^ إن كان شهر مارس الماضي هو شهر الملف الإيراني عند مؤسسة صنع القرار الإسرائيلي، فربما يستحوذ الملف العربي على اهتمام تلك المؤسسة خلال شهر أبريل الجاري. ففي مارس الماضي، حظي الملف النووي بحصة الأسد في المحادثات التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع نظيره الأمريكي في البيت الأبيض حيث طلب هذا الأخير منه أن تضبط إسرائيل توتراتها “ لئلا تسيء إلى المفاوضات التي ترغب دول الغرب عموماً في إنجاحها مع إيران، أي أنه يستبعد الخيار الذي طالما ضغطت إسرائيل لاستعجاله وقيل إنها قد تستغل السنة الانتخابية لإحراج أوباما وهو يسعى إلى ولاية ثانية في البيت الأبيض”. وعلى نحو مواز، كان موقف لجنة إسرائيل للطوارئ، والتي تمثل الكثيرَ من الأصوات اليهودية المحافظة والمؤثرة في واشنطن حينها، “إن أوباما يهمل الخطر الحقيقي لإيران وإنه شخص لا يمكن الوثوق به”. لا شك أن حقيقة الأوضاع التي تنظم العلاقات الثلاثية بين واشنطن، وطهران، وتل أبيب، أكثر تعقيداً من مجرد إقدام هذه الأخيرة على حماقة عسكرية خاطفة، بسبب المأزق الذي تعيشه الجالية اليهودية في أمريكا، الذي يصفه الصحافي في جريدة “الفورورد” اليهودية الأمريكية، ناثان جوتمان، قائلاً “من ناحية تاريخية اليهود هنا كانوا من أعلى الأصوات المعارضة للحرب في العراق. بنفس الوقت هم يسمعون خيارات متناقضة من إسرائيل عن الخطر الإيراني. هم لا يريدون أن يجروا البلاد لحرب، ولكن يريدون أن يكون لإسرائيل الحق في ضرب إيران”. وتشخّص صحيفة (ديلي تلغراف) البريطانية الحالة الإسرائيلية – لا اليهودية - إزاء المفاعل النووي الإيراني قائلة إن “السبب الوحيد في أننا لم نستيقظ، الأيام الأخيرة على مفاجأة أن الطائرات الحربية الإسرائيلية شنت سلسلة غارات قصف مدمرة ضد منشآت إيران النووية هو الطلب الشخصي الذي وجهه أوباما لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما زار البيت الأبيض في شهر مارس 2012”. لكن يبدو أن تردي الأوضاع في المنطقة العربية على النحو السيئ الذي وصلت إليه، تفتح شهية الصقور المتحكمين اليوم في مؤسسات صنع القرار في الكيان الصهيوني للإقدام على خطوة تجاه إحدى الدول العربية، أو أكثر، تساعدها على زيادة الوزن الإسرائيلي، عند إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد، المستندة بطبيعة الحال، على موازين القوى الناتجة عن التخرصات التي ستولدها النتائج الناجمة عن الحالة العربية المتردية التي نشير لها، وعلى وجه الخصوص في دول الطوق المحاذية لإسرائيل، والتي تؤكدها الشواهد التالية: مصر منشغلة اليوم، -بعد إعلان جماعة الإخوان المسلمين عن مرشحهم خيرت الشاطر للانتخابات الرئاسية- بالخلافات داخل المؤسسة العسكرية من جهة، وخلافاتها الخارجية مع مختلف القوى السياسية، وعلى وجه التحديد جماعة الإخوان المسلمين، الأكثر حظاً في الوصول إلى كرسي الرئاسة. من جهة أخرى، فإلى جانب “ردود الفعل الغاضبة من قبل الأطراف السياسية في مصر التي رأت أن الإخوان يريدون الاستحواذ والسيطرة على كافة مفاصل الحياة السياسية في مصر وأنهم خالفوا ما أعلنوه سابقاً من أنهم لن يرشحوا أحداً للرئاسة”، يؤكد بعض المراقبين “أن الخطوة الجديدة من قبل الإخوان تأتي في إطار احتمالات بدء مواجهة بين الجماعة والمجلس العسكري بعد شهر عسل دام منذ قيام