عندما كنت طفلة، أذكر أنني في مدرستي الابتدائية أعمد في أغلب فترات الاستراحة إلى شجرة اعتدت أن أجد تحتها كثيراً من أوراقها الجافة، فكنت أحمل دفتراً صغيراً وقلماً وأتعمد المشي بحركات سريعة لا تخلو من اصطناع انفعالات الإثارة والمفاجأة والاستكشاف، بينما ألقي بالسمع جيداً لخشخشات الورق وأقلب بصري بين نور الشمس حيناً والظلال من تحت الشجرة حيناً أخرى، أشيح بوجهي عن غصنٍ متدلٍ أثقلته كثافة الأوراق، مندفعة نحو آخر أكثر كثافة. كل تلك التفصيلات الدقيقة على بساطتها كانت تنقلني إلى عوالم ابتكرها كل مرة في مخيلتي وأظنها جديرة بالاكتشاف.. فإذا بي أمارس دور الصحافي الذي يدون الملاحظات من هنا وهناك رغم بساطة ملاحظاتي وسذاجتها وقتذاك.
لعل هذا الميل الذي جرني أيضاً في مراهقتي وحتى اللحظة إلى الشغف بأفلام المغامرة والخيال العلمي والأفلام التاريخية أو تلك التي تتضمن رحلات استكشافية لعلماء الطبيعية والجيولوجيا، مما يشرع لي أبواب التفكير والربط والتحليل والبحث الدائم لإيجاد الأدلة، حتى أنني تمنيت في وقت سابق أن أكون عالم آثار، وفي وقت آخر ضابطاً منخرطاً في المغامرات البوليسية. وأنا أستعيد تلك الذكريات أستغرب جداً كيف أن حلم الصحافة والاستكشاف كان يجري تشكيله في «اللاوعي» بداخلي مذ مراحل طفولتي لترسم لي ميولاً تحدد الخطوط العريضة من ملامح شخصيتي المهنية. صحافة المغامرة والبحث والتحقيق واكتشاف عوالم جديدة أو سبر أغوارها، مشاركة أصحابها تفاصيلها، الغوص في أعماق حيوات فئات المجتمع وشعوب العالم، رصد تفصيلات حياتهم وملاحظات طبائعهم وأمزجتهم عن قرب، وقراءة سلوكهم عن وعي، وفهم الثقافة التي شكلت القضية محل الدراسة أو التغطية الصحافية، ذلك الشغف الذي تملكني منذ سنين طويلة ولم أتمكن من تحقيقه حتى اللحظة رغم انخراطي في المجال الصحافي – وكلي يقين- أن زملاء كُثراً لديهم الرغبة التي تتملكني وربما أشد. وربما من المؤسف ألاّ يكون لهذا النوع من الصحافة وجود في بلادنا العربية، ليطفو على السطح نموذج الصحافي المراسل بديلاً –غير أمثل- عنه، المراسل الذي يمارس دوره أيضاً وكأنه موظف علاقات عامة بالمؤسسات التي يغطي أخبارها. إن الحديث عن الصحافي المراسل يجرني إلى التأكيد بالقول إن استخدام المراسلين في مناطق العالم المتفرقة دأب مميز تعمل عليه أغلب المؤسسات الإعلامية التي تحترم مهنتها وتضع نصب عينها نوعية الأخبار المقدمة للقارئ، لكنها قد تبدو غالباً أخباراً عادية من مصادر تكاد تكون عادية يكاد يميزها الموقع الجغرافي وحسب، لكنها تفتقد لروح الإثارة بعدما بات الصحافي مسؤولاً عن تسليم عدد من المواد الإعلامية اليومية ينال بها لقمة عيشه، أكثر من كونها شغفاً وطرقاً للجديد المتفرد. نطمع بصحافة المغامرة، بينما نرى حتى التحقيقات الصحافية أوشكت على الاختفاء، مع ما بات يحكمنا من تحديات التمويل، ومحدودية الصحافيين بالمؤسسة الإعلامية بما لا يمكن من تفريغهم لمهمات كبيرة ممتدة زمنياً، وتفاوت مستويات جرأة المؤسسات الإعلامية، فضلاً عن قدرة إدارة التحرير على تذليل العقبات وتقديم التسهيلات اللازمة لتنفيذ المهمة في الداخل والخارج.
