* بلد المليون شهيد تحتفل بذكرى ثورة التحرير
* رئيس البرلمان الجزائري السابق عبدالعزيز زياري: دواعٍ دبلوماسية وراء رفض مقترح تجريم الاستعمار الفرنسي
* مقتل 42 ألف شخص في 57 تجربة نووية فرنسية بالصحراء الجزائرية
الجزائر - جمال كريمي
يحتفي الجزائريون في الفاتح نوفمبر من كل سنة، بذكرى اندلاع الثورة التحريرية عام 1954، ضد المحتل الفرنسي الذي استمر طيلة 132 عاماً، دفع بموجبه الجزائريون مليون ونصف مليون شهيد، حتى نالت استقلالها في 5 يوليو 1962، وفي كل محطة تاريخية، لايزال الجزائريون يتذكرون أهوال الاستعمار، خاصة ضحايا التجارب النووية التي جرت جنوب البلاد وضحايا الألغام الأرضية الذين بلغ عددهم 5 آلاف شخص، بترت أطرافهم، وعلى هذا الأساس يطالب الجزائريون باعتذار فرنسا عن جرائمها الاستعمارية.
يذكر أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة وهران في الغرب الجزائري، البروفيسور رابح لونيسي، أنه يفضل تبني المقاربة اليابانية، في مسألة مطالبة فرنسا بالاعتراف والاعتذار عن استعمارها للجزائر، ويشرح الأكاديمي الجزائري نظريته في حديث لـ"الوطن" بالقول "اليابان ضُربت بالقنبلة النووية، لكنهم استغلوا ما حصل لهم بدفع المواطن للعمل والانتقام من أمريكا اقتصادياً.. هذه الجرائم كان واجباً علينا أن تكون دافعاً للعمل حتى نصبح قوة اقتصادية كبيرة، حيث إنه من المستحيل أن نفرض على فرنسا اعترافها بجرائم الاستعمار، ونحن مازلنا تابعين لها اقتصادياً".
وتعد فرنسا واحدة من أهم شركاء الجزائر في الجانب الاقتصادي عالمياً، فغالبية مقتنيات الجزائر من الدواء والسيارات، والمواد الغذائية، والمنتجات نصف المصنعة فرنسية، وحققت الصادرات الفرنسية تقدما، إذ بلغ حجمها 6.9 مليار يورو في عام 2014، وبلغت حصة فرنسا من السوق الجزائرية 10.9%.
ويستبعد لونيسي، قيام فرنسا بالاعتراف بجرائمها الاستعمارية بمحض إرادتها، كما حصل بين إيطاليا وليبيا، ويقول "فرنسا تعتبر نفسها رمز ومصدر حقوق الإنسان، منذ الثورة الفرنسية عام 1789، وإن حدث هذا فيعني تخليها عن أيديولوجياتها".
وكان البرلمان الفرنسي قد صادق في 29 نوفمبر 2005، بالأغلبية على قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي المثير للجدل، الأمر الذي أثار حفيظة قطاع واسع من الجزائريين، فبادر بعض البرلمانيين إلى تبني مقترح تجريم الاستعمار، دون أن يعرف المقترح مساراً طبيعياً حتى يصبح قانوناً، وبخصوص ذلك، يذكر صاحب المقترح البرلماني السابق ورئيس جبهة الجزائر الجديدة جمال بن عبدالسلام لـ"الوطن" أن "السلطة في الجزائر لم تستسيغ هذه الخطوة، ولم يكن من أولوياتها هذا المشروع.. لقد وضعوا أمامنا العديد من العراقيل لثنينا عن استكمال الخطوات القانونية في البرلمان لهذا المقترح الذي كان مطلبا شعبيا بامتياز وتبنته 12 كتلة برلمانية، حتى من أحزاب السلطة".
