دبي - (العربية نت): أعادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية فتح ملف الفدية التي دفعتها قطر لجماعات إرهابية مقابل الإفراج عن "رهائن" قطريين في العراق وسوريا، وكيف أن الدوحة تمكنت من تحرير رهائن قطريين تم اختطافهم في العراق بعدما دفعت 770 مليون دولار.
وحمل تقرير الصحيفة الأمريكية الموسع العديد من الأسرار والكواليس عن تلك الاتفاقيات المشبوهة، كما سلط الضوء على مثلث "قطر - إيران - والإرهاب"، وهو ما يعكس بطبيعة الحال وجود اتصالات مفتوحة بين مسؤولي الدوحة والجماعات الإرهابية في العراق.
وقالت الصحيفة، في تقريرها، إن المختطفين وقعوا في الأسر بعد قيامهم برحلة صيد صقور في صحراء العراق، وأن جزءاً من تلك الأموال يقدر بـ360 مليون دولار تم تقديمه لجماعات إرهابية، إلا أنه في نهاية المطاف ربما تكون الأموال أقل أهمية من الأبعاد السياسية للاتفاقية التي عقدتها الدوحة مع هذه الجماعات.
تحدث تقرير "نيويورك تايمز" عن وقائع الفدية التي دفعتها قطر لجماعات إرهابية، كاشفاً محاولة قطر إدخال 360 مليون دولار في حقائب سوداء عبر طيرانها إلى مطار بغداد، كما وثق الاتصالات القطرية مع الجماعات الإرهابية وتمويلها لهم بمئات الملايين من الدولارات التي ذهبت إلى الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" الإرهابي و"جبهة النصرة".
كما أفاد بذهاب قطر إلى أبعد الحدود من أجل إطلاق سراح الرهائن، وذلك عبر موافقتها على خطة إيرانية تتضمن نقلاً قسرياً ومميتاً للسكان في سوريا حسب اتفاق البلدات الأربع، حيث يأتي التقرير بعد قرابة عام على الصفقة.
وقال التقرير إنه "في 15 أبريل من العام الماضي، وصل شخص قطري إلى صالة كبار الشخصيات في رحلة مسائية أقلعت من عاصمة بلده الدوحة، وبعد أن عرف بنفسه كمبعوث حكومي رفيع المستوى، أشار إلى زملائه الأربعة عشر الذين يرتدون ملابس بيضاء طويلة تسمى بالثوب، وقد أحضر القطريون معهم 23 حقيبة سوداء متشابهة صغيرة من نوع "بنينسو" مصنوعة من النايلون الأسود غطت جزءاً كبيراً من الأرضية الخشبية للصالة، وكانت هذه الحقائب ثقيلة جداً، وتزن الوحدة منها أكثر من 100 باوند، إلى درجة أن الحمالين واجهوا صعوبة في إدخالها إلى الغرفة.
العراقيون أصروا بكل أدب على ضرورة أن يتم تفتيش جميع الحقائب، حتى في صالة كبار الشخصيات، وهو الأمر الذي صدم قائد هذه المجموعة القطرية، وطلب أن يتم منحه وقتاً، وتجمع القطريون جراء مناقشة هادئة، ثم أجروا اتصالات هاتفية، وفي نهاية المطاف، رضوا وسمحوا بأن تفتش الحقائب، وحملت كل حقيبة كومة من مربعات تشابه الطوب ملفوفة بشريط أسود لم يستطع جهاز الماسح الضوئي اختراقها.
وحينما سأل موظفو الجمارك عما يوجد بداخلها، رفض القطريون الإجابة، وظلت المواجهة بين الطرفين طوال الليل، وفي النهاية استسلم القطريون باستياء، قبل بزوغ الفجر، واتجهوا إلى بغداد تاركين أمتعتهم خلفهم، وفي وقت لاحق فتح العراقيون الحقائب، ووجدوا مزيجاً من الدولارات واليورو تقدر بنحو 360 مليون دولار أمريكي. وكانت العملات الورقية وحدها تزن أكثر من 2500 باوند.
