سرعان ما تلقف الجمهور العربي على السوشيال ميديا فيديو الفتاة الفلسطينية عهد التميمي. وحولته وسائل الإعلام العربية لأيقونة «انتفاضة» كانت بوادرها تشتعل. فتاة شجاعة تتحدى جندياً إسرائيلياً مدججاً بالسلاح وتضربه. خاطب المشهد وعينا الجمعي الذي يحن لبطولات التاريخ ويخجل من هزائم الحاضر. كتبنا آلاف القصائد والتقارير الإخبارية في أيام.
غير أن التفاعل الشعبي العفوي والمحق، قوبل بتفاعل إعلامي عفوي أيضاً لم يعد يهمه غير الجذب والمزاودة غالباً، ولم يعد يفكّر كثيراً. هل كان فيديو التميمي صالحاً لترويجه للعالم كأيقونة «انتفاضة»؟
في واحدة من أبسط قواعد الإعلام، إن الجمهور يتفاعل مع الحالة الإنسانية الفردية أكثر من تفاعله مع الحالة الجماعية، هذه هي طبيعة البشر. والصورة أكبر محركات هذا التفاعل.
في العام 2000 بث الصحافي الفرنسي شارل إندرلان فيديو مدته دقيقة واحدة عبر قناة «فرانس 2»، وأتبعه بتعليق صغير «إن الطفل الفلسطيني محمد الدرة الظاهر في الفيديو مات بعد لحظات برصاص جنود الجيش الإسرائيلي».
كانت بصقة كبيرة في وجه إسرئيل وصورتها عند الغرب، لم تمسحها حتى الآن. تحول الدرة «أيقونة» للانتفاضة. ارتبكت إسرائيل كلها. اعترفت بالجريمة ثم سحبت مسؤوليتها واتهمت الفلسطينيين بقتله. جندت كل من تشغّل لتكذيب الفيديو ومنهم المعلق الفرنسي فيليب كارسنتي الذي كسبت «فرانس 2» دعوى قضائية ضده في العام 2013 بعد أن اتهمته بالتلفيق والتشهير بخصوص الفيديو.
أعواماً طويلة وإسرائيل تلاحق صورة الدرة. تحاول عبثاً محوها أو تشويهها في الوجدان الغربي.
قتلت إسرائيل آلاف الأطفال منذ أسست دولتها على أرض فلسطين 1948، وشرحت ذلك آلاف البرامج التلفزيونية، غير أن دقيقة واحدة فقط كانت كفيلة بتهديد صورة إسرائيل «صورة الضحية». بدا الجندي الإسرائيلي، رغم أنه لا يظهر في الفيديو، عارياً من كل القيم الأخلاقية التي أقنعت ماكينة إسرائيل الإعلامية الرأي العام الغربي بها.
في المقابل، لم تنزعج إسرائيل من مشهد التميمي. حرّض إعلامها تحريضاً هستيرياً على «عهد» داخل إسرائيل، لأن صفعتها هزت صورة الجيش عند الإسرائيليين، لكن في الإعلام العالمي تعاملت بهدوء، واستغلت المشهد لتلخصه بأربع جمل «مفيدة»: فتاة «اعتدت» على جندي. الجندي «الضحية» لم يرد، لجأ إلى القضاء. وها هي تخضع لمحاكمة «عادلة». ولأن الجمهور لا يبحث في الخلفيات عادة، يهتز وجدانه للمشهد نفسه، ولا تعنيه التحليلات والمراجعات، لم يسأل كثيرون لماذا صفعت عهد الجندي، وعمّن كانت تدافع، والقضية الأصلية لشعب تحت الاحتلال. ومع ذلك وفر انزعاج الرأي العام من قرار ترامب بشأن القدس تعاطفاً كبيراً مع قضية عهد، غير أنه لم يؤثر على صورة إسرائيل. نحن أيضاً كنا بحاجة صورة التميمي داخلياً لنفض أكوام من الخوف، لكن ما نتحدث عنه هنا مواجهة إعلامية ساحتها العالم.
المشاهد تحدث تلقائياً عادة، وتفاعل الناس تلقائي، خصوصاً في عصر السوشيال ميديا، غير أن الصورة التي ينبغي التركيز عليها وتصديرها للعالم قرار إعلامي. وكان لافتاً اهتمام صحيفة مثل الإندبندنت البريطانية مثلاً بالصورة التي التقطها عبد الهشلمون للطفل فوزي الجنيدي معصوب العينين محاطاً بثلة من جنود الاحتلال.