وأكد بن عبدالسلام، أن مكتب المجلس الشعبي الوطني، حينها وعندما تسلم المقترح وكان لزاماً عليه أن يحوله لجلسة المناقشة العامة حتى يتم تبنيه، رفض الرد لا بالسلب ولا بالإيجاب على المقترح، وهو الأمر الذي حصل في مناسبتين أخريين من طرف برلمانيين آخرين، وتابع "البرلمان فضل الصمت، حتى يتقادم المقترح، الأمر الذي يدفعنا للقول إن هنالك لوبيات لفرنسا في الجزائر تعمل على إجهاض كل ما يزعجها"، فيما ترد السلطات على لسان رئيس البرلمان الجزائري السابق عبدالعزيز زياري، بالقول إن رفض مقترح تجريم الاستعمار يعود "لدواعٍ دبلوماسية"، كان من شأنها توتير العلاقات بين البلدين.
كما خاضت المحامية الجزائرية ورئيسة الهيئة الجزائرية لمناهضة الفكر الاستعماري فاطمة الزهراء بن براهم، معركة لتجريم الاستعمار الفرنسي، حيث تخطط لرفع دعوى قضائية ضد الحكومة الفرنسية، لإجرائها تجارب نووية بالجزائر أثناء الاحتلال.
وترمي الدعوة التي ترفعها المحامية باسم "جمعية تحرير العلاقات الجزائرية الفرنسية من الفكر الاستعماري"، التي ترأسها إلى تجريم ما قامت به الحكومة الفرنسية في الجزائر من تجارب نووية، شملت تفجير قنبلة بمنطقة رقان بالجنوب الجزائري، بلا حماية للسكان والمحيط، أو التصريح بذلك.
وتقول فرنسا إنها أجرت 18 تجربة النووية في الصحراء الجزائرية، وبحسب الأرقام والدراسات التي أجراها باحثون وخبراء على المنطقة، الذين قدروا أن عدد التجارب قد بلغت 57 تجربة، فإن أكثر من 42 ألف جزائري، بعضهم استُخدموا كفئران تجارب، كانوا ضحايا هذه التجارب المؤلمة، لكن وزارة الدفاع الفرنسية كشفت عن رقم رسمي يُقدّر بـ27 ألف ضحية، يشمل جميع قوات وموظفي الطاقة النووية الفرنسية وسكان المناطق المنكوبة في رقان وتمنراست جنوب الجزائر، ووضعت إجراءات جد معقدة لتعويض الضحايا.
وقد أقر الرئيس الفرنسي الحالي، إيمانويل ماكرون بهمجية استعمار بلاده في الجزائر، وهو الذي قال قبيل انتخابه "الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي، إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، إنه وحشية حقيقية وهو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات"، وهو التصريح الذي لم يسبقه إليه أي من السياسيين الفرنسيين، الأمر الذي أحدث ضجة كبيرة في المشهد السياسي الفرنسي المشغول بسباق الرئاسة الفرنسية آنذاك.
ولا يظهر أن ماكرون وبعد فوزه بانتخابات الرئاسة، سيجسد حقاً ما كان ينتظره الجزائريون منه، فيما يعلق الكاتب والمحلل الفرنسي بيار لويس ريموند على هذا الطرح في تصريح لـ"الوطن" بالقول "الرئيس ماكرون ينتمي إلى جيل أنتمي إليه أنا أيضاً، وهو جيل شباب لم يعايشوا فترة الاستعمار بل درسوها كمادة في كتب التاريخ، ذهبوا إلى مكتبات مدارسهم للوقوف عند دراسات الباحث الأكاديمي الشهير بنجامين ستورا، ذهبوا إلى السينما ليشاهدوا فيلم معركة الجزائر للمخرج الإيطالي Pontecorvo الذي طالما بقي ممنوعاً على شاشاتنا، صادقوا جزائريين وفرنسيين من فئات عمرية مختلفة... اعتمد إذن جيلنا على معرفة سأسميها بالتنقيبية، قادتنا إلى ألا ندير ظهورنا إلى ماضٍ مشترك لا يمكن ولا ينبغي أن نسقطه من المعادلة، لكن في المقابل، وهنا سأواصل الاستعارة الرياضية، لا بد من إدخال متغيرات في هذه المعادلة، وهو ما أعتقد أن الرئيس إيمانويل ماكرون عاقد العزم على تنفيذه وسنراه بالتأكيد يكتب فصولاً جديدة من كتاب دبلوماسية فرنسية جديدة في هذا المجال".
