بينما كنت مندمجة في القراءة وتناول القهوة في إحدى المقاهي بأحد مجمعات مدينة الرفاع والتي يطلق عليها «رفاع العز»، باغتني رجل أظن أنه في العقد الخامس من عمره، ومد في وجهي ورقة. رفعت عيني متثاقلة من الكتاب الذي كنت مندمجة للغاية في سطوره متفاجئة من وجوده أمامي!! فقال لي باستعطاف: انظري إلى ما في الورقة، اتسعت عيناي معلنة عن استغراب ممزوج بخوف شديد!! فمد يده مقرباً الورقة أكثر، مكرراً طلبه بأن أفتح الورقة لكي أنظر إلى محتواها. فلما رآني أبحلق فيه باستغراب وخوف فتح الورقة وقربها مني لأكتشف أنها «فاتورة كهرباء حمراء»!! ولمن لا يعرف ففاتورة الكهرباء الحمراء تعني بأنها إشعار بقطع الكهرباء نظير التأخر في تسديد الفاتورة.
أمسكت الفاتورة وأنا أنظر إلى المبلغ المتأخر والذي كان لا يتجاوز الألف دينار وحاولت أن أنظر إلى اسم صاحب الفاتورة، وتحت وطأة «الاستغراب» قاطعني هذا الرجل الخمسيني المهندم و«الكاشخ» كما نقول بلهجتنا الدارجة وقال: «ساعديني باللي تقدرين عليه» فحاولت أن أعيد تركيب المشهد ليتناسق مع عقلي الواعي، فمظهر الرجل لا يظهر بأنه «يشحت» أو «يتسول» مطلقاً!! ولما يحمل فاتورة كهرباء حمراء ويتجول بها في مجمع تجاري وهو «كاشخ»!! وأهم من ذلك ما الذي أستطيع أن أساعده به.
ليس من باب «البخل» ولكني لست مع قناعة مساعدة «المتسولين»، فالتسول ظاهرة مجتمعية تشوه المجتمعات، وتسيء إلى صاحبها وتحط من قدره وكرامته، فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم»، كما إنني مع ضرورة أن يعالج المجتمع قضية التسول من جذورها، فأنا لست مع مبدأ أن أعطي «المتسول» حفنة من الدنانير، ليرجع ويعاود التسول مرة أخرى، بل أنا مع مبدأ مساعدة المتسول في الوصول إلى حل جذري لكي لا يحتاج إلى «التسول» مرة أخرى من منطلق «لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد».
وبعيداً عن قناعاتي، رفعت رأسي باتجاه هذا الرجل المهندم، وسألته وأنا ما زلت مستغربه من وضعه المريب، هل ذهبت إلى هيئة الكهرباء والماء وطلبت منهم تقسيط المبلغ المتأخر؟ فنظر إلي باستعطاف وقال: «لا تحرجيني يا ابنتي، وساعديني بإعطائي مبلغاً من المال يساعدني في ضائقتي»، فكررت عليه السؤال من باب أنني أريد مساعدته من أجل الوصول إلى الشخص الصحيح الذي سيساعده على حل مشكلته جذرياً ويقيه شر التسول ولكنه رد علي «لا تخليني أصيح.. ساعديني أرجوج»!! وبما أنني تحت تأثير الاستغراب الممزوج بالاستعطاف تناولت حقيبتي وساعدته بما جاده الله علي من نعمة وخير.