ثورة في الخامس والعشرين من يناير”. أما في سوريا، فهناك شبه إجماع على أن مبعوث الأمم المتحدة، والجامعة العربية كوفي عنان “يؤدي مهمة تبدو مستحيلة، ولا يحتمل أن تثمر نتائج سريعة داخل سوريا، حيث يسيطر دخان الحرب على الطريق إلى هناك”. وبات الرئيس بشار الأسد يفقد الكثير من الأوراق القوية التي كانت بين يديه، فعلى الصعيد الداخلي، لم يعد يواجه انقسام المؤسسة العسكرية، وانحياز بعض قطاعاتها للقوى المناوئة له فحسب، بل بدا الشرخ الداخلي يتسع ويزداد عمقاً، كي يصل إلى الطائفة العلوية ذاتها، حيث أطل بعض رؤوسها من أمثال عمه رفعت الأسد، مطالبين بحقهم في استعادة السلطة، بعد إقصاء بشار عنها، أما الدعم الدولي، فيبدو أنه هو الآخر في انحسار، بعد شعور موسكو “بالعزلة الدولية جراء موقفهم من سوريا، فبدؤوا منذ أيام بإبداء قدر من الامتعاض من النظام”. حتى لبنان لم تسلم من عودة المشاكل إلى ساحتها التي أشارت لها جريدة (الحياة) اللبنانية في تغطيتها لحادثة محاولة اغتيال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قائلة “ تصاعد الهواجس من مرحلة اغتيالات.. وزير الداخلية اللبناني يؤكد: محاولة اغتيال جعجع جدية جداً”، ناقلة عن وزير الداخلية اللبناني مروان شربل دعوته“ إلى أخذ العبر من محاولة اغتيال جعجع، والعودة إلى طاولة الحوار، محذراً من أن الوضع في البلاد حساس، وإذا بقي الخلاف من دون إدارة فسيؤدي ذلك إلى مشاكل”. أخطر ما تثيره محاولة الاغتيال تلك هو ربط جعجع، كما تقول الـ (سي إن إن)، “محاولة اغتياله بـظروف اغتيال الرئيس رفيق الحريري (عام 2005) الذي جل ما قام به هو أنه بدأ يزداد حجما أكبر من المعطى له”. وتزداد الصورة سوءاً عندما نصل إلى بغداد، حيث تتفاعل قضية جولة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي في دول الخليج العربي، والتي تنذر بتفجر خلافات شديدة بين بعض دوله والعراق، قد تنال أيضاً، كما جاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الجمهورية العراقي “ من المكاسب التي حققها العراق بانعقاد مؤتمر القمة العربية مؤخراً والذي كان إقراراً بأن العراق استعاد عافيته وعاد لتبوؤ الموقع اللائق به في الأسرة العربية والأجنبية والدولية”. الأمور لا تختلف في سوئها عندما نحاول تشخيص الحالة في اليمن، حيث نجد إجماع تقارير الهيئات الدولية العاملة على رسم “صورة قاتمة عن الأوضاع الراهنة في هذا البلد أكثر قسوة من تلك الصور والأخبار التي تنقلها وسائل الإعلام المختلفة”. أما في ليبيا، وكما تتحدث الكثير من المصادر الدولية، فإنه “بعد مطالبة الشرق الليبي مؤخراً بالحكم الذاتي، وبعد الفوضى التي جدت في مدينة سبها، شهدت المنطقة الغربية مجدداً مواجهات مسلحة بين القبائل خلال الفترة الأخيرة، كما أن المواجهات المسلحة، التي تحدث من وقت الآخر بين القبائل، تعكس حدة المشاكل السياسية والاجتماعية داخل ليبيا، حيث تواجه ليبيا ما بعد القذافي شبح الانقسام”. ليس هناك من محفز لكي تقدم إسرائيل على مغامرة تحقق من ورائها مكاسب محددة على أرض الواقع، تستخدمها كي تعزز من مكاسبها فيما لو عادت الأمور إلى نصابها، وساد الاستقرار المنطقة، من حالة الانقسام والتشظي التي تعيشها كل دولة عربية على حدة، وتعاني منها المنطقة العربية كمنظومة، إن جاز لنا استخدام هذا التعبير الأخير.