في متاهات من الجليد، مجاورة بأقصى الشمال الكندي للدائرة القطبية، حيث الحرارة تهبط إلى 40 تحت الصفر، يقوم سعودي تحدثت إليه "العربية.نت" ببناء أول مسجد في مدينة سكانها 8 آلاف فقط، معظمهم من الاسكيمو الأصليين، واحد منهم مسلم ومعه 80 آخرون، بينهم 30 عربياً، والباقي من الهند والصومال، ولهم حلم مشترك: أن يرتفع نداء "الله أكبر" من مسجد يجمعهم ويؤدون فيه الصلاة.مدينة ايكالويت، حيث يبدأ بناء المسجد فيها بعد شهر، هي عاصمة ولاية "نونافوت" الممتدة في كندا على ما يساوي مساحة السعودية تماماً، أي أكثر من مليونين و100 ألف كيلومتر مربع، لكن سكانها لا يزيدون عن 30 ألفاً، لأنها معزولة وإرهاب البيئة عاصف فيها طوال العام، إلى درجة أن الوصول إليها لا يتم إلا بالطائرات، أو صيفاً عبر 3 رحلات بحرية تقوم بها سفن للشحن على مراحل، وبعدها تغرق الولاية وعاصمتها بما فيهما من سكان في متاهات الصقيع طوال 10 أشهر على الأقل.أما القائم ببناء المسجد، فهو صحافي وطبيب سعودي، ولد قبل 47 سنة في حي جرول بمكة المكرمة، وهو الدكتور حسين قستي، المقيم مع زوجته السعودية الدكتورة سوزان غزالي وابنه وابنته منها، في مدينة "وينيبغ" عاصمة مقاطعة "مانيتوبا" في الوسط الكندي، وفيها يشرف على "جمعية زبيدة تلاب الخيرية" التي أسسها بشعار يريح المؤمنين، وهو "السنة والصحابة والسلف الصالح" الظاهر بوضوح في موقعها zubaidah tallab foundation في الإنترنت، وهو بالإنجليزية فقط.أبعد منطقة مأهولة في شمال العالموللدكتور قستي خبرة ببناء المساجد في بيئات صعبة، ففي 2007 بنى "مسجد ثومبسون" في مانيتوبا، وبعده في 2010 بنى "مسجد شمس منتصف الليل" في مدينة اسمها "إينوفيك" لا تبعد أكثر من 200 كيلومتر عن الدائرة القطبية، وهي أيضاً شبه معزولة في الشمال الكندي، وسكانها بالكاد 3700 نسمة، بينهم 80 مسلماً، ممن معظمهم عرب، فحقق حلمهم وبناه لهم بنصف مليون دولار، جمعها من تبرعات عرب في المدينة، كما ساهم آخرون في كندا بالتبرع، ومنهم سيدة سعودية تحفّظ على ذكر اسمها بناءً على طلبها، وساهمت وحدها بأكثر من 190 ألفاً من الدولارات.وسيكون المسجد الذي لم يختاروا اسمه بعد وينتهي بناؤه الذي سيتكلف 750 ألف دولار بمساحة 343 متراً مربعاً في ديسمبر المقبل، ثاني أبعد مسجد في شمال القارة الأميركية بعد "مسجد شمس منتصف الليل" وهو سيسع 104 مصلين من الرجال والنساء، وسيحتوي بطابقيه على مركز اجتماعي في أرض مساحتها 777 متراً مربعاً، وتم شراؤها العام الماضي بمبلغ 100 ألف دولار، وكلها من أموال التبرع من داخل كندا فقط.وذكر الدكتور قستي أن 65% من مواد البناء تم شحنها في صيف 2012 بالسفن إلى مدينة "ايكالويت"، والباقي سيتم شحنه على متن سفينة في أغسطس المقبل، حيث سيبدأ البناء "حين تصلنا الموافقة على الخرائط والتصميم من السلطات بعد شهر"، شارحاً أنه سيكون أول مسجد في كل ولاية "نونافوت" الموصوفة بأبعد منطقة مأهولة في شمال العالم، والتي لا يوجد فيها إلا مسلم واحد من سكانها الاسكيمو، واسمه جيرّي.أول مسلم ومسلمة من الاسكيموويتحدث قستي عن Jerry الذي لا يعرف اسم عائلته ولا يملك صورته، فيقول إنه يعمل رجل إطفاء في "ايكالويت" التي يعني اسمها "السمك الكثير" بلغة الاسكيمو، واعتنق الإسلام حين كان عمره 26 قبل عامين. وجيرّي هو أول اسكيمو مسلم من الرجال، إلا أن أسكيمويات سبقنه إلى الدين الحنيف "كن في حدود 6 نساء تزوجن من مسلمين عرب وغير عرب، وانتقلن مع أزواجهن بعدها إلى مدن أخرى في كندا" كما قال.وأول مسلم عرفته ولاية "نونافوت" هو صدقات علي "كان عمره 36 حين وصل في 1990 كموظف بالحكومة الكندية، ثم أصبح رجل أعمال وبنى 20 بيتاً. أما أول عربي فكان فلسطينياً اسمه عمر، وتزوج امرأة من الاسكيمو هاجرت معه إلى ألمانيا، وتبعه الجزائري يوسف بوشا، وبعده وصل قبل 7 سنوات من مدينة مونتريال السوداني سيد زين، ثم جاء آخرون حتى أصبح العرب فيها 30 من السودان وليبيا والأردن والصومال"، وفق تعبيره.ويعمل جميع العرب في "ايكالويت" المعروفة بغلاء المعيشة فيها، سائقون لسيارات التاكسي "إلا واحد موظف حكومي، وآخر فتح محلاً سماه Shawarma Palace قرب المطار" بحسب ما ذكر الدكتور قستي مع "العربية.نت"، مضيفاً أن أول امرأة من الاسكيمو اعتنقت الإسلام قبل 5 سنوات "لزواجها من عربي اسمه إبراهيم حميوي، وهو سائق تاكسي أيضاً، وهاجر إلى "ايكالويت" بعمر 25 قبل 7 أعوام" ثم أنهى وقال: "نحن نصنع التاريخ الإسلامي في كندا".