وفي أواخر نوفمبر من عام 2015، غادرت مجموعة كبيرة من صيادي الصقور القطريين الدوحة في رتل من مركبات الدفع الرباعي، متجهين إلى الجنوب. وعبروا الحدود السعودية، ومن ثم تحول الموكب إلى الشمال، ومروا عبر جزء من دولة الكويت واستمروا في وجهتهم، ووصلوا إلى الصحراء الجنوبية للعراق التي تبعد عن الدوحة 450 ميلاً، وتتألف المجموعة من عشرات الأشخاص، بما في ذلك الخدم، حيث يقودها تسعة أعضاء من الأسرة الحاكمة في قطر، من أفراد آل ثاني، التي تعتبر إحدى أغنى العائلات الحاكمة على وجه الأرض.
كما أن منطقة الصيد التي اختارها القطريون –محافظة المثنى العراقية– تحظى بعدد قليل من الزوار منذ الغزو الأمريكي في عام 2003، ومما يجدر ذكره أن الصحراء مليئة بالقنابل العنقودية والألغام التي خلفتها 3 عقود من الحروب المتقطعة.
وفي ظل سيطرة تنظيم الدولة "داعش" على الجزء الأكبر من الشمال، وانتشار الميليشيات الشيعية في أماكن أخرى، فإن العراق أبعد ما تكون عن وجهة سياحية مرغوب فيها، وسمع القطريون تقارير محيرة حول تصاعد أعداد السكان، على الرغم من التحذيرات بشأن المخاطر المحتملة، إلا أنهم لم يستطيعوا مقاومة هذه الفرصة، وخلال الأسابيع الثلاثة القادمة، كان الصيادون يتجولون عبر الصحراء إلى جانب الحراس الذين استأجروهم، كما كانوا بين فينة وأخرى يهبون هدايا باهظة للبدو؛ لضمان سلامتهم.
كان الصيادون يصطادون نحو 5 حبارى في اليوم، وهي كمية معتبرة، وبحلول 15 ديسمبر كانوا على وشك العودة إلى الديار، وفي تلك الليلة -عندما تحول هواء الصحراء إلى البرودة الشديدة- كان الرجال يدفئون أنفسهم من خلال الجلوس حول النار، وكان الخدم حولهم يقومون بأعمالهم، شواء عشاء فاخر ويصبون الشاي، وبحلول الساعة الثالثة صباحاً، استيقظ أحد أعضاء الصيد "من آل ثاني ويبلغ من العمر 37 عاماً، ويدعى "أبو محمد" الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن اسمه" جراء دخول أحد الخدم مسرعاً يركض إلى خيمته.
الخادم كان مرعوباً، وقال: هنالك جنود في جميع أنحاء المخيم، استيقظ "أبومحمد" ولبس بسرعة، ونظر من خلال الخيمة، حيث رأى رجالاً يرتدون الزي العسكري وعشرات السيارات والشاحنات مثبت عليها رشاشات ثقيلة، في البداية، كان يعتقد أن هنالك خلطاً في الأمر، أو ربما زيارة من قبل الجيش العراقي، لتحذيرهم من خطر ما، ولكن في غضون دقائق، دخل رجال يرتدون أقنعة سوداء إلى خيمته، وكانوا مسلحين برشاشات من طراز أيه كيه-47.
وكان أحدهم يحمل لوحة ويقرأ قائمة أسماء، يبدو أنه كان يبحث عن أكبر عضو في أسرة آل ثاني، حيث قاد المسلحون "أبا محمد" إلى الخارج في الهواء البارد، وفي الخارج -وسط وهج المصابيح الأمامية- رأى أقاربه مستلقين على الأرض، ووجوههم على الأرض، وكانوا مرتدين ثيابهم البيضاء، وكانت أيديهم مقيدة خلفهم، وكان المسلحون يصوبون أسلحتهم عليهم من الخلف، في تلك اللحظة، شعر وبكل تأكيد أن خاطفيهم كانوا تنظيم " داعش ".
سمع "أبومحمد" صوتاً من أجهزة اللاسلكي التي يحملها الخاطفون: "اتركوا كل شيء واخرجوا"؛ حيث لم يستطع تحديد اللهجة أو تحديد لصالح من يعملون، ومن ثم قام الخاطفون بدفع القطريين داخل السيارات وعصبوا أعينهم، ثم انطلقوا بمركباتهم مسرعين في ظلمة الصحراء، وحاولوا الوصول إلى طريق معبد، وتم إخراج الأسرى من السيارات ودفعهم داخل شاحنات "فانات"، حيث وجدوا أنفسهم على الأرض ولا يزالون مكبلي الأيدي ومعصوبي العيون، وفي كل مرة يمر "الفان" مسرعاً فوق مطب صناعي يرتطمون ببعضهم بشكل مؤلم، وفي وقت ما، التفّ أحد الخاطفين صوب الرهائن وبدأ يقول أموراً سيئة ومهينة عن السيدة عائشة رضي الله عنها زوجة النبي عليه الصلاة والسلام.