وغادر هذا الرجل المهندم لأظل أسيرة تحليلاتي التي لم تهدأ حتى لحظة كتابتي لهذا المقال، عاتبت نفسي كثيراً على مساعدته «جزئياً» بهذه الطريقة التي لا تتناسب مع قناعاتي؟ وعاتبت نفسي أكثر على عدم إصراري على معرفة قصته كاملة ومساعدته بالطريقة التي تكفل له الكرامة والعزة؟ وسألت نفسي هل هو صاحب حاجة فعلاً؟ أم أنه يمتهن التسول كظاهرة جديدة في مجتمعاتنا الخليجية. والشيء بالشيء يذكر فأذكر أنه وصلتني رسالة نصية من أحد الأشخاص الذين أعرفهم معرفة أقل من «السطحية» يخبرني فيها بحاجته للمال بصورة عاجلة لعلاج والدته التي تحتاج إلى عملية في القلب بشكل سريع، وللأمانة لم أشك للحظة بأن هذا الرجل يكذب، إلا عندما قالت لي صديقتي التي كانت معي في هذه اللحظة بأنها ستساعده بطريقة تكفل له كرامته عند طريق التواصل مع القسم المعني بأمراض القلب وتفاجأت بان اسم المستشفى الذي ذكره لي «صاحبنا» لا يقوم بعمليات في القلب!! وهنا بدأت أشك في كلامه، أصر هو في طلبه للمال وظل يتواصل معي لساعات طويلة، وللأمانة فإنني كنت في حيرة شديدة، حيرة بين أن يكون هذا الشخص «محتال» أو أنه بالفعل يحتاج إلى المبلغ لإنقاذ حياة والدته، ولم يبدد هذه الحيرة إلا تدخل أحد رجال الخير والذي أخبرني بأنه يحتاج إلى تقرير الطبيب لكي يتكفل بكافة مصاريف والدته، وبالفعل انطلقت لأبشره بهذا الخبر الذي سيزيل عن كاحله عبئاً كبيراً، ويحفظ له كرامته وعزته، فانصدمت من رده حيث قال لي: «لن أرسل التقارير!! أنا لا أكذب!! وشكراً على عدم مساعدتك!!
للعلم هذا الأخير يعمل في وظيفة مرموقة وهو من عائلة كريمة ومعروفة في المملكة، والغريب بأنه يطلب مني «أنا» مساعدته بمبلغ من المال على الرغم من أن علاقتي به أقل من «السطحية» وفي الأخير يتهمني بعدم رغبتي في مساعدته، وأنا التي جاهدت من أجل أن مساعدته وحل مشكلته جذرياً مع حفظ كرامته!! أعتقد بأن في الموضوع «إن».
من أجمل الأمور التي تفرحني في مجال عملي الإعلامي هي استخدام قلمي المتواضع لخدمة الناس ولربما أستشعر بعضاً من القراء فرحتي التي لا توصف عندما يحصلون على حقوقهم ومطالبهم التي أنشرها بين الفينة والأخرى في مقالاتي المتواضعة، ولا أمانع مطلقاً أن أكتب عن أي رغبة أو تطلع أو أي حق لأي قارئ، فهذا دور أصيل من الأدوار التي يلعبها الإعلام، ولا أمانع مطلقاً أن «اسوم» وجهي على أي مسؤول ليحل مشكل أي مواطن أو مقيم، ولكن يحزنني جداً أن أرى «متسولاً» في بلد الخير، بلد المؤسسات، بلد التكافل. قد يكون هناك البعض من أصحاب الحاجة فعلاً. ولكني أؤمن بأن أهل البحرين أهل «عزة» على مختلف مستوياتهم الاقتصادية، وهم متعففين جداً حتى في أحلك وأشد المواقف، هذا ما عرفنا به، ونريد أن نواصل عليه.
أمسكت الفاتورة وأنا أنظر إلى المبلغ المتأخر والذي كان لا يتجاوز الألف دينار وحاولت أن أنظر إلى اسم صاحب الفاتورة، وتحت وطأة «الاستغراب» قاطعني هذا الرجل الخمسيني المهندم و«الكاشخ» كما نقول بلهجتنا الدارجة وقال: «ساعديني باللي تقدرين عليه» فحاولت أن أعيد تركيب المشهد ليتناسق مع عقلي الواعي، فمظهر الرجل لا يظهر بأنه «يشحت» أو «يتسول» مطلقاً!! ولما يحمل فاتورة كهرباء حمراء ويتجول بها في مجمع تجاري وهو «كاشخ»!! وأهم من ذلك ما الذي أستطيع أن أساعده به.
ليس من باب «البخل» ولكني لست مع قناعة مساعدة «المتسولين»، فالتسول ظاهرة مجتمعية تشوه المجتمعات، وتسيء إلى صاحبها وتحط من قدره وكرامته، فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم»، كما إنني مع ضرورة أن يعالج المجتمع قضية التسول من جذورها، فأنا لست مع مبدأ أن أعطي «المتسول» حفنة من الدنانير، ليرجع ويعاود التسول مرة أخرى، بل أنا مع مبدأ مساعدة المتسول في الوصول إلى حل جذري لكي لا يحتاج إلى «التسول» مرة أخرى من منطلق «لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد».
