كتب - حسين التتان: أراد الصحافي الزميل حسن عبدالرسول لقاء أحد المسؤولين في الحكومة، لإجراء حوار معه يتعلق بإنجازات وزارته وما تقدمه للناس من خدمات، فطلبت منه العلاقات العامة في تلك الوزارة أن يرسل إليهم الأسئلة مسبقاً. دهش زميلنا من هذا الطلب غير المشروع، ومع ذلك أرسل الأسئلة إليهم، لعله يصل إلى لقاء ذلك المسؤول. هذا الحديث مرت عليه 9 شهور من الآن، وما زال عبدالرسول ينتظر رد العلاقات العامة!!!. نحن نعلم أن الحكومة تقدم الكثير من الإنجازات والمشاريع لعملنا في مجال الإعلام، لكن في ظل وجود علاقات عامة كسولة أو خاملة أو نائمة، كيف يمكن لأي مواطن أن يعرف ما تقدمه إليه الحكومة وأجهزتها من إنجازات لأجل رفاهيته وراحته، فالجمهور لا يمكن أن يعرف حقيقة تلك المنجزات كلها من دون أن تعرضها وسائل الإعلام، التي لا تصل إليها المعلومة الكافية والسريعة، جراء تهاون العلاقات العامة في كل وزارة ومؤسسة ودائرة وعدم كفاءة العاملين فيها، وهكذا تظل المعلومة مغيبة ومشوشة عند المواطنين، الذين يعتقد معظمهم أن الحكومة لا تعمل شيئاً من أجلهم. تم استحداث دوائر العلاقات العامة وأقسامها لعكس الصورة الواقعية عما تقدمه للشعب وزارات الحكومة ومؤسساتها، لكن البيروقراطية التي اتسم بها عمل تلك الدوائر والأقسام وغياب الشفافية التي يجب أن تتمتع بها جعلت من العلاقات العامة مصدراً لحجب المعلومة بين الدولة ووسائل الإعلام الأخرى وبين الناس، أو عرقلة وصول هذه المعلومة. والسؤال لماذا تصرف الحكومة ما تصرفه من مبالغ كبيرة على العلاقات العامة في مؤسساتها وهي تعرقل إبراز إنجازاتها، وكيف تسكت الحكومة على ذلك وهي ترى أن العلاقات العامة التي تنفق عليها هذه المبالغ كلها لا تنفعها ولا تخدم جمهورها. الكثير من المواطنين اليوم يعيبون على الصحافة ووسائل الإعلام عدم كشف المعلومة، وفي المقابل تلقي الدولة بالعتب على الإعلاميين في عدم تعاونهم معها، لكننا هنا سنحاول كشف الحقيقة المرَّة، وهو أن سبب عدم قدرتنا على إيصال ما تريدون إيصاله أيها الناس للمسؤول وللحكومة معاً، العلاقات العامة لا غيرها، فما هي القصة؟ «يبي يكحلها عماها» والصحافي هو أكثر الأشخاص معاناة حين يتعامل مع إدارات العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية، دعونا نتناول بعض التجارب الصحفية، ونتعرض لبعض النماذج التي عانت وما زالت تعاني من الآلية التي تتعامل بها العلاقات العامة الرسمية مع الصحافيين. الزميلة الصحافية أمل المرزوق من صحيفة (البلاد) تتحدث عن هذا الأمر، وتقول : من المعروف جداً أن عمل الصحافي يعتمد في الأساس على طرح المعلومة وكشفها للجمهور، وهذه المعلومة لا تتوفر في الغالب إلا عند الجهات الرسمية متمثلة في العلاقات العامة، ومن خلال تواصل تلك الجهات معنا، وهناك جهات رسمية تتعاون وتتواصل معنا بصفة جيدة وسريعة لكنها جهات قليلة جداً. أما الغالبية منها فإنها لا تتجاوب مع الصحافة، ولا تراعي طبيعة العمل الصحافي، وأهمية عامل السرعة والوقت، وهكذا نجد أن العلاقات العامة دائماً ما تتعامل معنا وكأننا أعداء لها، بينما نحن نريد أن نعمل معها لا ضدها، نريد شراكة مع المؤسسة الحكومية، ومع ذلك فإن العلاقات العامة الرسمية فشلت في التواصل البنَّاء مع الإعلاميين، ومشكلة هذه الإدارات أنها تنتظر حدوث المشكلة ومن ثم ترد