ياسمين العقيدات:

توقع الخبير الاقتصادي د.جعفر الصايغ حدوث أزمة اقتصادية عالمية العام المقبل "هي الأسوأ في التاريخ" بسبب تراكم الديون على الدول الكبرى مثل أمريكا والصين والاتحاد الاوروبي واليابان.

وعن الوضع الاقتصادي في البحرين، قال الصايغ في حوار لـ"الوطن" إنها "لم تخرج من الأزمة الاقتصادية بسبب استمرار ارتفاع العجز المالي والدين العام، ومع استمرار الوضع الحالي في أسواق النفط فمن المتوقع أن يواصل الدين العام ارتفاعه في السنوات المقبلة"، مؤكداً أن "لا مفر من فرض الضرائب لكن بعد تحسين المناخ الاستثماري وتعزيز القدرات التنافسية لدى المؤسسات والوحدات الإنتاجية".

وأضاف أن سوق العمل في البحرين "شهد تطوراً إصلاحياً إيجابياً خلال السنوات القليلة الماضية خاصة في عملية التدريب وتأهيل الكفاءات المحلية ودعم المؤسسات الصغيرة وصغار المستثمرين".

وفي ما يلي نص الحوار:

- الى أي مدى تأثرت إيرادات دول الخليج بعد تراجع النفط؟

تأثرت هذه الدول كافة بشكل كبير بانخفاض أسعار النفط، حيث تراجعت ايراداتها بشكل هائل وسجلت عجوزات مالية في الميزانية العامة، ما أدى الى ارتفاع في الدين العام بشكل غير مسبوق. فقد كان العجز يرتفع في بعض هذه الدول بنسبة ١٠٠٪؜ ووصل الدين العام إلى أكثر من ٤٠٪؜ من إجمالي الناتج المحلي. كل هذا الوضع أجبر هذه الدول على إعادة النظر في سياستها المالية وخاصة في سياسة الدعم الحكومي، ما أدى إلى ترشيد متواصل في المصروفات الحكومية وخفض الدعم عن بعض السلع كالمشتقات النفطية والكهرباء وبعض المنتجات الغذائية. كما رفعت دول المنطقة الرسوم على الخدمات الحكومية وفكرت بشكل جدي في فرض الضرائب كضريبة القيمة المضافة.

- إلى أي مدى تأثرت إيرادات البحرين؟

البحرين هي الأفقر في الموارد النفطية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتنتج نحو 200 ألف برميل من النفط الخام يومياً ومواردها غير االنفطية ضئيلة جداً لا تتجاوز 15% فقط من مجمل الإيرادات العامة. وحسب ما جاء في الميزانية العامة فإن فوائد الدين الحكومي للسنة المالية 2017 قدرت بـ477 مليون دينار بارتفاع 22% مقارنة بالقيمة المقدرة لهذه الفوائد في قانون اعتماد ميزانية للسنتين الماليتين 2015 - 2016 ومبلغ 553 مليون دينار للسنة المالية 2018، بارتفاع 16% مقارنة بـ2017.

- ما مستقبل أسعار النفط؟

أسعار النفط من أكثر الأسعار تقلباً في الأسواق العالمية فهي تتأثر بعوامل اقتصادية وسياسية، كما أن كثيراً من المنتجين والمصدرين الكبار هم خارج منظمة أوبك، ما يعني صعوبة التنسيق في الإنتاج والتصدير. إضافة إلى وجود تباين في وجهات النظر بين أعضاء المنظمة وهذا ما ساهم في أزمة النفط الحالية.

- هل تتجه أسعار النفط للارتفاع أم الانخفاض في الفترة المقبلة؟

كل التوقعات تشير إلى أن أسعار النفط ستبقى منخفضة بعض من الوقت، ربما لسنوات، قبل أن تعاود الارتفاع، الأمر الذي يتطلب تنسيقاً أكثر بين الدول الأعضاء لضمان ارتفاع أسعار النفط، فلا مؤشرات على ارتفاع قريب في الأسعار. لكن يجب القول إن أسعار النفط لا أمان لها، قد تحدث تطورات سياسية أو أمنية هنا أو هناك وتؤدي إلى ارتفاعها.

