رأينا في الجزأين السابقين من هذا المقال إلى أي مدى كان قرار إعلان القدس عاصمة موحدة لإسرائيل قد تم التحضير له ضمن قواعد لعبة قديمة تم استخدامها أكثر من مرة فيما عرف بـ«لعبة الأفكار» والتي طبقت لتفكيك الاتحاد السوفيتي وفي التدخل الأمريكي في فيتنام وكوريا وفي الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، وكذلك في غزو صدام حسين للكويت في 1990، ولكن هل توقفت اللعبة عند هذا الحد؟ وهل استخدمت لتحقيق المكاسب الاستراتيجية الأمريكية فحسب؟
بالطبع الإجابة هي النفي فقد كان للاعب الأمريكي القدرة على استخدام اللعبة نفسها ولكن هذه المرة من أجل مصلحة إسرائيل التي يسعى جاهداً كل رئيس أمريكي لإرضائها بعد أن قبع رجال كونغرس ورجال مال وسلاح وإعلام يهوداً بها والذين يتلاعبون بحق النقض «الفيتو»، الذي ترفعه أمريكا، وفقاً لرغباتهم، والتي اندمجت مع كافة المصالح الأمريكية، فيضربون من خلاله كل القوانين عرض الحائط، لتكون اللعبة الجديدة مع القوى الفكرية والأيديولوجية الفلسطينية، باعتبارها خط المواجهة المباشر مع إسرائيل حيث تم إحكامها بنجاح بالغ مستغلة في ذلك الخلاف الفكري ومعمقة لديهم أهمية السيطرة على المؤسسات الفلسطينية، ليتطور الأمر إلى انقسام وطني عام، جغرافي وسياسي واجتماعي ومؤسساتي. ولعل ما يدعو للسخرية أن اتفاقية أوسلو 1993 والتي كانت تعد المساهمة الأمريكية الأكبر في حل القضية الفلسطينية هي ذاتها التي أدت إلى ما يمكن أن نطلق عليه «الانقسام المعضلة « بين القوى الفلسطينية.. بل والمثير للعجب أن مغزى الاتفاقية أيضاً كان التقسيم فاتفاقية بتقسيم الأرض برعاية بل وتوقيع أمريكي كشاهد عليها بمرافقة المسكين الروسي بوصفه الجديد الذي اكتسبه بعد الانهيار بسنتين «جمهورية روسيا الفيدرالية»، وذلك بعد حرب الخليج الثانية.. وهو توقيت من الصعب تصديق أنه جاء بمحض الصدفة لتصل هذه الاتفاقية بأطراف المقاومة الفلسطينية إلى طريق الانقسام والصراع الدامي بل وأعطتها ضربة قاسمة لم تستفق منها حتى وقتنا الحالي.. يا لها من كلمة لعينة كلمة التقسيم التي رافقتنا طوال الحديث عن لعبة الأفكار الجهنمية..
إلا أنه من الضروري بما كان الوعي بأن فكرة تقسيم فلسطين لم تكن وليدة اتفاقية «أوسلو» فهي هدف صهيوني قديم بدأ مع بداية زيادة أعداد الوافدين إلى فلسطين.. الأمر الذي كان محط رفض فلسطيني ليزداد الصراع بين الطرفين ويكون الحل البريطاني «باعتبارها إمبراطورية تلك الفترة»، اللجوء كخطوة أولى إلى سياسة التعيينات لتعميق التنازع الفلسطيني الداخلي بين اثنتين من أبرز الأسر المقدسية هما عائلتا «الحسيني والنشاشيبي»، فعينت «راغب النشاشيبي» رئيسًاً لبلدية القدس عام 1920 وعينت «أمين الحسيني» مفتياً ليعتمد الأول على رئاسته بلدية القدس والثاني على المجلس الإسلامي الأعلى والحزب العربي الفلسطيني، وتبدأ مرحلة من الصراع الداخلي تضعف الفلسطينيين وتحد من قدرتهم على مواجهة المشروع الصهيوني وتكون تمهيداً لحالة الإنهاك الداخلي التي تمهد للحظة إعلان إسرائيل عام 1948، وتتقيد قدرتهم على مواجهة تلك اللحظة.. كما كانت الخطوة الثانية هي اقتراح خطة التقسيم التي وضعتها لجنة «بيل»، والهادفة إلى إنشاء دولة يهودية صغيرة، وأن تظل القدس ومنطقة ضيقة من البحر تحت الولاية البريطانية، وتبقى بقية فلسطين دولة عربية، ليرفض الفلسطينيون والعرب ويوافق الصهاينة وهو ما أدى لتوقف الاقتراح البريطاني إلا أنه بعد الحرب العالمية الثانية وإحالة موضوع الصراع إلى الأمم المتحدة التي أصدرت قرار التقسيم 181 لعام 1947 وبالرغم من رفض الفلسطينيين والعرب له إلا أنه تم تنفيذه لتعلن دولة إسرائيل 1948 وسط حالة الصراع الداخلي والإنهاك المتلازمتين.