عليها، وكأن هذا هو الواجب المرسوم لها فقط، فالعاملون فيها لا يكلفون أنفسهم عناء العمل الجاد لإنجاح مشاريع الدولة. وتعتقد المرزوق أن من أكبر الأخطاء الاستراتيجية في عمل العلاقات العامة الرسمية، هو الخلط بين العمل الإعلامي وعمل العلاقات العامة، هذا الدمج بين الوظيفتين أدى إلى ضعف دور كل منهما، مطالبة جميع دوائر العلاقات العامة الحكومية بالابتعاد في ردودها على إشكاليات الصحافيين بصفة إنشائية مدرسية، إذ أن غالبية الردود تخلو من المعلومة، وتكون فضفاضة لا تحتوي على أدنى فائدة، مما يشي بعدم كفاءة بعض العاملين فيها. وتقول المرزوق: إن هناك هيئات حكومية تعاقدت مع شركات مختصة في العلاقات العامة لتسهيل عملية التواصل مع الصحافة، لكننا وجدنا أن العملية أصبحت أكثر تعقيداً من ذي قبل، فالعلاقات العامة التابعة للشركات تتسلم من الإعلاميين استفساراتهم ومن ثم تعرضها على الجهات المختصة في الهيئات الحكومية، ثم تنتظر رد تلك الجهات وبالتالي نظل ننتظر معها أيضاً، مما يعني أن العملية تأخذ وقتاً إضافياً آخر، بينما المفترض أن تكون تلك الشركات مسهِّلة للعملية، فهل رأيتم تعقيداً أكثر من هذا؟ وهل هذا هو التطور الذي يتجاوز المشكلة أم أنهم خلقوا مشكلة أكبر؟ فهؤلاء ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل (يبي يكحلها عماها)!! العلاقات تحجب ولا تكشف الزميل الصحافي حسن عبدالرسول من صحيفة (الأيام) والذي ذكرنا معاناته في مقدمة التحقيق يتحدث هنا عن واقع العلاقات العامة الرسمية، ويقول : نحن في الحقيقة نعاني أشد المعاناة مع إدارات العلاقات العامة الحكومية، فهي لم تفعل شيئاً سوى خلق حواجز بيننا وبين المسؤولين في الدولة، حتى أصبح التواصل مع المسؤول مستحيلاً في غالب الأحيان، بينما المفترض أن تكون العلاقات موصلاً جيداً بين الإعلامي والمسؤول. ويعد عبدالرسول دوائر العلاقات العامة حجر عثرة في وجه الصحافي للوصول إلى المعلومة، ولعل ذلك يعود إلى عدم كفاءة العاملين في قطاع العلاقات العامة وعدم حرفيتهم، وفي وجود بيروقراطية تسود ذلك القطاع. ويضيف : المشكلة الكبيرة أن العاملين في العلاقات العامة الحكومية لا يتواصلون في الأساس مع الإعلاميين، بل الذي نراه أن الإعلامي وفي كل مرَّة هو الذي يتواصل معهم، بينما يجب أن تكون المبادرة والبادرة من العاملين في العلاقات العامة، لسبب بسيط، هو أننا لا نعرف ما تنجزه مؤسساتهم، فكيف والحال هذه سنعرض هذه الإنجازات على الجمهور؟!!. ويرى عبدالرسول أن العمل الحقيقي الذي تؤديه العلاقات العامة هو تلميع صورة الوزارات أو الهيئات، وليس عرض الإنجازات والمُنْجز، كما يرى أن تلميعهم يفتقر إلى أدنى مقومات اللياقة، وربما يخالف الحقيقة أحياناً، بينما يجب أن يؤدوا دوراً أكبر وأكثر شفافية. ويؤكد عبدالرسول أن هناك من الأخبار الرسمية التي تصل الصحافيين من طرف العلاقات العامة، عادة ما تفتقر إلى كثير من البيانات المهمة والمعلومات الرئيسة للخبر، ناهيك عن صياغة الأخبار بأسلوب ركيك، ولهذا فإن جميع الصحف المحلية حين تصل إليها الأخبار الرسمية من العلاقات العامة الحكومية، إما أن تعالجها أو تنسفها وتعيد صياغتها من جديد، وفي أحايين كثيرة تأتي ردودها على استفسارات الصحافي في وادٍ بينما الإشكاليات التي يطرحها الصحافي وأسئلته في وادٍ آخر، وهذا دليل على عدم استيعابها