* رئيس البرلمان الجزائري السابق عبدالعزيز زياري: دواعٍ دبلوماسية وراء رفض مقترح تجريم الاستعمار الفرنسي
* مقتل 42 ألف شخص في 57 تجربة نووية فرنسية بالصحراء الجزائرية
الجزائر - جمال كريمي
يحتفي الجزائريون في الفاتح نوفمبر من كل سنة، بذكرى اندلاع الثورة التحريرية عام 1954، ضد المحتل الفرنسي الذي استمر طيلة 132 عاماً، دفع بموجبه الجزائريون مليون ونصف مليون شهيد، حتى نالت استقلالها في 5 يوليو 1962، وفي كل محطة تاريخية، لايزال الجزائريون يتذكرون أهوال الاستعمار، خاصة ضحايا التجارب النووية التي جرت جنوب البلاد وضحايا الألغام الأرضية الذين بلغ عددهم 5 آلاف شخص، بترت أطرافهم، وعلى هذا الأساس يطالب الجزائريون باعتذار فرنسا عن جرائمها الاستعمارية.
يذكر أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة وهران في الغرب الجزائري، البروفيسور رابح لونيسي، أنه يفضل تبني المقاربة اليابانية، في مسألة مطالبة فرنسا بالاعتراف والاعتذار عن استعمارها للجزائر، ويشرح الأكاديمي الجزائري نظريته في حديث لـ"الوطن" بالقول "اليابان ضُربت بالقنبلة النووية، لكنهم استغلوا ما حصل لهم بدفع المواطن للعمل والانتقام من أمريكا اقتصادياً.. هذه الجرائم كان واجباً علينا أن تكون دافعاً للعمل حتى نصبح قوة اقتصادية كبيرة، حيث إنه من المستحيل أن نفرض على فرنسا اعترافها بجرائم الاستعمار، ونحن مازلنا تابعين لها اقتصادياً".
وتعد فرنسا واحدة من أهم شركاء الجزائر في الجانب الاقتصادي عالمياً، فغالبية مقتنيات الجزائر من الدواء والسيارات، والمواد الغذائية، والمنتجات نصف المصنعة فرنسية، وحققت الصادرات الفرنسية تقدما، إذ بلغ حجمها 6.9 مليار يورو في عام 2014، وبلغت حصة فرنسا من السوق الجزائرية 10.9%.
ويستبعد لونيسي، قيام فرنسا بالاعتراف بجرائمها الاستعمارية بمحض إرادتها، كما حصل بين إيطاليا وليبيا، ويقول "فرنسا تعتبر نفسها رمز ومصدر حقوق الإنسان، منذ الثورة الفرنسية عام 1789، وإن حدث هذا فيعني تخليها عن أيديولوجياتها".
وكان البرلمان الفرنسي قد صادق في 29 نوفمبر 2005، بالأغلبية على قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي المثير للجدل، الأمر الذي أثار حفيظة قطاع واسع من الجزائريين، فبادر بعض البرلمانيين إلى تبني مقترح تجريم الاستعمار، دون أن يعرف المقترح مساراً طبيعياً حتى يصبح قانوناً، وبخصوص ذلك، يذكر صاحب المقترح البرلماني السابق ورئيس جبهة الجزائر الجديدة جمال بن عبدالسلام لـ"الوطن" أن "السلطة في الجزائر لم تستسيغ هذه الخطوة، ولم يكن من أولوياتها هذا المشروع.. لقد وضعوا أمامنا العديد من العراقيل لثنينا عن استكمال الخطوات القانونية في البرلمان لهذا المقترح الذي كان مطلبا شعبيا بامتياز وتبنته 12 كتلة برلمانية، حتى من أحزاب السلطة".