اختلاج النبض:
إذا أرادت الصحافة الورقية البقاء في ظل التحديات الكبرى التي تواجهها عليها أن تقدم نفسها بأسلوب مبتكر أو شيق غير ذاك الذي اعتدنا عليه لعقود طويلة.
لعل هذا الميل الذي جرني أيضاً في مراهقتي وحتى اللحظة إلى الشغف بأفلام المغامرة والخيال العلمي والأفلام التاريخية أو تلك التي تتضمن رحلات استكشافية لعلماء الطبيعية والجيولوجيا، مما يشرع لي أبواب التفكير والربط والتحليل والبحث الدائم لإيجاد الأدلة، حتى أنني تمنيت في وقت سابق أن أكون عالم آثار، وفي وقت آخر ضابطاً منخرطاً في المغامرات البوليسية. وأنا أستعيد تلك الذكريات أستغرب جداً كيف أن حلم الصحافة والاستكشاف كان يجري تشكيله في «اللاوعي» بداخلي مذ مراحل طفولتي لترسم لي ميولاً تحدد الخطوط العريضة من ملامح شخصيتي المهنية. صحافة المغامرة والبحث والتحقيق واكتشاف عوالم جديدة أو سبر أغوارها، مشاركة أصحابها تفاصيلها، الغوص في أعماق حيوات فئات المجتمع وشعوب العالم، رصد تفصيلات حياتهم وملاحظات طبائعهم وأمزجتهم عن قرب، وقراءة سلوكهم عن وعي، وفهم الثقافة التي شكلت القضية محل الدراسة أو التغطية الصحافية، ذلك الشغف الذي تملكني منذ سنين طويلة ولم أتمكن من تحقيقه حتى اللحظة رغم انخراطي في المجال الصحافي – وكلي يقين- أن زملاء كُثراً لديهم الرغبة التي تتملكني وربما أشد. وربما من المؤسف ألاّ يكون لهذا النوع من الصحافة وجود في بلادنا العربية، ليطفو على السطح نموذج الصحافي المراسل بديلاً –غير أمثل- عنه، المراسل الذي يمارس دوره أيضاً وكأنه موظف علاقات عامة بالمؤسسات التي يغطي أخبارها. إن الحديث عن الصحافي المراسل يجرني إلى التأكيد بالقول إن استخدام المراسلين في مناطق العالم المتفرقة دأب مميز تعمل عليه أغلب المؤسسات الإعلامية التي تحترم مهنتها وتضع نصب عينها نوعية الأخبار المقدمة للقارئ، لكنها قد تبدو غالباً أخباراً عادية من مصادر تكاد تكون عادية يكاد يميزها الموقع الجغرافي وحسب، لكنها تفتقد لروح الإثارة بعدما بات الصحافي مسؤولاً عن تسليم عدد من المواد الإعلامية اليومية ينال بها لقمة عيشه، أكثر من كونها شغفاً وطرقاً للجديد المتفرد. نطمع بصحافة المغامرة، بينما نرى حتى التحقيقات الصحافية أوشكت على الاختفاء، مع ما بات يحكمنا من تحديات التمويل، ومحدودية الصحافيين بالمؤسسة الإعلامية بما لا يمكن من تفريغهم لمهمات كبيرة ممتدة زمنياً، وتفاوت مستويات جرأة المؤسسات الإعلامية، فضلاً عن قدرة إدارة التحرير على تذليل العقبات وتقديم التسهيلات اللازمة لتنفيذ المهمة في الداخل والخارج.
اختلاج النبض:
إذا أرادت الصحافة الورقية البقاء في ظل التحديات الكبرى التي تواجهها عليها أن تقدم نفسها بأسلوب مبتكر أو شيق غير ذاك الذي اعتدنا عليه لعقود طويلة.