وبعد قرابة ثلاث أو أربع ساعات من القيادة، توقفت الشاحنات، وكانوا يسمعون صوت طائرات تقلع وتهبط وأصوات جنود، ولكن بالإضافة إلى الأوامر العسكرية والتحيات، كانوا يسمعون "يا حسين"، ولم يتمكن الرهائن من تحديد موقعهم، ولكنهم كانوا على الأرجح قرب قاعدة طليل الجوية بالقرب من الناصرية، إحدى أكبر المنشآت العسكرية جنوب العراق.
وفي لعبة شد الحبل الغربية التي تبرز صورة العراق، حينذاك، فإن جيش البلاد -المدرب والمدعوم من قبل الولايات المتحدة- كان يعمل حرفياً جنباً إلى جنب مع الميليشيات الشيعية المدعومة من قبل إيران، وقد تم احتجاز الأسرى في القاعدة لعدة أيام، ثم عُصبت أعينهم مرة أخرى، وتم اقتيادهم إلى منزل، حيث تم حبسهم في زنزانات في الطابق السفلي.
في وقت من الأوقات، قام "أبومحمد" الذي كان يأمل في حل على الطريقة القطرية بسحب محفظته من جيبه بعدما أخذ الخاطفون هواتف المختطفين ورموها من نافذة السيارة أثناء الطريق، قبل أن يقول "أبومحمد" الذي كان بحوزته 120 ألف ريال قطري، أي نحو 33 ألف دولار أميركي: "نستطيع أن ندفع لكم"، ثم أخبرهم بعد ذلك بأن بقية المختطفين يحملون معهم مبالغ أكبر، وأن لديهم ما يعادل مئات آلاف من الدولارات، إن لم يكن أكثر من ذلك، لكن قائد المجموعة التي نفذت الاختطاف لم يكن منبهراً بما سمع؛ حيث ردّ عليه قائلاً: "أتعتقد أننا نريد أموالك؟".
وكان خبر الاختطاف قد وصل إلى قطر في نحو الساعة السادسة صباحاً، وقد جرت على إثر ذلك سلسلة من المكالمات الهاتفية العاجلة بين مسؤولي الحكومة وأفراد الأسرة الحاكمة، وقد أبرز ذلك الخبر الجانب السلبي لظهور قطر المفاجئ على الساحة.
وفي غضون أيام من اختطاف الصيادين القطريين، تأكدت الحكومة في الدوحة أنه من شبه المؤكد أنهم محتجزون لدى ميليشيات شيعية على علاقة بإيران، وهو ما يضع مصيرهم في يد الرجل الأخطر في العالم، الجنرال قاسم سليماني رئيس الحرس الثوري الإيراني، لكن سليماني لم يكن يهتم بأموال الفدية، فأولويته لسنوات هي سوريا.
وتابعت الصحيفة: "من ثم أصبح الرهائن القطريون بيادق قيمة في هذه اللعبة الجيوسياسية، وتمتلك قطر نفوذاً قوياً مع فصائل المتمردين التي تمولها وهو ما يمثل عاملاً مفيداً للجنرال الإيراني، ففي ذلك الوقت كان سليماني وحلفاؤه من "حزب الله" يبحثون عن طرق جديدة لتعزيز السيطرة على مناطق رئيسة معينة بالقرب من العاصمة السورية.. ليس فقط من خلال قتل المقاتلين المتمردين، بل طرد السكان المدنيين السنة الذين كانوا يحمون المتمردين.
