فاطمة عبدالله خليل:
كشف المؤرخ أ.د عبد الهادي العجمي رئيس قسم التاريخ بجامعة الكويت عن وجود مخطوطات عربية في دير يوناني، مشيدا بملتقى البحرين للمؤرخين والباحثين الخليجيين وأهميته في إبراز الكفاءات الخليجية في مجال التأريخ.
وأشار في لقائه بـ"الوطن" إلى أن الدراسات التاريخية تسير جنباً إلى جنب وفي تطور مستمر مع الدراسات السياسية، وأنها أسهمت في كشف زيف وبطلان الصورة المشوهة عندما تمت محاولة تزييف التاريخ فترة حرب الخليج الثانية -الغزو العراقي للكويت- إذ عمل المؤرخون والباحثون على التصدي للادعاءات الزائفة وتفكيكها.
وحول استهلاك صورة الخليج وحصرها نمطياً في صورة الصحراء والجمل والخيمية وغيرها من تلك المشاهد والصور، قال العجمي إن ذلك ربما يعكس لدى البعض غياب الفكر والثقافة والحداثة بمصطلح أوسع، وأنه ربما تكون هذه الأمور مبالغات صنعها الآخر لنمط الشخصية الخليجية، كاشفا عن الخلط الحاصل بين ما يقدمه الإعلام من مواد تاريخية وبين حقيقة الجهود التاريخية بقوله "هناك تنقيب واستكشاف وبعثات علمية مستمرة بكل جامعات الدول الخليجية، فضلاً عن أعمال مؤلفات ومكتشفات ومخطوطات يتم تحقيقها والعمل عليها، ومجلات علمية وأوراق ودوريات ذات تصنيفات عالمية، إلى جانب المكتبات الثرية التي تؤرشف مقتنياتها، يضاف إلى ذلك توافر كمية من المعلومات والبنية التحتية للباحثين والتي تصلح لكي تكون أساس لنهضة علمية، وهذا بعيد كل البعد عما تقدمه المسلسلات والبرامج التلفزيونية، والإعلام لا يسلط الضوء على هذه الجهود الحقيقية"، كثير من الوقفات والمفاصل التاريخية المهمة، وحديث حول التاريخ والمؤرخين، باح به العجمي في لقاء حصري للوطن، إليكم نصه:
- أن يقوم باحث خليجي بالكشف عن مخطوطات عربية في دير يوناني ليس بالشيء اليسير فقد كان العكس هو الصحيح أن يقوم باحث أو مستشرق غربي بالكشف عن مخطوط عربي في مكان عربي منعزل وهو ما اعتدنا عليه.. حدثنا عن المخطوط وعن دوركم في ذلك.
لا شك أن الاهتمام بالتاريخ والتراث والثقافة العربية بشكل عام والاسلامية بشكل خاص يأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام المؤرخين والمستشرقين الغربيين، وحين تشكلت ملامح الكثير من الدول العربية وتأسست بها جامعات بعد زوال الاستعمار الغربي بدا أن هناك محاولات عربية جادة للحاق بركب الحضارة الإنسانية واستعادة جذور الثقافة والحضارة العربية والإسلامية من خلال البحث عن المؤلفات والمخطوطات والكتب وإعادة إحيائها ونشرها، وإعادة هذه المعارف العربية والإسلامية التي كتبها فقهاء ومؤرخون وعلماء عرب مسلمين وغيرهم خلال 1400عام. فلم يكن هناك اهتمام حقيقي بها إلا من قبل المستشرقين، لذا عندما تأسست الجامعات العربية ألقى على عاتقها جزء كبير من مسؤولية تمثلت بشكل مباشر في البحث عن هذا الإرث الحضاري وحفظه ونشره وتحقيقه، وبالفعل بدأت هذه الحركة المحمومة من قبل الجامعات لا سيما الجامعات المصرية وبعض الجامعات بالشام، وبالنسبة لجامعات الخليج فإنها وبفعل بعض الظروف والأوضاع السياسية والاقتصادية ربما تكون قد بدأت بشكل متأخر منذ سبعينيات القرن الماضي تقريباً وبما يعني أن بعض الجامعات العربية سبقتنا بحوالي خمسون عام تقريبا، حيث بدت كثير من الجامعات العربية بالخليج في محاولات جادة للحقاق بركب الاهتمام بالمخطوطات العربية وعمليات تحقيقها ومنها جامعة الكويت.