ولكن دعونا نتحدث قليلاً عن «أوسلو» ليس لتقييمها ولا للحديث عن عدم تماثل القوة وانعكاسه على شروط الاتفاقات التي تم التوصل إليها.. ولكن لنرى إلى أي مدى كان للأمريكي دور بارع بنفس قواعد اللعبة لغرس بذرة «الانقسام المعضلة» بين من لهم نفس القضية ونفس الأهداف مستغلين اللعب بالأفكار بين فصيل وطني قومي «فتح»، وآخر أيديولوجي ديني «حماس».. فالحقيقة أن هناك إدراكاً أمريكياً إسرائيلياً كاملاً أن وجود أطراف لها فكر متباين ولها قوة تواجد على الأرض يمكن أن يمثل خطراً على الهدف الإسرائيلي الذي ترعاه، حيث يمكن أن يستخدم هذا التباين كأداة للضغط على الخصم وهي لعبة تدركها إسرائيل وتمارسها من خلال حمائمها وصقورها.. وليس هدفي هنا أيضاً الدفاع عن تواجد فكرة الأيديولوجية الدينية كأساس لبناء الجماعات والتي أختلف معها بالأساس لأنها تجعل لعبة الأفكار أكثر قسوة في آثارها حين يرتبط الفكر السياسي بالعقائدي. لكن أحاول أن أركز على أن وحدة الأطراف الوطنية وعدم السماح للخلاف الأيديولوجي أن يصل إلى مستوى الصراع الهادم -والذي قاد لانقسام مادي جغرافي بين الضفة الغربية وغزة- كانت هي الفكرة المحورية التي كان من الممكن أن تجنبنا تلك اللحظة المأساوية التي عشناها بعد قرار ترامب والتي حرمتنا منها وقوع القوى الفلسطينية في فخ الصراع بسبب عدد من الإشكاليات في اتفاقية أوسلو، ولكن كيف؟
للحديث بقية..
* أستاذ الإعلام الرقمي المساعد
بالطبع الإجابة هي النفي فقد كان للاعب الأمريكي القدرة على استخدام اللعبة نفسها ولكن هذه المرة من أجل مصلحة إسرائيل التي يسعى جاهداً كل رئيس أمريكي لإرضائها بعد أن قبع رجال كونغرس ورجال مال وسلاح وإعلام يهوداً بها والذين يتلاعبون بحق النقض «الفيتو»، الذي ترفعه أمريكا، وفقاً لرغباتهم، والتي اندمجت مع كافة المصالح الأمريكية، فيضربون من خلاله كل القوانين عرض الحائط، لتكون اللعبة الجديدة مع القوى الفكرية والأيديولوجية الفلسطينية، باعتبارها خط المواجهة المباشر مع إسرائيل حيث تم إحكامها بنجاح بالغ مستغلة في ذلك الخلاف الفكري ومعمقة لديهم أهمية السيطرة على المؤسسات الفلسطينية، ليتطور الأمر إلى انقسام وطني عام، جغرافي وسياسي واجتماعي ومؤسساتي. ولعل ما يدعو للسخرية أن اتفاقية أوسلو 1993 والتي كانت تعد المساهمة الأمريكية الأكبر في حل القضية الفلسطينية هي ذاتها التي أدت إلى ما يمكن أن نطلق عليه «الانقسام المعضلة « بين القوى الفلسطينية.. بل والمثير للعجب أن مغزى الاتفاقية أيضاً كان التقسيم فاتفاقية بتقسيم الأرض برعاية بل وتوقيع أمريكي كشاهد عليها بمرافقة المسكين الروسي بوصفه الجديد الذي اكتسبه بعد الانهيار بسنتين «جمهورية روسيا الفيدرالية»، وذلك بعد حرب الخليج الثانية.. وهو توقيت من الصعب تصديق أنه جاء بمحض الصدفة لتصل هذه الاتفاقية بأطراف المقاومة الفلسطينية إلى طريق الانقسام والصراع الدامي بل وأعطتها ضربة قاسمة لم تستفق منها حتى وقتنا الحالي.. يا لها من كلمة لعينة كلمة التقسيم التي رافقتنا طوال الحديث عن لعبة الأفكار الجهنمية..
