تكتبها - نور الشامسي *:
* اختصاصية مهارات القيادة والتواصل
عندما يولد الطفل وتبدأ صرخاته الأولى في الحياة، تبدأ حياته باتخاذ خطواتها منذ يومه الأول، وأول علاقة يبدأ بالارتباط بها هي علاقته مع أمه التي يميز صوتها عن باقي الأصوات ويعرف رائحتها بمجرد الاقتراب منه فيشعر بالسعادة والاطمئنان بمجرد أن يشتم هذه الرائحة.
وهكذا هو الإنسان بطبعه فقد خلقه الله سبحانه وتعالى اجتماعياً لا يستطيع العيش من غير من يشاركه لحظات حياته يسعد معه عندما يكون سعيداً ويواسيه ويطبطب عليه في الأوقات الأخرى الصعبة.
وعلى هذا الأساس يندفع الإنسان لتكوين مختلف العلاقات بشتى أشكالها وأنواعها، علاقات الصداقة، زمالة العمل، العلاقات مع الأهل والأقارب، والعلاقات الزوجية، فكما نرى أن لكل علاقة مسمى وقانون وضوابط تختلف عن غيرها من العلاقات.
الشيء الذي جعلني أخوض وأتعمق في هذا الموضوع بعض العلاقات الغريبة التي شهدتها في حياتي وجعلتني صامتة أمام ما يحدث لأنه لا يوجد عندي أي تفسير لها غير أنني أستطيع أن أسميها بأنها علاقات من غير مسميات.
أتذكر تماماً ذلك الحب العذري الجميل الذي جمع بين زميلي دراسة. واجها الحياة معاً وتحديا كل من حولهما. تخطيا المصاعب الكبيرة ليصلا في الأخير إلى محطتهما المرجوة وهي محطة الزواج والارتباط والاستقرار الدائم ليستأنفا معاً رحلة الحياة الجديدة المنتظرة بكل شغف. وكانت ثمرة هذا الزواج الذي استمر لأكثر من عشر سنوات ابنين تعاهدا على تربيتهما تربية صالحة. رأيت الزوج الذي كان زميلاً لي أيام الدراسة في أحد المؤتمرات وملامح التعب والانهيار كانت واضحة عليه وكان قد حضر المؤتمر على غير عادة من دون زوجته. سألته عنها لعلها تكون مريضة أو ليست على ما يرام، لكن إجابته كانت "افترقنا". سألته السؤال الثاني: لماذا؟! فكان رده: هي طلبت هذا ومن غير سبب.
وفي موقف آخر، صديقتان يجمع بينهما الفكر الواحد، الطباع المتشابهة، والانسجام والتناغم. حضرت حفل زفاف إحداهما وكنت على يقين تام بأن صديقتها الأخرى هي من تولت الترتيبات وأعدت للاحتفال واستقبال الضيوف لدرايتي بقوة العلاقة التي تربطهما ببعض. أسير في قاعة الحفل باحثة عنها لأبارك لها زواج صديقتها بل أختها، وإذا بهم يقولون لي إنها لن تأتي. أصدمني الجواب. سألت: لماذا؟ ليصدمني أكثر الجواب الثاني بأنهما "افترقتا من غير سبب".
عجباً لذلك، يسعى الإنسان كل السعي ليرتبط بغيره سواء بزواج أو صداقة أو أي علاقه أخرى يبذل في هذه العلاقة الكثير، يعطي فيها الحب، يهدر فيها الوقت والمال، يضحي من أجل الطرف الآخر، يحارب من أجل الحفاظ عليها وتأتي لحظة ربما تكون غير منتظرة أو متوقعة لتنهي كل هذا السعي الدؤوب.
لا أحد منا يريد أن يعيش هذه النهايات ويكون بطلاً في مثل تلك القصص. أصعب ما يكون على الإنسان هو الفراق، فذلك لا يعني فراق أجساد فحسب وإنما ابتعاد روح عن روح لتخلق هالة الفراغ القاتلة.
فقط أحسن الاختيار، فعند اختيارك لصديقك اختر الصديق الذي يبقى معك على العهد والوعد حتى وإن فرق الموت بينكما يبقى الوفاء والود. وأحسن اختيار شريك الحياة والزوج الذي يجعل لهذه العلاقة القدسية والاحترام يتوجها بالصبر وقليل من التنازلات. وقس على ذلك باقي العلاقات.
أسلوب حياتك هو اختيارك أنت، فأحسن الاختيار ولا تهدر الكثير في بناء علاقات قد تتلاشى في منتصف الطريق وتنتهي، علاقات ليس لها مسمى.