ووفقاً لما اكتشفناه فإن المخطوطات التي تتناول بعض مجالات المعرفة العربية الإسلامية كالطب والفقه، إضافة لمخطوطات أخرى عن المسيحية والكتاب المقدس (العهد القديم)، لم تدخل كثيراً منها سجلات المعرفة الإنسانية والتراثية بالنسبة للباحثين والمؤرخين، ولم تدرج ضمن سجلات أو مكتبات الجامعات العربية أو أرشيفها المختلفة؛ فمن المعروف أن أغلب المخطوطات في معظم دول العالم تمت أرشفتها، لذا بقيت بالنسبة لنا زوايا صغيرة يمكن البحث فيها، وهي عمليات البحث في الأماكن التي لم تطلها عمليات الأرشفة ولم تدخل في عمليات الرصد في السجلات التاريخية والمعرفة الانسانية بشكل عام، وهذا كان أهم محور من محاور الرحلة البحثية الكشفية الأخيرة حيث كانت واجهتنا "آثوس" الجبل المقدس باليونان وتحديدًا قصدنا فيه المكتبات والأديرة التي تقبع على سفوح هذا الجبل وتحوي بين جنباتها عدد كبير من المخطوطات والرقاع والصحائف الإسلامية العربية النادرة التي لم تدخل ضمن نطاق التراث المعرفي الإسلامي حتى اليوم.
وعن دورنا في ذلك أو دور البعثة الكشفية الكويتية عموما، فمن ناحيتي الشخصية أنا على قناعة أنه على الرغم من وجود آلاف من المخطوطات العربية والإسلامية النادرة الموجودة في مكتبات ومتاحف أوروبا، فإن الجزء الأكبر من المخطوطات والرقاع التاريخية النادرة لايزال موجود وبكراً بين ثنايا الأديرة والكنائس ورفوف المكتبات الصغيرة الموجودة في مثل تلك المناطق الجغرافية (وهو ماكان بالفعل). فالزيارة التي استمرت لعدة أيام متواصلة من البحث والتنقيب في بقعة جغرافية ذات حساسية دينية وجغرافية خاصة في المنطقة التي تقع في شمال اليونان ويطلق عليها الجبل المقدس أو حديقة أم الإلة لا يسمح بدخولها إلا للرجال فقط ومحرمة على النساء منذ قرون بعيدة، كما أن الدخول لها وزيارتها يحتاج لإجراءات خاصة تقتصر في الغالب على دعوات محددة من سلطة الجزيرة نفسها والتي تشرف على كافة برامج الزيارة بل وتستضيف في أديرتها وكنائسها الزوار طول إقامتهم، فالمنطقة تعتبر مكاناً نسكياً خاصاً بالكنائس الأرثوذكسية وتتبع روحيًا سلطة بطريرك القسطنطينية، ومنذ نزلنا أرض الجبل كنا حريصين على استغلال الأيام الممنوحة لنا حيث استهدفنا ومنذ الساعات الأولى أقدم المقرات والأديرة والأماكن التي تقع فيها المكتبات التاريخية بشكل يضمن للفريق الاطلاع على أهم أماكن المكتبات والأديرة.
وصلت الكتابة التاريخية للابحاث المتعلقة بالخليج العربي إلى فترة مظلمة، وهي مرحلة الوجود البرتغالي في الخليج، لماذا تأخرت دراسة الوثائق البرتغالية؟ ثم أن الهولنديون سادوا منطقة الخليج العربي لفترة ليست بقصيرة، وحكموه من جزيرة خرج، ما المطلوب للوصول إلى وثائق الهولنديين وما الجوانب التي سيحرص الباحث الخليجي على الوصول اليها؟
الحقيقة أنه خلال العشرين العام المنقضية الأخيرة، كان للباحثين الخليجيين جهود كبيرة في البحث في مختلف الجهات عن الوثائق التي تتعلق بالخليج، بل وأصبح البحث في تلك الوثائق محط اهتمام كبير بالنسبة للأقسام العلمية وأقسام التاريخ في معظم جامعات دول الخيج العربي، ونشأ جيل من الباحثين المتميزين الذين استطاعوا كشف كثير من الخبايا التي تتعلق بتاريخ أوطانهم من خلال تلك الوثائق، لكن ربما وبسبب بعض الصعوبات وبسبب طبيعة الأوضاع بالمنطقة لا سيما بالنسبة للدول