حين يستعصي علينا تفسير بعض القضايا المركبة في المجال الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، فإننا نحتاج أحياناً إلى العودة لعلم النفس وتفسيراته والبحث عن خيط نفسي في اللاوعي قادر على فك اشتباكات القضايا الكبيرة مع الدوافع البشرية البسيطة. وأهمها حاجة الفرد إلى الحفاظ على اتزانه النفسي والعقلي أمام التناقضات الشديدة التي يواجهها بين ما يعتقد وما يحدث حقيقة، وبين ما يريد وما هو متاح فعلاً. استناداً إلى مدرسة التحليل النفسي وأبحاث مؤسسها سيجموند فرويد ومن بعده ابنته آنا فرويد، فإن العقل البشري يلجأ إلى آليات وحيل عديدة للدفاع عن النفس. يستخدمها العقل بصورة تلقائية لا واعية لحماية نفسه من آثار الصدمات وعوارض التوتر والقلق الناتج عن الأفكار أو الأحداث غير المرغوبة والمؤلمة للنفس البشرية. وهذه الوسائل، أو الحيل، تتدرج بين حيل العقل الناضج إلى الأساليب العصابية التي تنتهي بحالات مرضية عقلية وتدهور في صحة الجسد واختراق الأمراض البيولوجية للإنسان.
وربما يكون لجوء العقل البشري إلى «حالة الإنكار»، من أقوى الحيل الدفاعية البشرية لإعادة الاتزان للنفس والحفاظ على صورة الذات أو الآخر في المخيلة على النحو الإيجابي الذي يرغب فيه الفرد. وتعد حالة الإنكار أولى مراحل التكيف التي يهرع إليها العقل البشري في حال الصدمات والآلام، وينخرط بموجبها في عمليات قمع للمشاعر السلبية ومنع لوصول قناعات غير مرغوبة إلى الوعي، فيقيم العقل البشري عملية مسايرة وتكيف تتغلغل إلى منطقة اللاوعي ومن ثم تبدأ بالتأثير على الوعي. فيصاب الإنسان بـ «حالة الإنكار»، التي بموجبها يرفض التصديق بموت شخص عزيز عنده، أو عدم تقبل إصابته بمرض خطير، أو عدم استيعاب حدث سياسي أو اجتماعي غير مسار حياته الطبيعية. ويميز علماء النفس بين حالة الرفض المؤقتة التي تصيب الإنسان فجأة نتيجة عدم تقبله لحالة الصدمة، والتي يعي الإنسان فيها وقوع الحدث ولكنه يرفضه، و«حالة الإنكار» التي تتغلغل فيها عوامل الصدمة إلى منطقة اللاوعي وتسيطر عليها، فلا يعي الإنسان فعلاً بأن مكروهاً وقع أو أن تغييراً قد حدث.
ونستطيع عمل مقاربة بين «حالة الإنكار» النفسية الفردية، و«ثقافة الإنكار» الاجتماعية العربية. حيث نلاحظ إنكار كثير من الناس لفهم وقبول تفسيرات وقائع اجتماعية وسياسية وثقافية خارج منظومة الضخ الإعلامي والدعائي التي تقوم بها مؤسسات إعلامية وأجهزة دعائية «جبارة» بهدف التأثير على الرأي العام. فقد أثبتت الدراسات في مجال «نظريات التواصل والاتصال» على قدرة أجهزة الإعلام وأساليبه المتقدمة حاليا على التغلغل السلس إلى مكامن خاصة في اللاوعي والتأثير عليه ومن ثم الاستحكام والتحكم في الوعي. فأساليب الدعايا والإعلام الحالية بالتركيز على استخدام الصور، وصياغة الخبر وتقديمه وتكراره بأساليب تناغي الرغبات «الثقافية» الغرائزية مثل الشعور بالتميز الذاتي وحب الاستقواء بالجماعة الخاصة، والطموح للتخلص من الجماعات المخالفة، وتحقيق النبوءات والأساطير الثقافية. كلها تحقق حالة توازن للشخصية الجمعية فتلجأ لتصديق الأفكار والتفسيرات التي تبثها بعض المؤسسات الإعلامية، لأنها تخفف من التوتر الذي تتعرض له في حال اتضح أن الحقيقة شيء «صادم» آخر. خصوصاً في الوضع التاريخي الذي تعيشه الأمة العربية اليوم من الدخول في حالات هزائم وإخفاقات وخلل تتناقض معطياته مع صورة العرب والعربي في المخيال العربي التاريخي.
ولذلك فإن تحول «ثقافة الإنكار» العربية من أساليب دفاع لعقل ثقافي جمعي ناضج تكون بموجبها حالة مؤقتة يتم معالجتها بمنطق امتصاص الصدمة والبحث عن مخارج آمنة منها، وتحولها، إلى حالة تراجع ثقافي تعبر عن تواطؤ غرائزي اجتماعي مع قدرة العقل على تزيين ما يرغب به. سيؤدي إلى تراكم التناقضات والتشوهات العربية التي هي أحد المرتكزات السيئة التي تعول عليها العديد من المشاريع الهدامة لأمتنا العربية والتي أدت إلى حالة الهزيمة الكبرى التي نعيشها على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي.