وتقول الصحيفة: إنه قبل أن يتم خطف الرهائن القطريين، بدأت إيران جهداً جريئاً لتحقيق هذا الانتقال الديموغرافي، ففي اجتماع سري عقد في إسطنبول بتيسير من الأمم المتحدة في سبتمبر 2015، اقترح مبعوث من قوة القدس التابعة لسليماني اتفاقاً أصبح يعرف باسم "صفقة أربع بلدات"، وبموجب الاتفاق سينتهي حزب الله من حصار اثنين من معاقل المتمردين السنّة في سوريا بالقرب من الحدود اللبنانية، مضايا والزبداني، التي كان يشكل سكانها تهديداً مستمراً لنظام "الأسد" في دمشق، وفي المقابل، سينهي المتمردون الممولون من قبل قطر حصارهم لبلدتين شيعيتين في الشمال الغربي، وهما فوا وكفرايا؛ حيث تحقق صفقة الأربع بلدات هدفين لإيران: التخلص من تهديد المتمردين في منطقة استراتيجية، في الوقت الذي يتم فيه إنقاذ الشيعة المعرضين للخطر في الشمال.
وكانت تفاصيل الصفقة غامضة في البداية، لكن في وقت ما اقترح الإيرانيون أن يتمكن السكان من مبادلة المدن؛ حيث يتداول السوريون السنة والشيعة حرفياً الأماكن، وربما يسكنون منازل بعضهم البعض، لقد قدموا هذا كبادرة إنسانية باعتبار أن إنهاء الحصار سيفيد الناس في جميع المدن الأربع؛ لكن المتحدثين باسم المتمردين في إسطنبول رفضوا الفكرة بشكل غاضب، واصفين إياها بجهد متغطرس لإعادة تشكيل خليط سوريا الطبيعي من ديانات ومجموعات عرقية متنوعة ذات حسابات طائفية صارمة.
وتقول "نيويورك تايمز" إنه بعد عملية خطف الصيادين القطريين، اكتسبت إيران بعض النفوذ القوي على هؤلاء المتمردين السنة أنفسهم -أو بالأحرى على مانحهم الرئيسي في الدوحة- وعادت خطة إخلاء المدن الأربع إلى الطاولة، وذكرت الصحيفة تفاصيل عن تعثر المفاوضات لأشهر، حيث ظل الرهائن القطريون مختطفين لمدة 16 شهراً، لكن في نهاية المطاف تمّت عملية التغيير الديموغرافي في سوريا تحت مشهد من العنف والقصف، كما تم الإفراج عن الرهائن في إبريل الماضي، بعد دفع الدوحة نحو 770 مليون دولار للمليشيات المسلحة وذلك من خلال دفعتين.
وحمل تقرير الصحيفة الأمريكية الموسع العديد من الأسرار والكواليس عن تلك الاتفاقيات المشبوهة، كما سلط الضوء على مثلث "قطر - إيران - والإرهاب"، وهو ما يعكس بطبيعة الحال وجود اتصالات مفتوحة بين مسؤولي الدوحة والجماعات الإرهابية في العراق.
وقالت الصحيفة، في تقريرها، إن المختطفين وقعوا في الأسر بعد قيامهم برحلة صيد صقور في صحراء العراق، وأن جزءاً من تلك الأموال يقدر بـ360 مليون دولار تم تقديمه لجماعات إرهابية، إلا أنه في نهاية المطاف ربما تكون الأموال أقل أهمية من الأبعاد السياسية للاتفاقية التي عقدتها الدوحة مع هذه الجماعات.
تحدث تقرير "نيويورك تايمز" عن وقائع الفدية التي دفعتها قطر لجماعات إرهابية، كاشفاً محاولة قطر إدخال 360 مليون دولار في حقائب سوداء عبر طيرانها إلى مطار بغداد، كما وثق الاتصالات القطرية مع الجماعات الإرهابية وتمويلها لهم بمئات الملايين من الدولارات التي ذهبت إلى الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" الإرهابي و"جبهة النصرة".
كما أفاد بذهاب قطر إلى أبعد الحدود من أجل إطلاق سراح الرهائن، وذلك عبر موافقتها على خطة إيرانية تتضمن نقلاً قسرياً ومميتاً للسكان في سوريا حسب اتفاق البلدات الأربع، حيث يأتي التقرير بعد قرابة عام على الصفقة.