الاستعمارية ومنها البرتغال وهولندا وبريطانيا، تلك الدول التي كانت تسيطر على معظم دول ومناطق الخليج، وبسبب اللغة خاصة أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الأهم، وبسبب الفترة الطويلة التي قضاها الإنجليز بالمنطقة أصبحت الوثائق الإنجليزية الأغنى والأكثر تفاصيل هي محط اهتمام واسع لمن يؤرخ لمنطقة الخليج وأصبحت وثائق المستعمر الإنجليزي هي الهدف لكل الباحثين لفهم تطور ونشأة المجتمعات الخليجية وطبيعة أدوراها وسياستها، لذا الوثائق الإنجليزية مثلت الجزء الأكبر والأوفر والأسهل والأهم، أتى بعدها الوثائق العثمانية في الدرجة الثانية، ومن بعدها البرتغالية، ومن ثم الهولندية والفرنسية وغيرها، لذا وكما أشرت طول فترة بقاء الإنجليز وكبر مساحة ما تناولته الوثائق الإنجليزية عن المنطقة بكل تفصيلاتها ومع طبيعة اللغة البرتغالية والهولندية أصبحت الوثائق البريطانية الخيار الأنسب والأسهل، وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك دراسات وأبحاث متعددة تناولت الوثائق البرتغالية والهولندية على العكس، لكن تبقى هذه الدراسات بحاجة للمزيد من البحث والدراسة والاعتناء، وعندنا بجامعة الكويت بعض الزملاء الذين لهم اهتمام كبير بمثل تلك الوثائق منهم دكتور خالد الوسمي إضافة لعدد من الترجمات التي تستهدف بشكل رئيس هذه الوثائق وهي محط اهتمام، وهو أمر مستمر ويبقى أنه مازال هناك آلاف الوثائق في الأرشيفين الهولندي والبرتغالي ما زالت قابلة للاكتشاف وإعادة التقييم والقراءة، وما زالت في طريق الباحثين، ومركز الدراسات الكويتية على سبيل المثال يقوم عادة بمحاولات جدية في هذا الإطار وجمع هذه الوثائق وتصنيفها.
- ما دور المؤرخ في تجديد جرعة التواصل الخليجي؟
في الواقع، إن المؤرخين الخليجيين يقع عليهم عبء ومسؤولية كبيرة، ففي المشترك الخليج كان للتاريخ دائماً عمق مهم جداً، فرغم مرور منطقة الخليج بالعديد من الأزمات فيما بينها ومع الآخر لكنها ظلت مرتبطة بنسيج اجتماعي واحد ومصير واحد وعلاقات مجتمعية وروابط مجتمعية واحدة، فرغم محاولات الاستعمار البريطاني لسنوات عديدة تقسيم المنطقة إلا أن هذا الترابط ظل العامل المشترك والمشهد الأبرز في مختلف مناحي الحياة والعلاقة بين المجتمعات، بل والسلطات الحاكمة نفسها. والتاريخ يؤكد ويظهر ذلك؛ فجهود الكويت مثلاً في علاقتها مع البحرين أو الإمارات قبل الاستقلال وبعده علاقات تثبت طبيعة هذه العلاقة وتؤكدها؛ فالكويت كانت ومنذ خمسينيات القرن الماضي ترسل المساعدات الطبية والتعلمية لإمارات الساحل المتصالح بل وكانت تتحدى بذلك الإدارة البريطانية التي كانت تسيطر على مقاليد ومقدرات الأمور بالمنطقة، حيث كان البريطانيون يحولون دون تكامل لأي دور أو حراك عربي فعال. بل تكشف لنا الوثائق البريطانية أن لندن كانت تعتبر هذه المساعدات تحدياً مباشراً لها في بعض الأحيان، وكانت تتساءل في أحيان أخرى عن الدوافع الحقيقية لها، إذاً مثل هذه الجهود المبكرة تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن التاريخ قاسم مشترك وأن هذه الجهود كانت تأتي من منطلق قناعة بوحدة هذا المصير، ودلالة على صدق النوايا والأهداف، وضمن إطار سياسة ورغبة حقيقية في التعاون بين الأشقاء حتى قبل أن تتحدد ملامح وطبيعة الأنظمة والسلطات في بعض المناطق وتتشكل.
