزيرة وغداً بإقالة الوزارة وبعده الله أعلم ماذا سيطلبون؟ سعادة الوزيرة هي أنسب شخص وصلت إلى مقعد هذه الوزارة، والاختلاف على برامج وفعاليات ربيع الثقافة يدعونا إلى مناقشة هذا الأمر بروية، والتمسك بإيجابياته وتطويره ليغدو ربيعاً أفضل للسنوات القادمة، ونستثمر مكاسبه الحضارية والإنسانية والثقافية. وإذا كان النواب يحبون العيش في الظلام ليكونوا وحدهم، ولو أرادوا أن يتباكوا على تكاليف هذا الربيع عليهم مراجعة ما يكسبون من وظيفتهم النيابية، ولو أرادوا تطبيق قاعدة الحلال والحرام عليهم مراعاة مصلحة هذا الوطن وشعبه. فالثقافة والفن هما بمثابة الحياة لكل مجتمع، فنحن لا نستطيع أن نعيش دون الثقافة والفن، لكننا نستطيع أن نعيش بدون النواب، فحياتنا الماضية كانت أفضل، ونحن مع الحق سائرون.