لا انقلاب حقيقيا في الأحوال السياسية والاقتصادية يحدث مباشرة بمجرد إعلان التغيير. هذه قاعدة في الدرس التاريخي، لن نكون نحن فيها الاستثناء. فالجمهورية الفرنسية التي تباهي اليوم بمعالم الديمقراطية في نظامها، هي الجمهورية الخامسة. حيث سقطت ثورتها التي انطلقت عام 1789 فألهمت العالم كله مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان، وأسست أول جمهورية في أوروبا بعد بضع سنوات على يد نابليون بونابرت الذي عين نفسه إمبراطوراً عليها. وأخذت فرنسا تعالج ثورتها على مدى أكثر من 300 عام ليستقر وضعها على النحو الآني. ولا يعني مفهوم حرق المراحل أن نقطف ثمار تجارب من سبقونا. بل يعني في أعقل تعريفاته أن نستفيد من تجاربهم ولا نعيد أخطاءهم. هذه قاعدة حتمية في شروط نجاح التجارب الإنسانية.
لا مزايدات في أن التنوع هو أساس نجاح التجربة الديمقراطية، وأن وجود جمعيتي «الوفاق» و«وعد»، كان ضرورياً لاكتمال المشهد السياسي في البحرين في التجربة الإصلاحية بعد عام 2000. ولكن.. كان طبيعياً أن ينتهي المشهد بأن يزيحا نفسيهما عن الساحة بعد سلسلة المغامرات غير المحسوبة، أو ربما المحسوبة!! بعدما انجرفت الجمعيتان في بلد بادر نظامه السياسي بأن يستأنف مسيرته الديمقراطية في خضم تحديات كبيرة. ولكن النظام أقدم على التجربة، فالحراك السياسي ليس «لعب عيال»، وليس مزايدات وخطباً نارية وحشد الشوارع «عصرية» الجمعة. الحراك السياسي هو برنامج عمل إصلاحي يمثل كل فئات الشعب بتوسيع القواعد الجماهيرية في جغرافيا الوطن كله قدر المستطاع. الحراك السياسي هو تفاوض مع الحكومة لا تصارع معها، وقبول تكتيكي بالقليل للاحتفاظ بمساحة كسب المزيد لاحقاً.
كانت إشكالية «الوفاق» الجذرية في تكوينها الطائفي، وتلك مسألة نقاشها ليس في هذه المساحة. وكانت أزمة «وعد» في عجزها «الغريب» عن تكوين قواعد شعبية متنوعة تتناسب مع فلسفتها اليسارية وتاريخها الوطني الطويل. ومن ثم استعجلت جمعية «وعد» في قطف الثمار فسلمت كل بيضاتها للسلة الوفاقية، مجاناً ودون أي ثمن. ولا حتى دائرة انتخابية واحدة توصل نائب وعدي لكرسي البرلمان. واسألوا الوعديين الذين خاضوا حروباً انتخابية ضارية لا تخلو من سيف التكفير مع الوفاقيين في الدوائر الانتخابية المختلطة. قنعت جمعية «وعد»، على ما يبدو، باستقبال زعمائها استقبال الأبطال في مسارح الحشود في مناطق «الوفاق»، ومقاعد المآتم لإلقاء المحاضرات، وبحضور ممثليها بعض المناسبات الدينية. أين تواجدت جمعية «وعد» اليسارية، القومية، شعبياً وجماهيرياً في غير ذلك خارج مقرها؟!
تلك صفحة وطويت. استنزفت فيها الدولة والمواطنون في مهاترات لا تمس المواطن البحريني، لا في حقوقه الوظيفية ولا الخدماتية، ولا التشريعية، ولا التنموية، ولا (....)، صراعات كان جوهرها يقوم على تقاسم السلطة وتوزيع المناصب وتوسيع الصلاحيات. وكانت الأزمات الإقليمية والمشكلات الاقتصادية، والتحولات السياسية تتربص بالبحرين وتهدد استقرارها وأمنها، وكانت، أثناء كل ذلك، نيران الشوارع ودمائه أداة للضغط على النظام وابتزازه في المحافل الدولية. فحسم النظام أمره في إعادة ترتيب مسار التجربة الديمقراطية الثانية في البحرين بتحويل جمعيتي «الوفاق» و«وعد» للقضاء الذي قضى بحل الجمعيتين وتصفية مواردهما المالية.
