لا يصلح الموظف إلا حين يصلح المسؤول، وكما قيل بأنه «لا يصلح الجسد إلا حين يصلح الرأس»، فالمسؤول الفاسد أو اللامبالي سيخلق صفاً من الموظفين الكسالى والمفسدين، ولهذا يجب أن يكون المسؤول صالحاً حتى يصلح من هُمْ تحت قيادته ومسؤوليته من الموظفين الصغار.

ذكر لي أحد الموظفين الحكوميين هذه القصة الطريفة، يقول: «أصابتني وعكة صحية ألمتْ بي، وحين ذهبت للمستشفى حصلت على إجازة مرضية لمدة يومين، ولأني لا أستطيع أن أخرج من عملي لإنجاز مهامي الشخصية خلال وقت الدوام، اضطررتُ أن أقوم من فراشي يوم إجازتي المرضية من أجل مراجعة قضية مهمة جداً في المحكمة، وفي أثناء خروجي من المحكمة لسيارتي صادف أن شاهدني أحد كبار المسؤولين الكبار في قسم الموارد البشرية في المؤسسة التي أعمل خلالها عندما كنتُ أمر بجانب المقهى الذي كان يجلس فيه هذا المسؤول مع صديقه». يضيف صاحبنا «حين عدتُ للعمل وبعد مرور نحو أسبوعين من إعطائي لمسؤولي المباشر لإجازتي المرضية من أجل أن يمضي عليها المسؤول الخاص بقسم الموارد البشرية، تبيَّن أن المسؤول رفض توقيع الإجازة لأنه شاهدني يوم الإجازة المرضية في الشارع بجانب المحكمة وهو يجلس في «الكوفي شوب». وهنا أخبرني مسؤولي أن أذهب لذلك المسؤول كي أتفاهم معه وأن أعتذر منه وكل شيء «راح يكون تمام»».

هذه قصة حقيقية وليست قصة خيالية، وهو أن يرفض أحد المسؤولين في قسم الموارد البشرية تمرير إجازة مرضية قانونية وسليمة لأنه شاهد الموظف يمشي «في الشارع» بَيْدَ أن في نظره يجب أن يكون خلال يومي الإجازة على «الفراش»، بينما يجوز لهذا المسؤول أن يترك مكتبه في ذلك اليوم وفي وقت الدوام الرسمي ليتسكع في المقاهي مع أصحابه!

حين تمتنع أيها المسؤول عن توقيع إجازة مرضية رسمية وسليمة من ناحية قانونية لموظف مريض لأي سبب كان، يحق لمن هم فوقك من المسؤولين محاسبتك على خروجك من الدوام ليس لأجل اجتماع في غرفة الاجتماعات وإنما من أجل البسطة في «كوفي شوب». كيف ستكون ردة فعل الموظف الذي شاهدك بأم عينيه وأنت تجلس في مقهى وقت الدوام الرسمي بينما يحق لك أن تعاتبه على ذهابه المحكمة لأجل غرض مهم وهو يمتلك إجازة مرضية حقيقية وليست مزوّرة؟ لقد فهمنا عذر الموظف لكن ما هو عذرك حين يشاهدك هذا الموظف وأنت تجلس في المقهى ثم تأتي من بعيد لتحاسبه على خطأ ترتكبه أنت بصورة أبشع؟

من هنا نحن نؤكد على ضرورة «المسؤول القدوة»، وأن يكون المسؤول أكثر تفهّماً لمشاكل موظفيه وأن يعالج قضاياهم من منطلقات قانونية وليس وفق أمزجته الشخصية، وأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب صغار الموظفين. ما دون ذلك لن يستطيع مثل هذا المسؤول أن يقتدي به أي موظف يعمل تحت إدارته بل ربما سيكونون مثله في كل شيء وهذا أسوأ ما في الأمر.