وقال التقرير إنه "في 15 أبريل من العام الماضي، وصل شخص قطري إلى صالة كبار الشخصيات في رحلة مسائية أقلعت من عاصمة بلده الدوحة، وبعد أن عرف بنفسه كمبعوث حكومي رفيع المستوى، أشار إلى زملائه الأربعة عشر الذين يرتدون ملابس بيضاء طويلة تسمى بالثوب، وقد أحضر القطريون معهم 23 حقيبة سوداء متشابهة صغيرة من نوع "بنينسو" مصنوعة من النايلون الأسود غطت جزءاً كبيراً من الأرضية الخشبية للصالة، وكانت هذه الحقائب ثقيلة جداً، وتزن الوحدة منها أكثر من 100 باوند، إلى درجة أن الحمالين واجهوا صعوبة في إدخالها إلى الغرفة.
العراقيون أصروا بكل أدب على ضرورة أن يتم تفتيش جميع الحقائب، حتى في صالة كبار الشخصيات، وهو الأمر الذي صدم قائد هذه المجموعة القطرية، وطلب أن يتم منحه وقتاً، وتجمع القطريون جراء مناقشة هادئة، ثم أجروا اتصالات هاتفية، وفي نهاية المطاف، رضوا وسمحوا بأن تفتش الحقائب، وحملت كل حقيبة كومة من مربعات تشابه الطوب ملفوفة بشريط أسود لم يستطع جهاز الماسح الضوئي اختراقها.
وحينما سأل موظفو الجمارك عما يوجد بداخلها، رفض القطريون الإجابة، وظلت المواجهة بين الطرفين طوال الليل، وفي النهاية استسلم القطريون باستياء، قبل بزوغ الفجر، واتجهوا إلى بغداد تاركين أمتعتهم خلفهم، وفي وقت لاحق فتح العراقيون الحقائب، ووجدوا مزيجاً من الدولارات واليورو تقدر بنحو 360 مليون دولار أمريكي. وكانت العملات الورقية وحدها تزن أكثر من 2500 باوند.
وفي أواخر نوفمبر من عام 2015، غادرت مجموعة كبيرة من صيادي الصقور القطريين الدوحة في رتل من مركبات الدفع الرباعي، متجهين إلى الجنوب. وعبروا الحدود السعودية، ومن ثم تحول الموكب إلى الشمال، ومروا عبر جزء من دولة الكويت واستمروا في وجهتهم، ووصلوا إلى الصحراء الجنوبية للعراق التي تبعد عن الدوحة 450 ميلاً، وتتألف المجموعة من عشرات الأشخاص، بما في ذلك الخدم، حيث يقودها تسعة أعضاء من الأسرة الحاكمة في قطر، من أفراد آل ثاني، التي تعتبر إحدى أغنى العائلات الحاكمة على وجه الأرض.
كما أن منطقة الصيد التي اختارها القطريون –محافظة المثنى العراقية– تحظى بعدد قليل من الزوار منذ الغزو الأمريكي في عام 2003، ومما يجدر ذكره أن الصحراء مليئة بالقنابل العنقودية والألغام التي خلفتها 3 عقود من الحروب المتقطعة.
وفي ظل سيطرة تنظيم الدولة "داعش" على الجزء الأكبر من الشمال، وانتشار الميليشيات الشيعية في أماكن أخرى، فإن العراق أبعد ما تكون عن وجهة سياحية مرغوب فيها، وسمع القطريون تقارير محيرة حول تصاعد أعداد السكان، على الرغم من التحذيرات بشأن المخاطر المحتملة، إلا أنهم لم يستطيعوا مقاومة هذه الفرصة، وخلال الأسابيع الثلاثة القادمة، كان الصيادون يتجولون عبر الصحراء إلى جانب الحراس الذين استأجروهم، كما كانوا بين فينة وأخرى يهبون هدايا باهظة للبدو؛ لضمان سلامتهم.
كان الصيادون يصطادون نحو 5 حبارى في اليوم، وهي كمية معتبرة، وبحلول 15 ديسمبر كانوا على وشك العودة إلى الديار، وفي تلك الليلة -عندما تحول هواء الصحراء إلى البرودة الشديدة- كان الرجال يدفئون أنفسهم من خلال الجلوس حول النار، وكان الخدم حولهم يقومون بأعمالهم، شواء عشاء فاخر ويصبون الشاي، وبحلول الساعة الثالثة صباحاً، استيقظ أحد أعضاء الصيد "من آل ثاني ويبلغ من العمر 37 عاماً، ويدعى "أبو محمد" الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن اسمه" جراء دخول أحد الخدم مسرعاً يركض إلى خيمته.