وتلك صفحة قد طويت، ولكن صفحة الحراك الديمقراطي لم تطو. فالديمقراطية ليست جمعية «الوفاق» و«وعد» اللتين مارستا انحيازاً واضحاً واستخدمتا خطاباً غير ديمقراطي. الحراك الديمقراطي هو معالجة تداعيات الوقت الراهن بما يخدم استمرار تطوير قرار النظام بتدشين مرحلة جديدة من الديمقراطية. فلقد صار لدينا دستور ديمقراطي يمكن البناء عليه، ولدينا مؤسسات ديمقراطية يمكن تطويرها. ولدينا قضايا وأزمات يلح المواطنون في ضرورة مناقشتها في البرلمان والخروج منها بحلول حقيقية، دون صراع مع الدولة، ودون تطبيل للحكومة من أجل حصد مكاسب.
ويمكن تصنيف قرار جمعية المنبر التقدمي بخوض انتخابات عام 2018 واحداً من القرارات الشجاعة في هذا الاتجاه، برغم كل التحديات الجبارة التي تواجهه والتي ستترصد به لإفشاله. فالحراك السياسي في البحرين يجب ألا يخلو من ممثل للتيار الديمقراطي والاتجاه اليساري بعد أن صبغت الجمعيات السياسية الدينية البرلمان بصبغتها. ويجب أن يحمل الحراك الديمقراطي خطاباً سياسياً منظماً جديداً يتجاوز الخطابات التي سبقت. فهل سينجح المنبر التقدمي فيما فشلت فيه جميع الجمعيات السياسية سابقا وهو أحدها؟ هل سيستثمر ما بقي من فرص أهدرتها «الوفاق» و«وعد» لوضع قواعد لعبة ديمقراطية سليمة بين الجمعيات السياسية «المعارضة» والحكومة؟
قرار جمعية المنبر التقدمي بخوض غمار انتخابات 2018 هو قرار شجاع يستحق التقدير، من حيث هو قرار يدعم الدولة «كمفهوم وطني وتنظيمي يلتف حوله الجميع»، ويعزز قوتها وقدرتها على حماية كيانها وأمنها بتواجد المعارضة في قوائم الانتخابات. ومن حيث هو قرار يعبر عن حس المسؤولية بالإيمان بضرورة الاستمرار في طريق الديمقراطية الطويل والشاق وتعميق التجربة الديمقراطية أياً كانت التحديات وأياً كانت النتائج الصعبة المتوقعة.
لا مزايدات في أن التنوع هو أساس نجاح التجربة الديمقراطية، وأن وجود جمعيتي «الوفاق» و«وعد»، كان ضرورياً لاكتمال المشهد السياسي في البحرين في التجربة الإصلاحية بعد عام 2000. ولكن.. كان طبيعياً أن ينتهي المشهد بأن يزيحا نفسيهما عن الساحة بعد سلسلة المغامرات غير المحسوبة، أو ربما المحسوبة!! بعدما انجرفت الجمعيتان في بلد بادر نظامه السياسي بأن يستأنف مسيرته الديمقراطية في خضم تحديات كبيرة. ولكن النظام أقدم على التجربة، فالحراك السياسي ليس «لعب عيال»، وليس مزايدات وخطباً نارية وحشد الشوارع «عصرية» الجمعة. الحراك السياسي هو برنامج عمل إصلاحي يمثل كل فئات الشعب بتوسيع القواعد الجماهيرية في جغرافيا الوطن كله قدر المستطاع. الحراك السياسي هو تفاوض مع الحكومة لا تصارع معها، وقبول تكتيكي بالقليل للاحتفاظ بمساحة كسب المزيد لاحقاً.
