يعلو صوتي اليوم ليؤكد أنني من المؤيدات لمبدأ تهيئة المواطن «الإنسان»، بشكل شامل لكي ينفع نفسه وينتفع به الوطن.
أخذت مملكة البحرين على عاتقها مهمة بناء الإنسان لتعزيز كيانها من خلال الاستثمار في تنشئة أبنائها جيلاً تلو جيل، ووضعت المملكة الخطوط العريضة لإنجاز هذه المهمة في أهم مرجعين حكوميين ينظمان سير عملها، وهما برنامج عمل الحكومة الموقرة، والرؤية الاقتصادية 2030، متمثلة باستراتيجيات ومبادرات واضحة، وذلك عن طريق تنمية المعارف والمهارات والسمات المرنة والشاملة في كل مواطن بحريني بلا استثناء.
إن هذه المبادرات الحساسة والمهمة معنية بإعداد المواطنين لأهداف سامية لا تقتصر على تهيئة أجيال يتمتعون بالتمهن وخوض مجال العمل بكل ما يتطلبه سوق العمل منهم لنمو اقتصادي قوي ومستدام، بل هناك هدف أسمى بكثير، وهو بناء وتهيئة «الإنسان»، المخلوق المكرم على باقي المخلوقات، فقد كرمه الله عز وجل كي يكون كياناً متجانساً وفعالاً وقادراً على تقديم الخير لنفسه ولمجتمعه لبلوغ غاية إلهية متمثلة في عبادة الله وإعمار الأرض. وتماشياً مع الاستراتيجيات الوطنية هناك مسؤولية عظمى تقع على قطاع التعليم وبالأخص مؤسسات العلم لإعادة هيكلة البرامج والمناهج والخدمات والفرص التعليمية المتاحة للمتعلم، حيث لا يمكننا الوصول إلى أهداف تسعى إلى تطوير الفرد والمجتمع بأساليب تقليدية وقديمة معتادة. فعلى سبيل المثال، يجب إعادة النظر في أساليب التعليم والتعلم المستخدمة في غرف الدراسة، لأنه من الصعب صقل مهارات المتعلمين في استخدام طرق فكرية معقدة قائمة على التقييم والتدبر والاستنتاج بتطبيق أسلوب المحاضرة والتلقين السلبي اللذين أثبتا مدى ضمورهما وعدم مواكبتهما لتعزيز هذه المهارات، فهناك طرق وتقنيات حديثة ومتطورة ترتكز على جعل المتعلم عنصراً فعالاً في العملية التعليمية، فمثلاً استخدام المنهج المتطور في التعليم والتعلم عن طريق حل المشكلات. وهناك جانب آخر مهم يجب علينا التركيز عليه كتربويين، ويتلخص في ضرورة عدم حصر التعلم بين جدران الصف الأربعة، حيث أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أن التعليم والتعلم عملية شاملة مستمرة تأخذ كل حيز وكل زمان بشرط توفر العوامل الأساسية المطلوبة، كوجود رغبة التعلم عند المتعلم ومعرفة استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة. هذه أمثلة قليلة من ضمن مجموعة واسعة من القضايا التي يجب علينا مراعاتها، ووضع الخطط الحديثة التي تتناسب مع بيئتنا لتطويرها لتتماشى مع النظرة المستقبلية للوطن ولتحقيق ما يطمح إليه الجميع من خير ورقي ونماء.