الخادم كان مرعوباً، وقال: هنالك جنود في جميع أنحاء المخيم، استيقظ "أبومحمد" ولبس بسرعة، ونظر من خلال الخيمة، حيث رأى رجالاً يرتدون الزي العسكري وعشرات السيارات والشاحنات مثبت عليها رشاشات ثقيلة، في البداية، كان يعتقد أن هنالك خلطاً في الأمر، أو ربما زيارة من قبل الجيش العراقي، لتحذيرهم من خطر ما، ولكن في غضون دقائق، دخل رجال يرتدون أقنعة سوداء إلى خيمته، وكانوا مسلحين برشاشات من طراز أيه كيه-47.
وكان أحدهم يحمل لوحة ويقرأ قائمة أسماء، يبدو أنه كان يبحث عن أكبر عضو في أسرة آل ثاني، حيث قاد المسلحون "أبا محمد" إلى الخارج في الهواء البارد، وفي الخارج -وسط وهج المصابيح الأمامية- رأى أقاربه مستلقين على الأرض، ووجوههم على الأرض، وكانوا مرتدين ثيابهم البيضاء، وكانت أيديهم مقيدة خلفهم، وكان المسلحون يصوبون أسلحتهم عليهم من الخلف، في تلك اللحظة، شعر وبكل تأكيد أن خاطفيهم كانوا تنظيم " داعش ".
سمع "أبومحمد" صوتاً من أجهزة اللاسلكي التي يحملها الخاطفون: "اتركوا كل شيء واخرجوا"؛ حيث لم يستطع تحديد اللهجة أو تحديد لصالح من يعملون، ومن ثم قام الخاطفون بدفع القطريين داخل السيارات وعصبوا أعينهم، ثم انطلقوا بمركباتهم مسرعين في ظلمة الصحراء، وحاولوا الوصول إلى طريق معبد، وتم إخراج الأسرى من السيارات ودفعهم داخل شاحنات "فانات"، حيث وجدوا أنفسهم على الأرض ولا يزالون مكبلي الأيدي ومعصوبي العيون، وفي كل مرة يمر "الفان" مسرعاً فوق مطب صناعي يرتطمون ببعضهم بشكل مؤلم، وفي وقت ما، التفّ أحد الخاطفين صوب الرهائن وبدأ يقول أموراً سيئة ومهينة عن السيدة عائشة رضي الله عنها زوجة النبي عليه الصلاة والسلام.
وبعد قرابة ثلاث أو أربع ساعات من القيادة، توقفت الشاحنات، وكانوا يسمعون صوت طائرات تقلع وتهبط وأصوات جنود، ولكن بالإضافة إلى الأوامر العسكرية والتحيات، كانوا يسمعون "يا حسين"، ولم يتمكن الرهائن من تحديد موقعهم، ولكنهم كانوا على الأرجح قرب قاعدة طليل الجوية بالقرب من الناصرية، إحدى أكبر المنشآت العسكرية جنوب العراق.
وفي لعبة شد الحبل الغربية التي تبرز صورة العراق، حينذاك، فإن جيش البلاد -المدرب والمدعوم من قبل الولايات المتحدة- كان يعمل حرفياً جنباً إلى جنب مع الميليشيات الشيعية المدعومة من قبل إيران، وقد تم احتجاز الأسرى في القاعدة لعدة أيام، ثم عُصبت أعينهم مرة أخرى، وتم اقتيادهم إلى منزل، حيث تم حبسهم في زنزانات في الطابق السفلي.
في وقت من الأوقات، قام "أبومحمد" الذي كان يأمل في حل على الطريقة القطرية بسحب محفظته من جيبه بعدما أخذ الخاطفون هواتف المختطفين ورموها من نافذة السيارة أثناء الطريق، قبل أن يقول "أبومحمد" الذي كان بحوزته 120 ألف ريال قطري، أي نحو 33 ألف دولار أميركي: "نستطيع أن ندفع لكم"، ثم أخبرهم بعد ذلك بأن بقية المختطفين يحملون معهم مبالغ أكبر، وأن لديهم ما يعادل مئات آلاف من الدولارات، إن لم يكن أكثر من ذلك، لكن قائد المجموعة التي نفذت الاختطاف لم يكن منبهراً بما سمع؛ حيث ردّ عليه قائلاً: "أتعتقد أننا نريد أموالك؟".