كانت إشكالية «الوفاق» الجذرية في تكوينها الطائفي، وتلك مسألة نقاشها ليس في هذه المساحة. وكانت أزمة «وعد» في عجزها «الغريب» عن تكوين قواعد شعبية متنوعة تتناسب مع فلسفتها اليسارية وتاريخها الوطني الطويل. ومن ثم استعجلت جمعية «وعد» في قطف الثمار فسلمت كل بيضاتها للسلة الوفاقية، مجاناً ودون أي ثمن. ولا حتى دائرة انتخابية واحدة توصل نائب وعدي لكرسي البرلمان. واسألوا الوعديين الذين خاضوا حروباً انتخابية ضارية لا تخلو من سيف التكفير مع الوفاقيين في الدوائر الانتخابية المختلطة. قنعت جمعية «وعد»، على ما يبدو، باستقبال زعمائها استقبال الأبطال في مسارح الحشود في مناطق «الوفاق»، ومقاعد المآتم لإلقاء المحاضرات، وبحضور ممثليها بعض المناسبات الدينية. أين تواجدت جمعية «وعد» اليسارية، القومية، شعبياً وجماهيرياً في غير ذلك خارج مقرها؟!
تلك صفحة وطويت. استنزفت فيها الدولة والمواطنون في مهاترات لا تمس المواطن البحريني، لا في حقوقه الوظيفية ولا الخدماتية، ولا التشريعية، ولا التنموية، ولا (....)، صراعات كان جوهرها يقوم على تقاسم السلطة وتوزيع المناصب وتوسيع الصلاحيات. وكانت الأزمات الإقليمية والمشكلات الاقتصادية، والتحولات السياسية تتربص بالبحرين وتهدد استقرارها وأمنها، وكانت، أثناء كل ذلك، نيران الشوارع ودمائه أداة للضغط على النظام وابتزازه في المحافل الدولية. فحسم النظام أمره في إعادة ترتيب مسار التجربة الديمقراطية الثانية في البحرين بتحويل جمعيتي «الوفاق» و«وعد» للقضاء الذي قضى بحل الجمعيتين وتصفية مواردهما المالية.
وتلك صفحة قد طويت، ولكن صفحة الحراك الديمقراطي لم تطو. فالديمقراطية ليست جمعية «الوفاق» و«وعد» اللتين مارستا انحيازاً واضحاً واستخدمتا خطاباً غير ديمقراطي. الحراك الديمقراطي هو معالجة تداعيات الوقت الراهن بما يخدم استمرار تطوير قرار النظام بتدشين مرحلة جديدة من الديمقراطية. فلقد صار لدينا دستور ديمقراطي يمكن البناء عليه، ولدينا مؤسسات ديمقراطية يمكن تطويرها. ولدينا قضايا وأزمات يلح المواطنون في ضرورة مناقشتها في البرلمان والخروج منها بحلول حقيقية، دون صراع مع الدولة، ودون تطبيل للحكومة من أجل حصد مكاسب.
ويمكن تصنيف قرار جمعية المنبر التقدمي بخوض انتخابات عام 2018 واحداً من القرارات الشجاعة في هذا الاتجاه، برغم كل التحديات الجبارة التي تواجهه والتي ستترصد به لإفشاله. فالحراك السياسي في البحرين يجب ألا يخلو من ممثل للتيار الديمقراطي والاتجاه اليساري بعد أن صبغت الجمعيات السياسية الدينية البرلمان بصبغتها. ويجب أن يحمل الحراك الديمقراطي خطاباً سياسياً منظماً جديداً يتجاوز الخطابات التي سبقت. فهل سينجح المنبر التقدمي فيما فشلت فيه جميع الجمعيات السياسية سابقا وهو أحدها؟ هل سيستثمر ما بقي من فرص أهدرتها «الوفاق» و«وعد» لوضع قواعد لعبة ديمقراطية سليمة بين الجمعيات السياسية «المعارضة» والحكومة؟
قرار جمعية المنبر التقدمي بخوض غمار انتخابات 2018 هو قرار شجاع يستحق التقدير، من حيث هو قرار يدعم الدولة «كمفهوم وطني وتنظيمي يلتف حوله الجميع»، ويعزز قوتها وقدرتها على حماية كيانها وأمنها بتواجد المعارضة في قوائم الانتخابات. ومن حيث هو قرار يعبر عن حس المسؤولية بالإيمان بضرورة الاستمرار في طريق الديمقراطية الطويل والشاق وتعميق التجربة الديمقراطية أياً كانت التحديات وأياً كانت النتائج الصعبة المتوقعة.