إلا أنه من الضروري بما كان الوعي بأن فكرة تقسيم فلسطين لم تكن وليدة اتفاقية «أوسلو» فهي هدف صهيوني قديم بدأ مع بداية زيادة أعداد الوافدين إلى فلسطين.. الأمر الذي كان محط رفض فلسطيني ليزداد الصراع بين الطرفين ويكون الحل البريطاني «باعتبارها إمبراطورية تلك الفترة»، اللجوء كخطوة أولى إلى سياسة التعيينات لتعميق التنازع الفلسطيني الداخلي بين اثنتين من أبرز الأسر المقدسية هما عائلتا «الحسيني والنشاشيبي»، فعينت «راغب النشاشيبي» رئيسًاً لبلدية القدس عام 1920 وعينت «أمين الحسيني» مفتياً ليعتمد الأول على رئاسته بلدية القدس والثاني على المجلس الإسلامي الأعلى والحزب العربي الفلسطيني، وتبدأ مرحلة من الصراع الداخلي تضعف الفلسطينيين وتحد من قدرتهم على مواجهة المشروع الصهيوني وتكون تمهيداً لحالة الإنهاك الداخلي التي تمهد للحظة إعلان إسرائيل عام 1948، وتتقيد قدرتهم على مواجهة تلك اللحظة.. كما كانت الخطوة الثانية هي اقتراح خطة التقسيم التي وضعتها لجنة «بيل»، والهادفة إلى إنشاء دولة يهودية صغيرة، وأن تظل القدس ومنطقة ضيقة من البحر تحت الولاية البريطانية، وتبقى بقية فلسطين دولة عربية، ليرفض الفلسطينيون والعرب ويوافق الصهاينة وهو ما أدى لتوقف الاقتراح البريطاني إلا أنه بعد الحرب العالمية الثانية وإحالة موضوع الصراع إلى الأمم المتحدة التي أصدرت قرار التقسيم 181 لعام 1947 وبالرغم من رفض الفلسطينيين والعرب له إلا أنه تم تنفيذه لتعلن دولة إسرائيل 1948 وسط حالة الصراع الداخلي والإنهاك المتلازمتين.
ولكن دعونا نتحدث قليلاً عن «أوسلو» ليس لتقييمها ولا للحديث عن عدم تماثل القوة وانعكاسه على شروط الاتفاقات التي تم التوصل إليها.. ولكن لنرى إلى أي مدى كان للأمريكي دور بارع بنفس قواعد اللعبة لغرس بذرة «الانقسام المعضلة» بين من لهم نفس القضية ونفس الأهداف مستغلين اللعب بالأفكار بين فصيل وطني قومي «فتح»، وآخر أيديولوجي ديني «حماس».. فالحقيقة أن هناك إدراكاً أمريكياً إسرائيلياً كاملاً أن وجود أطراف لها فكر متباين ولها قوة تواجد على الأرض يمكن أن يمثل خطراً على الهدف الإسرائيلي الذي ترعاه، حيث يمكن أن يستخدم هذا التباين كأداة للضغط على الخصم وهي لعبة تدركها إسرائيل وتمارسها من خلال حمائمها وصقورها.. وليس هدفي هنا أيضاً الدفاع عن تواجد فكرة الأيديولوجية الدينية كأساس لبناء الجماعات والتي أختلف معها بالأساس لأنها تجعل لعبة الأفكار أكثر قسوة في آثارها حين يرتبط الفكر السياسي بالعقائدي. لكن أحاول أن أركز على أن وحدة الأطراف الوطنية وعدم السماح للخلاف الأيديولوجي أن يصل إلى مستوى الصراع الهادم -والذي قاد لانقسام مادي جغرافي بين الضفة الغربية وغزة- كانت هي الفكرة المحورية التي كان من الممكن أن تجنبنا تلك اللحظة المأساوية التي عشناها بعد قرار ترامب والتي حرمتنا منها وقوع القوى الفلسطينية في فخ الصراع بسبب عدد من الإشكاليات في اتفاقية أوسلو، ولكن كيف؟
للحديث بقية..
* أستاذ الإعلام الرقمي المساعد