- هل نجحت البحرين في تنويع مصادر الدخل؟

نعم نسبياً نجحت في إيجاد قطاعات غير نفطية تسهم في العملية التنموية وخلق فرص عمل للمواطنين كالقطاع المصرفي والخدمات وصناعة الألمنيوم، لكن لا نزال بعيدين عن أهداف استراتيجية تنويع مصادر الدخل، فلا يزال اقتصادنا يعتمد بشكل كبير على النفط في تمويل المصروفات العامة، والوضع الاقتصادي الحالي خير دليل، فنتيجة لتدهور أسعار النفط دخل الاقتصاد البحريني وبقية الاقتصادات الخليجية حالة الركود الاقتصادي.

- هناك توقعات بأزمة عالمية مقبلة، ما سببها وما الآثار المتوقعة لها؟

التوقعات تشير إلى حدوث أزمة هي الأسوأ في التاريخ نتيجة لتراكم الديون على الدول الكبرى وكثير من الدول الأخرى. وقد تحدث في العام المقبل، فهذه الدول أصبحت مثقلة بالديون كالصين وأمريكا وبقية الشركاء التجاريين ومنهم اليابان والاتحاد الأوروبي. وعلى سبيل المثال حجم الديون الأمريكية وصل إلى 19 تريليون دولار، كما وصل حجم الديون الصينية إلى أكثر من 25 تريليون دولار. ومع ارتفاع سعر الفائدة الأميركي سيؤدي ذلك إلى انخفاض في أسعار العقار وارتفاع سعر الفائدة على القروض ما قد يؤثر سلباً على البنوك والمؤسسات المالية والأسهم والاستثمارات العقارية. والخبراء يشيرون إلى أن هناك مؤشرات اقتصادية تؤكد قرب حدوث الأزمة العالمية، منها مثلاً أن أسهم العديد من الشركات الأمريكية تحولت إلى فقاعات وقيمتها لا تعبر عن الوضع الحقيقي لها، وهذا يعني ان هذ الفقاعة قد تنفجر في اي لحظة. ويشير الخبراء والمحللون إلى أن الأزمة القادمة ستكون أكثر تدميراً من أزمة الرهن العقاري عام ٢٠٠٨. حيث ستطيح بمؤسسات عالمية وبحكومات. وهذا يتطلب من الجميع اتخاذ التدابير اللازمة وتفعيل إدارة المخاطر وخطط الطوارئ، لحماية اقتصادنا خاصة أننا نعاني من ارتفاع في المديونية واقتصادنا في وضع مالي تقشفي.

- ما انعكاسات ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية اقتصادياً على ميزانية البحرين؟

من الواضح جدا أن دول المنطقة بدأت تفكر جدياً في اللجوء الى النظام الضريبي نتيجة الوضع المالي الصعب، وقد حسمت أمرها بالفعل في فرض ضريبة القيمة المضافة. تعرف القيمة المضافة بأنها الفرق بين قيمة السلع المنتجة وقيمة المواد التي دخلت في إنتاجها وهو ما يعرف بالاستهلاك الوسيط في عملية الإنتاج: القيمة المضافة - قيمة الإنتاج - الاستهلاك الوسيط وتحسب بهذه الطريقة القيمة المضافة = ثمن البيع - كلفة الشراء أو كلفة الإنتاج.

ومن المتوقع أن يؤدي فرض هذه الضريبة إلى ارتفاع نسبي في الأسعار خاصة أن المستهلك هو الذي سيتحمل أعباء هذه الضريبة. ويتوقع أن تبلغ عائدات الدولة من هذه الضريبة بين ٢٥٠ إلى ٣٠٠ مليون دينار سنوياً.

- ما تأثيرات ضريبة القيمة المضافة على المستوى المعيشي للعمالة الوافدة والموظفين في البحرين والتضخم والمستوى المعيشي عموماً؟

من المتوقع أن تؤثر على الأسعار والمستوى المعيشي بشكل نسبي وخاصة على ذوي الدخل المحدود. الأمر الذي يتطلب مراقبة حكومية لتجنب ارتفاع الأسعار.

- هل استطاعات السياحة في البحرين دعم وتنشيط الحركة الاقتصادية؟

استطاعت البحرين أن تنمي قطاعها السياحي بحيث أصبح داعماً للحركة الاقتصادية، لكنه لا يزال في حاجة إلى استثمارات هائلة لتعزيز قدراته التنافسية. تتمتع البحرين بموقع جغرافي استراتيجي يساعدها على أن تكون قبلة سياحية للمجتمعات الخليجية. كما أن هناك موارد سياحية لا تزال غير مستغلة تماماً.