وأكد بن عبدالسلام، أن مكتب المجلس الشعبي الوطني، حينها وعندما تسلم المقترح وكان لزاماً عليه أن يحوله لجلسة المناقشة العامة حتى يتم تبنيه، رفض الرد لا بالسلب ولا بالإيجاب على المقترح، وهو الأمر الذي حصل في مناسبتين أخريين من طرف برلمانيين آخرين، وتابع "البرلمان فضل الصمت، حتى يتقادم المقترح، الأمر الذي يدفعنا للقول إن هنالك لوبيات لفرنسا في الجزائر تعمل على إجهاض كل ما يزعجها"، فيما ترد السلطات على لسان رئيس البرلمان الجزائري السابق عبدالعزيز زياري، بالقول إن رفض مقترح تجريم الاستعمار يعود "لدواعٍ دبلوماسية"، كان من شأنها توتير العلاقات بين البلدين.
كما خاضت المحامية الجزائرية ورئيسة الهيئة الجزائرية لمناهضة الفكر الاستعماري فاطمة الزهراء بن براهم، معركة لتجريم الاستعمار الفرنسي، حيث تخطط لرفع دعوى قضائية ضد الحكومة الفرنسية، لإجرائها تجارب نووية بالجزائر أثناء الاحتلال.
وترمي الدعوة التي ترفعها المحامية باسم "جمعية تحرير العلاقات الجزائرية الفرنسية من الفكر الاستعماري"، التي ترأسها إلى تجريم ما قامت به الحكومة الفرنسية في الجزائر من تجارب نووية، شملت تفجير قنبلة بمنطقة رقان بالجنوب الجزائري، بلا حماية للسكان والمحيط، أو التصريح بذلك.
وتقول فرنسا إنها أجرت 18 تجربة النووية في الصحراء الجزائرية، وبحسب الأرقام والدراسات التي أجراها باحثون وخبراء على المنطقة، الذين قدروا أن عدد التجارب قد بلغت 57 تجربة، فإن أكثر من 42 ألف جزائري، بعضهم استُخدموا كفئران تجارب، كانوا ضحايا هذه التجارب المؤلمة، لكن وزارة الدفاع الفرنسية كشفت عن رقم رسمي يُقدّر بـ27 ألف ضحية، يشمل جميع قوات وموظفي الطاقة النووية الفرنسية وسكان المناطق المنكوبة في رقان وتمنراست جنوب الجزائر، ووضعت إجراءات جد معقدة لتعويض الضحايا.
وقد أقر الرئيس الفرنسي الحالي، إيمانويل ماكرون بهمجية استعمار بلاده في الجزائر، وهو الذي قال قبيل انتخابه "الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي، إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، إنه وحشية حقيقية وهو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات"، وهو التصريح الذي لم يسبقه إليه أي من السياسيين الفرنسيين، الأمر الذي أحدث ضجة كبيرة في المشهد السياسي الفرنسي المشغول بسباق الرئاسة الفرنسية آنذاك.
ولا يظهر أن ماكرون وبعد فوزه بانتخابات الرئاسة، سيجسد حقاً ما كان ينتظره الجزائريون منه، فيما يعلق الكاتب والمحلل الفرنسي بيار لويس ريموند على هذا الطرح في تصريح لـ"الوطن" بالقول "الرئيس ماكرون ينتمي إلى جيل أنتمي إليه أنا أيضاً، وهو جيل شباب لم يعايشوا فترة الاستعمار بل درسوها كمادة في كتب التاريخ، ذهبوا إلى مكتبات مدارسهم للوقوف عند دراسات الباحث الأكاديمي الشهير بنجامين ستورا، ذهبوا إلى السينما ليشاهدوا فيلم معركة الجزائر للمخرج الإيطالي Pontecorvo الذي طالما بقي ممنوعاً على شاشاتنا، صادقوا جزائريين وفرنسيين من فئات عمرية مختلفة... اعتمد إذن جيلنا على معرفة سأسميها بالتنقيبية، قادتنا إلى ألا ندير ظهورنا إلى ماضٍ مشترك لا يمكن ولا ينبغي أن نسقطه من المعادلة، لكن في المقابل، وهنا سأواصل الاستعارة الرياضية، لا بد من إدخال متغيرات في هذه المعادلة، وهو ما أعتقد أن الرئيس إيمانويل ماكرون عاقد العزم على تنفيذه وسنراه بالتأكيد يكتب فصولاً جديدة من كتاب دبلوماسية فرنسية جديدة في هذا المجال".