ومن ثم، إن أردنا معالجة واقعنا فعلاً، فإن علينا أن نكون شجعانا في تقبل الواقع الصادم الذي انزلقنا إليه، وقبول صورته الحقيقية لا المصطنعة إعلامياً، والاعتراف بمسبباته الخفية التي بدأت تتجلى شاخصة أمام أعيننا بدل الرضا بتفسيرات الأجهزة الدعائية التي تزين لنا قصصاً لا علاقة لها بكل الحقيقة المرة التي نخاف الاستسلام لها.
وربما يكون لجوء العقل البشري إلى «حالة الإنكار»، من أقوى الحيل الدفاعية البشرية لإعادة الاتزان للنفس والحفاظ على صورة الذات أو الآخر في المخيلة على النحو الإيجابي الذي يرغب فيه الفرد. وتعد حالة الإنكار أولى مراحل التكيف التي يهرع إليها العقل البشري في حال الصدمات والآلام، وينخرط بموجبها في عمليات قمع للمشاعر السلبية ومنع لوصول قناعات غير مرغوبة إلى الوعي، فيقيم العقل البشري عملية مسايرة وتكيف تتغلغل إلى منطقة اللاوعي ومن ثم تبدأ بالتأثير على الوعي. فيصاب الإنسان بـ «حالة الإنكار»، التي بموجبها يرفض التصديق بموت شخص عزيز عنده، أو عدم تقبل إصابته بمرض خطير، أو عدم استيعاب حدث سياسي أو اجتماعي غير مسار حياته الطبيعية. ويميز علماء النفس بين حالة الرفض المؤقتة التي تصيب الإنسان فجأة نتيجة عدم تقبله لحالة الصدمة، والتي يعي الإنسان فيها وقوع الحدث ولكنه يرفضه، و«حالة الإنكار» التي تتغلغل فيها عوامل الصدمة إلى منطقة اللاوعي وتسيطر عليها، فلا يعي الإنسان فعلاً بأن مكروهاً وقع أو أن تغييراً قد حدث.
ونستطيع عمل مقاربة بين «حالة الإنكار» النفسية الفردية، و«ثقافة الإنكار» الاجتماعية العربية. حيث نلاحظ إنكار كثير من الناس لفهم وقبول تفسيرات وقائع اجتماعية وسياسية وثقافية خارج منظومة الضخ الإعلامي والدعائي التي تقوم بها مؤسسات إعلامية وأجهزة دعائية «جبارة» بهدف التأثير على الرأي العام. فقد أثبتت الدراسات في مجال «نظريات التواصل والاتصال» على قدرة أجهزة الإعلام وأساليبه المتقدمة حاليا على التغلغل السلس إلى مكامن خاصة في اللاوعي والتأثير عليه ومن ثم الاستحكام والتحكم في الوعي. فأساليب الدعايا والإعلام الحالية بالتركيز على استخدام الصور، وصياغة الخبر وتقديمه وتكراره بأساليب تناغي الرغبات «الثقافية» الغرائزية مثل الشعور بالتميز الذاتي وحب الاستقواء بالجماعة الخاصة، والطموح للتخلص من الجماعات المخالفة، وتحقيق النبوءات والأساطير الثقافية. كلها تحقق حالة توازن للشخصية الجمعية فتلجأ لتصديق الأفكار والتفسيرات التي تبثها بعض المؤسسات الإعلامية، لأنها تخفف من التوتر الذي تتعرض له في حال اتضح أن الحقيقة شيء «صادم» آخر. خصوصاً في الوضع التاريخي الذي تعيشه الأمة العربية اليوم من الدخول في حالات هزائم وإخفاقات وخلل تتناقض معطياته مع صورة العرب والعربي في المخيال العربي التاريخي.
ولذلك فإن تحول «ثقافة الإنكار» العربية من أساليب دفاع لعقل ثقافي جمعي ناضج تكون بموجبها حالة مؤقتة يتم معالجتها بمنطق امتصاص الصدمة والبحث عن مخارج آمنة منها، وتحولها، إلى حالة تراجع ثقافي تعبر عن تواطؤ غرائزي اجتماعي مع قدرة العقل على تزيين ما يرغب به. سيؤدي إلى تراكم التناقضات والتشوهات العربية التي هي أحد المرتكزات السيئة التي تعول عليها العديد من المشاريع الهدامة لأمتنا العربية والتي أدت إلى حالة الهزيمة الكبرى التي نعيشها على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي.
ومن ثم، إن أردنا معالجة واقعنا فعلاً، فإن علينا أن نكون شجعانا في تقبل الواقع الصادم الذي انزلقنا إليه، وقبول صورته الحقيقية لا المصطنعة إعلامياً، والاعتراف بمسبباته الخفية التي بدأت تتجلى شاخصة أمام أعيننا بدل الرضا بتفسيرات الأجهزة الدعائية التي تزين لنا قصصاً لا علاقة لها بكل الحقيقة المرة التي نخاف الاستسلام لها.