- ما دور مراكز الأبحاث التاريخية في دعم الوحدة الخليجية؟ وكيف تقيم نشاطاتها بالخليج العربي؟
نعتقد أن المؤرخين الخليجيين يحملون مهام كبيرة خصوصا من جهة بيان طبيعة الحالة الخليجية وتطورات المشترك الخليجي استناداً وبشكل مباشر على التاريخ ولا يوجد ثمة من ينكر أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين تقدم المجتمعات وبين فعالية مراكز الدراسات والأبحاث فيها. فمراكز الأبحاث على اختلاف تخصصاتها وتصنيفاتها هي في الواقع تشكل أهم المؤسسات القادرة على دراسة القضايا، والقادرة على وضع الخطط وتقديم الرؤى والتوصيات والمقترحات التي تساعد صانع القرار أو السلطة بشكل عام، والحقيقة أن المراكز البحثية يجب أن يتم التفريق بينها وبين بعض الصور الأخرى التي يقدمها أناس امتهنوا التاريخ وبعض أصحاب البرامج التلفزيونية، وهم ليسوا أهل تخصص، ويبقى كل عمل قاموا به غير مجود، وربما يفتقر للدقة والثقة والموضوعية العلمية لسبب بسيط أن من يقدمة أو من صنعه من غير أهل الاختصاص، لذا لا يمكن الحكم على المعرفة التاريخية أو التطور المعرفي التاريخي الموجود حالياً بدول مجلس التعاون من خلال ما تقدمة تلك البرامج أو ما يحاول تصديره البعض من غير المختصين من مشاهد منقوصة تفتقر للدقة والحقيقة العلمية، أو من منطلق المسلسلات والبرامج، فمثلا هناك ملتقى البحرين للمؤرخين والباحثين الخليجيين الذي عقد مؤخراً بالبحرين، وقد ضم كوكبة ونخبة من المثقفين والأكاديميين والمفكرين والباحثين والعلماء وهو من أهم المؤتمرات، وهذا يثبت أهمية ونشاط وكفاءة المؤرخين الخليجين.
هناك بالفعل قفزة، هناك تنقيب واستكشاف وبعثات علمية مستمرة بكل جامعات الدول الخليجية، هناك أعمال مؤلفات ومكتشفات ومخطوطات يتم تحقيقها والعمل عليها، هناك مجلات علمية وأوراق ودوريات ذات تصنيفات عالمية، مكتبات ثرية تؤرشف مقتنياتها اليوم، تتوافر للباحثين كمية من المعلومات والبنية التحتية التي تصلح لكي تكون أساس لنهضة علمية، وهذا بعيد عن الجوانب الإعلامية التي توضع في المسلسلات والبرامج التلفزيونية، ولا يسلط عليها الضوء اليوم. دول الخليج تمتلك وعن واقع مدخلات ومخرجات يقودها علماء ومؤرخون ومثقفون وخبراء ومختصون يهتمون بجودة المنتج التاريخي، الذي هو الأبحاث التي تتنوع في مجالات متعددة، لكن كل هذا يختفي أثره حينما يقوم بعرضه وتصديره في المشهد أناس غير مختصين.
- يظهر المهتمون بالتاريخ مساوون للمهتمين بالسياسة في الخليج العربي، لماذا تطورت الدراسات السياسية فيما لا زالت الدراسات التاريخية في مرحلة الرومانسية والتراث والحكايات الشعبية؟
دعيني أختلف معك في هذه النقطة؛ فالواقع يقول إن الدراسات التاريخية تسير جنباً إلى جنب وفي تطور مستمر مع الدراسات السياسية، وكما أشرت سابقاً أن غياب المؤرخين والباحثين والمفكرين المختصين بالتاريخ وتصدر ذوي عدم الاختصاص ربما هو من أتاح لهذه الصورة أن تتسرب وتصبح اعتقاد خاطئ. الدراسات التاريخية تسير بخطى ثابتة وقوية نحو التطوير المستمر، الجامعات الخليجية تدعم بشكل كبير هذا التطور وتسانده، وإذا بدأنا من الأقرب، فإن أزمة الخليج أو الغزو الصدامي للكويت كان إنعكاس وصورة من صور هذا التطور، فقد كانت الحملات المستمرة لتشويه وتزييف التاريخ صورة من صور هذا العدوان، لكن استطاعت الدراسات والمؤخين والباحثين الوقوف بوجه هذه الادعاءات وتفكيكها، وبيان زيفها وبطلانها جنباً إلى جنب مع الدراسات السياسية وغيرها. هناك حملات تمت على الشعوب الخليجية فشلت لسبب بسيط أن المؤرخين والتاريخ كانو يؤكدون زيف هذه الحملات، وعدم صحتها، فمثلاً الشيخ عبدالله السالم حاكم الكويت 1950-1965 م، وحين تحرك عبد الكريم قاسم كان الرد السعودي وإرسال القوات حتى قبل الجامعة العربية، وعبد الناصر حيث أرسل الملك سعود قواته مباشرةً على الحدود الكويتية وأتت قوات الجامعة بعد ذلك بعدة أشهر، إذاً السعودية أثبتت أنها تتحرك من منطلق وحدة المصير والترابط والمشترك الخليجي، إذاً تبقى المنطقة منطقة مشتركة في الكثير من الأمور يجمعها وحدة المصير والتاريخ.