إنها صورة «الفلسطيني الضحية» التي يجب ألا يمل الفلسطينيون من ترويجها إعلامياً، لأنها في صميم مواجهتهم الطويلة مع إسرائيل وصورتها.
غير أن التفاعل الشعبي العفوي والمحق، قوبل بتفاعل إعلامي عفوي أيضاً لم يعد يهمه غير الجذب والمزاودة غالباً، ولم يعد يفكّر كثيراً. هل كان فيديو التميمي صالحاً لترويجه للعالم كأيقونة «انتفاضة»؟
في واحدة من أبسط قواعد الإعلام، إن الجمهور يتفاعل مع الحالة الإنسانية الفردية أكثر من تفاعله مع الحالة الجماعية، هذه هي طبيعة البشر. والصورة أكبر محركات هذا التفاعل.
في العام 2000 بث الصحافي الفرنسي شارل إندرلان فيديو مدته دقيقة واحدة عبر قناة «فرانس 2»، وأتبعه بتعليق صغير «إن الطفل الفلسطيني محمد الدرة الظاهر في الفيديو مات بعد لحظات برصاص جنود الجيش الإسرائيلي».
كانت بصقة كبيرة في وجه إسرئيل وصورتها عند الغرب، لم تمسحها حتى الآن. تحول الدرة «أيقونة» للانتفاضة. ارتبكت إسرائيل كلها. اعترفت بالجريمة ثم سحبت مسؤوليتها واتهمت الفلسطينيين بقتله. جندت كل من تشغّل لتكذيب الفيديو ومنهم المعلق الفرنسي فيليب كارسنتي الذي كسبت «فرانس 2» دعوى قضائية ضده في العام 2013 بعد أن اتهمته بالتلفيق والتشهير بخصوص الفيديو.
أعواماً طويلة وإسرائيل تلاحق صورة الدرة. تحاول عبثاً محوها أو تشويهها في الوجدان الغربي.
قتلت إسرائيل آلاف الأطفال منذ أسست دولتها على أرض فلسطين 1948، وشرحت ذلك آلاف البرامج التلفزيونية، غير أن دقيقة واحدة فقط كانت كفيلة بتهديد صورة إسرائيل «صورة الضحية». بدا الجندي الإسرائيلي، رغم أنه لا يظهر في الفيديو، عارياً من كل القيم الأخلاقية التي أقنعت ماكينة إسرائيل الإعلامية الرأي العام الغربي بها.
في المقابل، لم تنزعج إسرائيل من مشهد التميمي. حرّض إعلامها تحريضاً هستيرياً على «عهد» داخل إسرائيل، لأن صفعتها هزت صورة الجيش عند الإسرائيليين، لكن في الإعلام العالمي تعاملت بهدوء، واستغلت المشهد لتلخصه بأربع جمل «مفيدة»: فتاة «اعتدت» على جندي. الجندي «الضحية» لم يرد، لجأ إلى القضاء. وها هي تخضع لمحاكمة «عادلة». ولأن الجمهور لا يبحث في الخلفيات عادة، يهتز وجدانه للمشهد نفسه، ولا تعنيه التحليلات والمراجعات، لم يسأل كثيرون لماذا صفعت عهد الجندي، وعمّن كانت تدافع، والقضية الأصلية لشعب تحت الاحتلال. ومع ذلك وفر انزعاج الرأي العام من قرار ترامب بشأن القدس تعاطفاً كبيراً مع قضية عهد، غير أنه لم يؤثر على صورة إسرائيل. نحن أيضاً كنا بحاجة صورة التميمي داخلياً لنفض أكوام من الخوف، لكن ما نتحدث عنه هنا مواجهة إعلامية ساحتها العالم.
المشاهد تحدث تلقائياً عادة، وتفاعل الناس تلقائي، خصوصاً في عصر السوشيال ميديا، غير أن الصورة التي ينبغي التركيز عليها وتصديرها للعالم قرار إعلامي. وكان لافتاً اهتمام صحيفة مثل الإندبندنت البريطانية مثلاً بالصورة التي التقطها عبد الهشلمون للطفل فوزي الجنيدي معصوب العينين محاطاً بثلة من جنود الاحتلال.
إنها صورة «الفلسطيني الضحية» التي يجب ألا يمل الفلسطينيون من ترويجها إعلامياً، لأنها في صميم مواجهتهم الطويلة مع إسرائيل وصورتها.