وكان خبر الاختطاف قد وصل إلى قطر في نحو الساعة السادسة صباحاً، وقد جرت على إثر ذلك سلسلة من المكالمات الهاتفية العاجلة بين مسؤولي الحكومة وأفراد الأسرة الحاكمة، وقد أبرز ذلك الخبر الجانب السلبي لظهور قطر المفاجئ على الساحة.
وفي غضون أيام من اختطاف الصيادين القطريين، تأكدت الحكومة في الدوحة أنه من شبه المؤكد أنهم محتجزون لدى ميليشيات شيعية على علاقة بإيران، وهو ما يضع مصيرهم في يد الرجل الأخطر في العالم، الجنرال قاسم سليماني رئيس الحرس الثوري الإيراني، لكن سليماني لم يكن يهتم بأموال الفدية، فأولويته لسنوات هي سوريا.
وتابعت الصحيفة: "من ثم أصبح الرهائن القطريون بيادق قيمة في هذه اللعبة الجيوسياسية، وتمتلك قطر نفوذاً قوياً مع فصائل المتمردين التي تمولها وهو ما يمثل عاملاً مفيداً للجنرال الإيراني، ففي ذلك الوقت كان سليماني وحلفاؤه من "حزب الله" يبحثون عن طرق جديدة لتعزيز السيطرة على مناطق رئيسة معينة بالقرب من العاصمة السورية.. ليس فقط من خلال قتل المقاتلين المتمردين، بل طرد السكان المدنيين السنة الذين كانوا يحمون المتمردين.
وتقول الصحيفة: إنه قبل أن يتم خطف الرهائن القطريين، بدأت إيران جهداً جريئاً لتحقيق هذا الانتقال الديموغرافي، ففي اجتماع سري عقد في إسطنبول بتيسير من الأمم المتحدة في سبتمبر 2015، اقترح مبعوث من قوة القدس التابعة لسليماني اتفاقاً أصبح يعرف باسم "صفقة أربع بلدات"، وبموجب الاتفاق سينتهي حزب الله من حصار اثنين من معاقل المتمردين السنّة في سوريا بالقرب من الحدود اللبنانية، مضايا والزبداني، التي كان يشكل سكانها تهديداً مستمراً لنظام "الأسد" في دمشق، وفي المقابل، سينهي المتمردون الممولون من قبل قطر حصارهم لبلدتين شيعيتين في الشمال الغربي، وهما فوا وكفرايا؛ حيث تحقق صفقة الأربع بلدات هدفين لإيران: التخلص من تهديد المتمردين في منطقة استراتيجية، في الوقت الذي يتم فيه إنقاذ الشيعة المعرضين للخطر في الشمال.
وكانت تفاصيل الصفقة غامضة في البداية، لكن في وقت ما اقترح الإيرانيون أن يتمكن السكان من مبادلة المدن؛ حيث يتداول السوريون السنة والشيعة حرفياً الأماكن، وربما يسكنون منازل بعضهم البعض، لقد قدموا هذا كبادرة إنسانية باعتبار أن إنهاء الحصار سيفيد الناس في جميع المدن الأربع؛ لكن المتحدثين باسم المتمردين في إسطنبول رفضوا الفكرة بشكل غاضب، واصفين إياها بجهد متغطرس لإعادة تشكيل خليط سوريا الطبيعي من ديانات ومجموعات عرقية متنوعة ذات حسابات طائفية صارمة.
وتقول "نيويورك تايمز" إنه بعد عملية خطف الصيادين القطريين، اكتسبت إيران بعض النفوذ القوي على هؤلاء المتمردين السنة أنفسهم -أو بالأحرى على مانحهم الرئيسي في الدوحة- وعادت خطة إخلاء المدن الأربع إلى الطاولة، وذكرت الصحيفة تفاصيل عن تعثر المفاوضات لأشهر، حيث ظل الرهائن القطريون مختطفين لمدة 16 شهراً، لكن في نهاية المطاف تمّت عملية التغيير الديموغرافي في سوريا تحت مشهد من العنف والقصف، كما تم الإفراج عن الرهائن في إبريل الماضي، بعد دفع الدوحة نحو 770 مليون دولار للمليشيات المسلحة وذلك من خلال دفعتين.