إضافة إلى ما تقدم، يتوجب علينا الاعتراف بأن هذه المهمة لا يمكن إنجازها بالاعتماد الكلي على صروح التعليم فقط، فمن المستغرب من البعض أنه يحمل قطاع التعليم المسؤولية الكاملة في بناء فكر الإنسان وصقل مهاراته، بينما المسؤولية تفوق قدرات القطاع الواحد بكثير. إن عملية تعزيز المعارف والمهارات والسمات المرنة في الفرد تتم بتناغم وتجانس بين جميع الأطراف والأنظمة المحيطة به والمكونة لمجتمعه، فهناك دور الأسرة الأزلي الذي يبدأ منذ ولادة الطفل، وذلك عن طريق تنشئته بالأساليب التي تدعم فيه هويته وتغرس به مجموعة من المفاهيم والمبادئ التي تشكل نواة كيانه. فترسيخ المبادئ والقيم يبدأ من الأسرة، واكتساب مهارة التحدث والتخاطب السليم يبدأ هناك، وتعزيز روح التعاون والعمل في فريق يبدأ هناك، وتعلم معنى الالتزام والإتقان يبدأ هناك، واكتساب مهارة اتخاذ القرار على أسس متينة يبدأ هناك، والكثير الكثير من المعارف والمهارات والقيم التي لا تعد ولا تحصى تبدأ هناك، فكيف لنا أن نتجاهل دور الأسرة، وأفرادها الذين يشكلون القدوة الأولى؟
ويجب التنويه إلى أن هناك دوراً لطرف ثالث مهم وهو دور المجتمع، حيث ينقسم المجتمع إلى قسمين، وهما المجتمع الصغير، المتمثل بالحي، والكبير المتمثل بالمجتمع، فعلى المجتمع وأفراده أن يؤمنوا بدورهم القيادي المهم في تبني الناشئة وصقل مهاراتهم عن طريق معرفة نقاط قواهم وضعفهم وإدراجهم في برامج تعزز هذه المهارات والقيم المجتمعية التي تساعد على بناء مجتمع سليم.
ويجب علينا أن نتذكر دائماً أن الإنسان كُرم لتفوقه الذهني والعاطفي والاجتماعي على باقي المخلوقات، لذلك يجب علينا أن نهيئ له البيئة التي تساعده على النمو السليم، فهل من المعقول أن يترك تأسيس هذا «الكيان» على عاتق جهة واحدة فقط!
وأخيراً أود أن أتقدم بكلمات إلى معلمتي التي هي «أمي».. كلمات لن توفي حقها فمعذرة يا ملهمتي..
ملهمتي من أعانتني على نفسي، ملهمتي
ملهمتي من غرست فيني وجودي
ملهمتي من ساقتني إلى العلم باختياري
ملهمتي من خلقت لي واقعاً كي يستقل به فضاء تفكيري
ملهمتي من قالت «وما رأيك؟ حان دورك»
ملهمتي من علمتني كيف لكياني أن يزدهر
ملهمتي من جعلتني أتلهف إلى «وما بعد»
ملهمتي بلقيس المعلمة والأم الغريبة على عالم لا يصح فيه إلا صحيحها!
* باحثة ومديرة التطوير الأكاديمي - بوليتكنك البحرين
أخذت مملكة البحرين على عاتقها مهمة بناء الإنسان لتعزيز كيانها من خلال الاستثمار في تنشئة أبنائها جيلاً تلو جيل، ووضعت المملكة الخطوط العريضة لإنجاز هذه المهمة في أهم مرجعين حكوميين ينظمان سير عملها، وهما برنامج عمل الحكومة الموقرة، والرؤية الاقتصادية 2030، متمثلة باستراتيجيات ومبادرات واضحة، وذلك عن طريق تنمية المعارف والمهارات والسمات المرنة والشاملة في كل مواطن بحريني بلا استثناء.
إن هذه المبادرات الحساسة والمهمة معنية بإعداد المواطنين لأهداف سامية لا تقتصر على تهيئة أجيال يتمتعون بالتمهن وخوض مجال العمل بكل ما يتطلبه سوق العمل منهم لنمو اقتصادي قوي ومستدام، بل هناك هدف أسمى بكثير، وهو بناء وتهيئة «الإنسان»، المخلوق المكرم على باقي المخلوقات، فقد كرمه الله عز وجل كي يكون كياناً متجانساً وفعالاً وقادراً على تقديم الخير لنفسه ولمجتمعه لبلوغ غاية إلهية متمثلة في عبادة الله وإعمار الأرض. وتماشياً مع الاستراتيجيات الوطنية هناك مسؤولية عظمى تقع على قطاع التعليم وبالأخص مؤسسات العلم لإعادة هيكلة البرامج والمناهج والخدمات والفرص التعليمية المتاحة للمتعلم، حيث لا يمكننا الوصول إلى أهداف تسعى إلى تطوير الفرد والمجتمع بأساليب تقليدية وقديمة معتادة. فعلى سبيل المثال، يجب إعادة النظر في أساليب التعليم والتعلم المستخدمة في غرف الدراسة، لأنه من الصعب صقل مهارات المتعلمين في استخدام طرق فكرية معقدة قائمة على التقييم والتدبر والاستنتاج بتطبيق أسلوب المحاضرة والتلقين السلبي اللذين أثبتا مدى ضمورهما وعدم مواكبتهما لتعزيز هذه المهارات، فهناك طرق وتقنيات حديثة ومتطورة ترتكز على جعل المتعلم عنصراً فعالاً في العملية التعليمية، فمثلاً استخدام المنهج المتطور في التعليم والتعلم عن طريق حل المشكلات. وهناك جانب آخر مهم يجب علينا التركيز عليه كتربويين، ويتلخص في ضرورة عدم حصر التعلم بين جدران الصف الأربعة، حيث أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أن التعليم والتعلم عملية شاملة مستمرة تأخذ كل حيز وكل زمان بشرط توفر العوامل الأساسية المطلوبة، كوجود رغبة التعلم عند المتعلم ومعرفة استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة. هذه أمثلة قليلة من ضمن مجموعة واسعة من القضايا التي يجب علينا مراعاتها، ووضع الخطط الحديثة التي تتناسب مع بيئتنا لتطويرها لتتماشى مع النظرة المستقبلية للوطن ولتحقيق ما يطمح إليه الجميع من خير ورقي ونماء.