- ما تأثير رسوم سوق العمل على الاقتصاد في البحرين؟

شهد سوق العمل تطوراً إصلاحياً إيجابياً خلال السنوات القليلة الماضية خاصة في عملية التدريب وتأهيل الكفاءات المحلية ودعم المؤسسات الصغيرة وصغار المستثمرين. أما بالنسبة لرسوم سوق العمل فهي إيجابية من ناحية رفع تكلفة العمالة الوافدة وسلبية من ناحية رفع تكلفة الإنتاج.

- كيف يؤثر علاج المشاريع المتعثرة على سمعة اقتصاد البحرين؟

بلا شك مع زيادة المشاريع المتعثرة ستتأثر سمعة البحرين ومناخها الاستثماري والعكس صحيح فإن معالجة تلك المشاريع سيعزز من قدرة الدولة على استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية.

- هل أثر ارتفاع الدين العام في قدرة البحرين على الاقتراض؟

وفق البيانات الصادرة عن مصرف البحرين المركزي، فإن الدين العام ارتفع بنسبة 40.8% في فبراير الماضي على أساس سنوي، أي إلى 23.6 مليار دولار (9 مليارات دينار) من 18.7 مليار دولار في ذات الشهر من 2016، فيما كان قبل 10 سنوات (2007) حوالي 616.6 مليون دينار (أي حوالي 1.6 مليار دولار). ومع استمرار الوضع الحالي في أسواق النفط فمن المتوقع أن يواصل الدين العام ارتفاعه في السنوات المقبلة. تظهر الموازنة العامة 2017 – 2018 أن الدين العام يتجه لمزيد من الارتفاع لمستويات غير مسبوقة وقد يتجاوز الـ100% من إجمالي الناتج المحلي في حال وصل إلى السقف الأعلى والمتمثل في 13 مليار دينار (حسب التعديل الجديد في القانون). استمرار ارتفاع الدين العام له تداعيات خطيرة على الاقتصاد البحريني وقد أثر على تصنيفها الائتماني. استمرار هذا الارتفاع سيؤثر بلا شك على قدرة الاقتراض وخاصة من الأسواق العالمية. أعتقد بأننا أمام تحد كبير لوضع حد للمديونية خاصة أن الموارد الطبيعية في البحرين محدودة جداً.

- بعد توقع الصندوق النقد الدولي بأن يرتفع الدين العام خلال العام الحالي في ظل التأثر بتداعيات تراجع اسعار النفط، ما أفضل الحلول للخروج من هذه الأزمة؟

أعتقد بأننا نحتاج إلى إعادة النظر في دور الدولة بالاقتصاد بحيث لا تكون هي الوحيدة التي يعتمد عليها الاقتصاد في ضخ السيولة وتوفير فرص العمل وإنشاء الوحدات الإنتاجية الكبيرة، بهذه الطريقة ستتخلص الدولة من كثير من الأعباء المالية، إضافة إلى ترشيد الإنفاق وتشجيع القطاع الخاص على لعب دور أكبر.

- تتباين التصريحات بين من يقول إن البحرين خرجت من الأزمة الاقتصادية وبين من يقول إن الأزمة مازالت مستمرة، ما رأيك؟

في ظل استمرار ارتفاع العجز المالي والدين العام، أعتقد بأن من الخطأ القول إن البحرين خرجت من الأزمة.

- ما المصادر البديلة لزيادة دخل الدولة؟

تطوير القطاعات غير النفطية كالصناعة والخدمات والاتصالات ودعم القطاع الخاص من ناحية التشريعات والسياسات المناسبة. ولا مفر من فرض الضرائب لكن بعد تحسين المناخ الاستثماري وتعزيز القدرات التنافسية لدى المؤسسات والوحدات الإنتاجية.

- كان من المتوقع ان تكون البحرين مرفأ اقتصادياً إقليمياً، ما الذي يحول دون تحقيق ذلك؟

مازال بإمكان البحرين أن تكون كذلك. وأعتقد بأن أهم التحديات التي تواجه البحرين في هذا المجال هو المنافسة الشرسة من بعض الدول الإقليمية التي خصصت أموالاً هائلة لتطوير البنية التحتية.