لدورها ومهمتها. ويقول: إن العلاقات العامة الرسمية تعمل لإرضاء الوزير والمدير الكبير وإرضاء مسؤول القسم فقط، من دون أن تبذل جهداً ولو بسيطاً من أجل إبراز جهود الوزارة وإنجازاتها. العلاقات العامة المشوهة وبما أن عمل العلاقات العامة متصل بصفة مباشرة بالإعلام والإعلاميين كان من الضروري أن نناقش هذا الموضوع من زاوية إعلامية بحتة. الخبير الإعلامي، أستاذ الإعلام بجامعة البحرين الدكتور عدنان بومطيع يحدثنا عن هذه المشكلة، وفيما يتعلق بقضايا التواصل بين العلاقات العامة والإعلاميين ويقول : إننا نرجع هذا الواقع إلى سببين رئيسين، الأول هو تحوُّل مهنة العلاقات العامة إلى ما يشبه الوظيفة الإدارية البحتة، تلك الوظيفة الخالية من الإبداع والمخيَّلة الإعلامية القائمة على التواصل المستمر مع الجمهور، والاكتفاء بجعل هذه الوظيفة وظيفة ردود أفعال فقط، عبر وسائل الإعلام المختلفة، من دون التحرك لوضع استراتيجية شاملة تبرز أداء الدوائر الحكومية بنحو يشرح للجمهور دورها ووظيفتها الأساس. أما السبب الآخر في تباطؤ عمل العلاقات العامة في الدوائر الحكومية فيعود إلى اختيار العاملين في تلك العلاقات العامة، سواء في الوزارات أو الهيئات، إذ أننا نلاحظ أن عدداً كبيراً من العاملين فيها ليسوا من اختصاصيي الإعلام، فوجود الإعلامي المتخصص له أثر واضح في تطوير العلاقات العامة، إذ أن هذه المهنة اليوم أصبحت أساساً في كل وزارة، خصوصاً تلك الوزارات التي تتصل بالجمهور، كوزارات الإسكان والصحة والتعليم وغيرها. ويضيف بومطيع: يجب أن يعرف الجمهور ما تقوم به هذه الوزارات، ويعرف حجم برامجها وخططها وما تقدمه من خدمات كثيرة للمواطنين، وإهمال إدارات العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية، لا شك سينتج أداءً إعلامياً وترويجياً ضعيفاً، مما سيوصل رسالة مشوشة وغير واضحة إلى الجمهور، ولذلك نجد أن إدارات العلاقات العامة في الشركات الوطنية الكبرى، سواء كانت في البحرين أم خارجها، تعدّ من الأدوات المهمة لترسيخ صورة ذهنية إيجابية عن المؤسسة التي تعمل فيها تلك الإدارات. ويتحدث بومطيع عن دور كليات الإعلام وجامعاته في تخريج أفواج من المختصين في العلاقات العامة، وعن دور الخريجين في تطوير تلك الدوائر المهمة، ويقول: يوجد في البحرين اليوم الكثير من أقسام الإعلام والعلاقات العامة، التي تخرِّج عشرات الخريجين المؤهلين سنويا، أولئك الذين بإمكانهم أن يقدِّموا خدمات جليلة للوزارات بعد تأهلهم الأكاديمي من تلك الجامعات، وتبقى المسؤولية ملقاة على عاتق الدولة في إعطاء هؤلاء فرصهم في أن يقدموا خدمات لوزارات الدولة والترويج لها بصفة إيجابية. ويتحدث بومطيع عن الذين يعتقدون بضرورة إلغاء مكاتب العلاقات العامة الحكومية لأنها لا تؤدي دورها الحقيقي، ويقول متعجباً: إنني ضد إلغاء دور العلاقات العامة في وزارات الدولة، لأن هذا المقترح يعبر عن ضيق أفق، فالوزارة الناجحة لا يمكن لها أن تنجح إلا بوجود علاقات عامة لكن شريطة أن تكون هي ناجحة أيضاً، كما إن هذا الرأي يهدم الجسور المقامة بين الدولة والجمهور، بل إن العديد من المشكلات التي نناقشها هنا، تتركز على عدم وجود إدارات للعلاقات العامة ذات كفاءات عالية، ومدركة لدور الإعلام في التواصل بين الجهات الرسمية والناس، فالحل هو ليس الإلغاء بل التطوير وتحسين الأداء.