من بين النوادر التي أوردها الأستاذ فخري الزبيدي أمين بغداد في العهد الملكي، في كتابه بغداد من 1900 حتى 1934، قصة أحد الأشخاص الذين يمتهنون النصب والاحتيال واسمه جلعوط عندما التقى ببدوي في بغداد فأسرع إليه واحتضنه وقبله وسلم عليه سلاماً حاراً، فذعر البدوي وتفاجأ ورجع خطوتين إلى الوراء، ثم قال: «يُـبَـه ماني حمود»، لكن جلعوط النصاب بقي مصراً على أن البدوي هو حمود قائلاً له: أعرفك جيداً أنت حمود ولا أنسى تلك الأيام التي حللت بها ضيفاً عليكم في البر وأكلت من زادكم، ولن أدعك تذهب إلى أي مكان إلا بعد أن تسمح لي باستضافتك على الغداء، وهكذا اقتاد البدوي إلى أقرب مطعم كباب وأكلا حتى شبعا، وما أن ذهب البدوي ليغسل يده حتى خرج جلعوط قائلاً لصاحب المطعم: الحساب عند الشيخ، بعدها خرج البدوي، فأمسك به صاحب المطعم مطالباً إياه بثمن الغداء والرجل يقول: أنا ضيف، وصاحب المطعم يقول له «أعرف أشكالكم»، وبعدما ضيق عليه الخناق دفع البدوي الحساب وهو يقول: «أقول له ماني حمود، يقول لي: لا أنت حمود!».
يكاد يتفق أكثر العراقيين اليوم على أن هذه القصة تمثل واقع حالهم اليوم، فهذا النظام الذي فرضته أمريكا على العراق وتعددت حكوماته لا يختلف شيئاً عن جلعوط النصاب وأهل البلد حالهم يشبه حال البدوي، خصوصاً وأن القروض السيادية التي يورط بها هذا النظام شعب العراق تشبه الغداء في المطعم وسيجبرون على تسديدها هم وأبناؤهم، مع اختلاف في نقطتين، الأولى أن النصاب عندما فعل فعلته مع البدوي شاركه الطعام وجعله يشبع كما شبع أي أنه من الناحية العملية سرق من جيبه وجبة الغداء فقط، وترك له الباقي، أما النظام الجاثم على صدر العراقيين فقد سرق منهم كل شيء دون أن يبقي لهم شيئاً، أما النقطة الثانية، فإن جلعوط نصب على البدوي مرة واحدة أما العراقيين فقد تعرضوا للنصب ثلاث مرات من خلال الانتخابات البرلمانية التي تأتي بالحكومة والرئاسة والبرلمان، وها هم بانتظار المرة الرابعة.
لكن يبقى السؤال الأهم، إذا كان العراقيون يدركون جيداً أنهم يتعرضون للنصب في كل مرة فلماذا يمنحون أصواتهم لنفس الأشخاص والأحزاب التي تسرقهم وتنهب خيراتهم وتفقد مجتمعهم الأمن؟ الحقيقة أن هذا النظام عرف كيف يضع المجتمع في قالب يقود في النهاية إلى بقائه، فهو عمل على إيجاد حالة التخندق الطائفي في المجتمع وهو ما يقود في النهاية إلى انتخابهم بغض النظر عن تذمر الناس، كذلك عمل على تخويف الناس من المستقبل وأشاع بينهم ثقافة «نعم شخوص هذا النظام فاسدون لكن وجودهم أفضل بكثير من وجود أشخاص نختلف معهم في الطائفة مهما كانت قدراتهم الإدارية والسياسية»، كذلك أجرى عمليات تصفية وإبعاد لكل المخلصين وأصحاب الكفاءة أياً كان انتماؤهم الطائفي والعرقي ليبقى الجهلة واللصوص متصدرين المشهد فلا تجد بينهم من يصلح، أضف إلى ذلك أنه حصر أرزاق الناس بالرواتب التي تدفعها الدولة، وتوقفت الصناعة والزراعة وكثير من الأعمال الخاصة، فتولدت رغبة لدى الناس بالحفاظ على القليل الذي يأتيهم عن طريق هذا النظام، وما لم يغير الناس هذا الواقع بأيديهم فلن يتغير شيء.
يكاد يتفق أكثر العراقيين اليوم على أن هذه القصة تمثل واقع حالهم اليوم، فهذا النظام الذي فرضته أمريكا على العراق وتعددت حكوماته لا يختلف شيئاً عن جلعوط النصاب وأهل البلد حالهم يشبه حال البدوي، خصوصاً وأن القروض السيادية التي يورط بها هذا النظام شعب العراق تشبه الغداء في المطعم وسيجبرون على تسديدها هم وأبناؤهم، مع اختلاف في نقطتين، الأولى أن النصاب عندما فعل فعلته مع البدوي شاركه الطعام وجعله يشبع كما شبع أي أنه من الناحية العملية سرق من جيبه وجبة الغداء فقط، وترك له الباقي، أما النظام الجاثم على صدر العراقيين فقد سرق منهم كل شيء دون أن يبقي لهم شيئاً، أما النقطة الثانية، فإن جلعوط نصب على البدوي مرة واحدة أما العراقيين فقد تعرضوا للنصب ثلاث مرات من خلال الانتخابات البرلمانية التي تأتي بالحكومة والرئاسة والبرلمان، وها هم بانتظار المرة الرابعة.
لكن يبقى السؤال الأهم، إذا كان العراقيون يدركون جيداً أنهم يتعرضون للنصب في كل مرة فلماذا يمنحون أصواتهم لنفس الأشخاص والأحزاب التي تسرقهم وتنهب خيراتهم وتفقد مجتمعهم الأمن؟ الحقيقة أن هذا النظام عرف كيف يضع المجتمع في قالب يقود في النهاية إلى بقائه، فهو عمل على إيجاد حالة التخندق الطائفي في المجتمع وهو ما يقود في النهاية إلى انتخابهم بغض النظر عن تذمر الناس، كذلك عمل على تخويف الناس من المستقبل وأشاع بينهم ثقافة «نعم شخوص هذا النظام فاسدون لكن وجودهم أفضل بكثير من وجود أشخاص نختلف معهم في الطائفة مهما كانت قدراتهم الإدارية والسياسية»، كذلك أجرى عمليات تصفية وإبعاد لكل المخلصين وأصحاب الكفاءة أياً كان انتماؤهم الطائفي والعرقي ليبقى الجهلة واللصوص متصدرين المشهد فلا تجد بينهم من يصلح، أضف إلى ذلك أنه حصر أرزاق الناس بالرواتب التي تدفعها الدولة، وتوقفت الصناعة والزراعة وكثير من الأعمال الخاصة، فتولدت رغبة لدى الناس بالحفاظ على القليل الذي يأتيهم عن طريق هذا النظام، وما لم يغير الناس هذا الواقع بأيديهم فلن يتغير شيء.