إضافة إلى ما تقدم، يتوجب علينا الاعتراف بأن هذه المهمة لا يمكن إنجازها بالاعتماد الكلي على صروح التعليم فقط، فمن المستغرب من البعض أنه يحمل قطاع التعليم المسؤولية الكاملة في بناء فكر الإنسان وصقل مهاراته، بينما المسؤولية تفوق قدرات القطاع الواحد بكثير. إن عملية تعزيز المعارف والمهارات والسمات المرنة في الفرد تتم بتناغم وتجانس بين جميع الأطراف والأنظمة المحيطة به والمكونة لمجتمعه، فهناك دور الأسرة الأزلي الذي يبدأ منذ ولادة الطفل، وذلك عن طريق تنشئته بالأساليب التي تدعم فيه هويته وتغرس به مجموعة من المفاهيم والمبادئ التي تشكل نواة كيانه. فترسيخ المبادئ والقيم يبدأ من الأسرة، واكتساب مهارة التحدث والتخاطب السليم يبدأ هناك، وتعزيز روح التعاون والعمل في فريق يبدأ هناك، وتعلم معنى الالتزام والإتقان يبدأ هناك، واكتساب مهارة اتخاذ القرار على أسس متينة يبدأ هناك، والكثير الكثير من المعارف والمهارات والقيم التي لا تعد ولا تحصى تبدأ هناك، فكيف لنا أن نتجاهل دور الأسرة، وأفرادها الذين يشكلون القدوة الأولى؟
ويجب التنويه إلى أن هناك دوراً لطرف ثالث مهم وهو دور المجتمع، حيث ينقسم المجتمع إلى قسمين، وهما المجتمع الصغير، المتمثل بالحي، والكبير المتمثل بالمجتمع، فعلى المجتمع وأفراده أن يؤمنوا بدورهم القيادي المهم في تبني الناشئة وصقل مهاراتهم عن طريق معرفة نقاط قواهم وضعفهم وإدراجهم في برامج تعزز هذه المهارات والقيم المجتمعية التي تساعد على بناء مجتمع سليم.
ويجب علينا أن نتذكر دائماً أن الإنسان كُرم لتفوقه الذهني والعاطفي والاجتماعي على باقي المخلوقات، لذلك يجب علينا أن نهيئ له البيئة التي تساعده على النمو السليم، فهل من المعقول أن يترك تأسيس هذا «الكيان» على عاتق جهة واحدة فقط!
وأخيراً أود أن أتقدم بكلمات إلى معلمتي التي هي «أمي».. كلمات لن توفي حقها فمعذرة يا ملهمتي..
ملهمتي من أعانتني على نفسي، ملهمتي
ملهمتي من غرست فيني وجودي
ملهمتي من ساقتني إلى العلم باختياري
ملهمتي من خلقت لي واقعاً كي يستقل به فضاء تفكيري
ملهمتي من قالت «وما رأيك؟ حان دورك»
ملهمتي من علمتني كيف لكياني أن يزدهر
ملهمتي من جعلتني أتلهف إلى «وما بعد»
ملهمتي بلقيس المعلمة والأم الغريبة على عالم لا يصح فيه إلا صحيحها!
* باحثة ومديرة التطوير الأكاديمي - بوليتكنك البحرين