وبعيداً عن قناعاتي، رفعت رأسي باتجاه هذا الرجل المهندم، وسألته وأنا ما زلت مستغربه من وضعه المريب، هل ذهبت إلى هيئة الكهرباء والماء وطلبت منهم تقسيط المبلغ المتأخر؟ فنظر إلي باستعطاف وقال: «لا تحرجيني يا ابنتي، وساعديني بإعطائي مبلغاً من المال يساعدني في ضائقتي»، فكررت عليه السؤال من باب أنني أريد مساعدته من أجل الوصول إلى الشخص الصحيح الذي سيساعده على حل مشكلته جذرياً ويقيه شر التسول ولكنه رد علي «لا تخليني أصيح.. ساعديني أرجوج»!! وبما أنني تحت تأثير الاستغراب الممزوج بالاستعطاف تناولت حقيبتي وساعدته بما جاده الله علي من نعمة وخير.
وغادر هذا الرجل المهندم لأظل أسيرة تحليلاتي التي لم تهدأ حتى لحظة كتابتي لهذا المقال، عاتبت نفسي كثيراً على مساعدته «جزئياً» بهذه الطريقة التي لا تتناسب مع قناعاتي؟ وعاتبت نفسي أكثر على عدم إصراري على معرفة قصته كاملة ومساعدته بالطريقة التي تكفل له الكرامة والعزة؟ وسألت نفسي هل هو صاحب حاجة فعلاً؟ أم أنه يمتهن التسول كظاهرة جديدة في مجتمعاتنا الخليجية. والشيء بالشيء يذكر فأذكر أنه وصلتني رسالة نصية من أحد الأشخاص الذين أعرفهم معرفة أقل من «السطحية» يخبرني فيها بحاجته للمال بصورة عاجلة لعلاج والدته التي تحتاج إلى عملية في القلب بشكل سريع، وللأمانة لم أشك للحظة بأن هذا الرجل يكذب، إلا عندما قالت لي صديقتي التي كانت معي في هذه اللحظة بأنها ستساعده بطريقة تكفل له كرامته عند طريق التواصل مع القسم المعني بأمراض القلب وتفاجأت بان اسم المستشفى الذي ذكره لي «صاحبنا» لا يقوم بعمليات في القلب!! وهنا بدأت أشك في كلامه، أصر هو في طلبه للمال وظل يتواصل معي لساعات طويلة، وللأمانة فإنني كنت في حيرة شديدة، حيرة بين أن يكون هذا الشخص «محتال» أو أنه بالفعل يحتاج إلى المبلغ لإنقاذ حياة والدته، ولم يبدد هذه الحيرة إلا تدخل أحد رجال الخير والذي أخبرني بأنه يحتاج إلى تقرير الطبيب لكي يتكفل بكافة مصاريف والدته، وبالفعل انطلقت لأبشره بهذا الخبر الذي سيزيل عن كاحله عبئاً كبيراً، ويحفظ له كرامته وعزته، فانصدمت من رده حيث قال لي: «لن أرسل التقارير!! أنا لا أكذب!! وشكراً على عدم مساعدتك!!
للعلم هذا الأخير يعمل في وظيفة مرموقة وهو من عائلة كريمة ومعروفة في المملكة، والغريب بأنه يطلب مني «أنا» مساعدته بمبلغ من المال على الرغم من أن علاقتي به أقل من «السطحية» وفي الأخير يتهمني بعدم رغبتي في مساعدته، وأنا التي جاهدت من أجل أن مساعدته وحل مشكلته جذرياً مع حفظ كرامته!! أعتقد بأن في الموضوع «إن».
من أجمل الأمور التي تفرحني في مجال عملي الإعلامي هي استخدام قلمي المتواضع لخدمة الناس ولربما أستشعر بعضاً من القراء فرحتي التي لا توصف عندما يحصلون على حقوقهم ومطالبهم التي أنشرها بين الفينة والأخرى في مقالاتي المتواضعة، ولا أمانع مطلقاً أن أكتب عن أي رغبة أو تطلع أو أي حق لأي قارئ، فهذا دور أصيل من الأدوار التي يلعبها الإعلام، ولا أمانع مطلقاً أن «اسوم» وجهي على أي مسؤول ليحل مشكل أي مواطن أو مقيم، ولكن يحزنني جداً أن أرى «متسولاً» في بلد الخير، بلد المؤسسات، بلد التكافل. قد يكون هناك البعض من أصحاب الحاجة فعلاً. ولكني أؤمن بأن أهل البحرين أهل «عزة» على مختلف مستوياتهم الاقتصادية، وهم متعففين جداً حتى في أحلك وأشد المواقف، هذا ما عرفنا به، ونريد أن نواصل عليه.