- كيف أسهم التاريخ في بلورة "صورة الشخصية والهوية الخليجيتين" في ذهن المجتمع الدولي؟ وإلى متى ستظل دول الخليج تُختزل في صورتين من محطتين تاريخيتين فقط (الناقة والخيمة/ مشيخات النفط)؟ وما دور المؤرخ في تغيير هذه الصورة؟
حول استهلاك صورة الخليج وحصرها نمطياً في صورة الصحراء والجمل والخيمية وغيرها من تلك المشاهد والصور التي ربما تعكس لدى البعض غياب الفكر والثقافة والحداثة بمصطلح أوسع، أقول إنه ربما تكون هذه الأمور مبالغات صنعها الآخر لنمط الشخصية الخليجية، اليوم الصحراء أو دول الخليج تغيرت، المجتمعات تغيرت، الثقافة تغيرت. يحضرني هنا تحديداً كتاب أستاذنا الرميحي "الخليج ليس نفطاً"، ليعبر عن واقع مرصود، واقع يبوح بهذه المتغيرات التي تجري على الأرض ويرفع الهالة القديمة التي تم تغليف الخليج بها، ورفع آليات هذه الترميزات القديمة التي ربما كانت في فترة من الفترات هي الأخرى واقع، لكن الآن تغيرت المجتمعات الخليجية ولديها اليوم مشهد حداثي مختلف، الخليج اليوم هو منبع الخير؛ الخليج يساعد دول وبلدان متعددة على مستوى العالم، ويقدم لها منح سواء اقتصادية أو علمية أو طبية أو خيرية أو غيرها ، الخليج اليوم ينافس باقتصاديات ومستوى معيشي لأفراده تضاهي بل وتتفوق على بلدان ودول غربية متقدمة، الخليجيون يقدمون دعم كبير للعالم ككل؛ إذاً لا يجب أن نختزل صورة الخليج فقط في الصحراء أو النفط الخليج يساهم في مسيرة الإنسانية بشكل عميق، وهذا لا ينفي ولا يقطع علاقتنا بتراثنا، ولسنا هاربين من بيئتنا الصعبة، نحن فخورون بامتداد جذورنا نحو ماضينا، الترميز النفطي هو الآخر جزء من المشاهد التي تضيف لنا لا علينا، هناك دول تمتلك نفطا مثلنا، هناك ليبيا، الجزائر، على سبيل المثال، ماذا فعل النفط في مجتمعاتهم مقارنة بما أضفناه من تغيير وحداثة على مجتمعات ودول الخليج، المقارنة بالطبع تصب في واقعنا. إذاً النفط أو بمعنى أدق الشعوب التي استطاعت أن تستفيد وتدير عوائد النفط هي الفيصل، وليس الترميز كما يحاول أن يعكسه البعض، واستهلاك النمطيات القديمة والبالية.
كثيراً ما يقال إن تاريخ أي دولة خليجية هو السيرة الذاتية لحاكمها، إلى أي مدى تغيرت كتابة التاريخ الخليجي؟
هذه أيضاً ممارسة خاطئة بحق الشعوب، ومهما بلغت درجة الحكام أو السلطة من القوة والمكانة، ستظل الشعوب هي الأقوى والأبقى، مهما كانت أهمية الحكام، فالتاريخ يبقى تاريخ الشعوب وليس تاريخ الحكام، لا شك أن الحكام هم جزء ومكون رئيس من نسيج الوطن والشعوب، لكن في النهاية هو جزء وليس كل، وإن كان اهتمام بعض المؤرخين بإظهار الأدوار السياسية للحكام كجزء من طبيعة الرصد التاريخي والمعرفي للأمم والشعوب، لكن يبقى الشعب هو التاريخ الحقيقي ويبقى الشعب هو الصانع والمحرك للتاريخ.