في حياتنا اليومية نواجه كثيراً من المواقف والتناقضات الشخصية والجماعية التي تجعلنا في كثير من الأحيان نعيد النظر في رؤيتنا وردود أفعالنا تجاهها، ونعيد تحليل هذه المواقف وتلك الشخصيات أو حتى الجماعات.
وفي مواقف ليست بالقليلة نعيد النظر لكن بعد فوات الأوان، وحتى لا أكون غامضة لأبسطها هنا لكم، فحين نرى طفلاً كثير الحركة مثلاً ننعته بكثير من الصفات منها "المشاغب"، "قليل التربية"، "مهمل من قبل والديه"، ولكن عندما نكون في الموقف نفسه أي أن نكون والدين لطفل كثير الحركة رغم كل الرعاية والاهتمام اللذين نقدمهما كوالدين نعيد النظر في هذه الحركة ونحاول البحث لها عن أسباب وتعليلات حتى نكتشف أن ما بالطفل ليس "مشاغبة" أو "قلة تربية" بل هو اضطراب أو مشكلة نفسية وسلوكية، لها أسبابها وطرق علاجها العلمية ولها تشخيصها الطبي (في هذه الحالة مثلا تسمى فرط النشاط وتشتت الانتباه ADHD) .
في موقف آخر مثلا يكون لدينا شخصية متسلطة في العمل سواء أكان زميل عمل أو رئيس عمل ونتجنب كثيراً من مواقف اللقاء معه عن طريق اللا شعور فنصاب مرة بالصداع النصفي ومرة أخرى بقرحة المعدة كل هذا ونحن لا نعلم لماذا تصيبنا كل هذه الأمراض ولسنوات عديدة ولا نجد لعلاجها سبيلاً، ولكن بعد البحث والذهاب للمختصين نعيد النظر في حالتنا التي تسمى في علم النفس "الامراض السيكوسوماتية" أي أمراض عضوية نتيجة لضغوط وأسباب نفسية، وكذلك لها من العلاج ما هو معروف علمياً وأكلينيكياً.
لهذا فإعادة النظر في هذه المواقف وتغيير نظرتنا الخاصة والمجتمعية تجاهتا تسهم في معرفة المشكلة بواقعها الصحيح وبالتالي القدرة على علاجها وتجاوزها، ولعل أهم ما نرتكز عليه في مجال التخصص النفسي الاكلنيكي هو "استبصار الحالة" الذي يعني قدرة الشخص على رؤية مشكلته وإعادة تأطيرها وبالتالي علاجها.
لهذا فزاوية "إعادة نظر" ستكون إعادة النظر في توجهاتنا ونظرتنا للأمراض والاضطرابات النفسية والسلوكية بطريقة مبسطة وعلمية، ما قد يسهم في إزالة الوصمة المجتعية عن الاضطرابات النفسية والسلوكية ويسهم في إيجاد الحلول لها وبالتالي عدم تفاقمها في مجتمعاتنا العربية.
*فاطمة خليل النزر
اختصاصية علاج نفسي مرخصة