رسالة وصلتني بالأمس على أنها «دعابة» هدفها إضحاك الناس، لكن التمعن فيها يقودك لاستيعاب واقع مؤسف أصبحنا نعايشه بشكل يومي، وفي مختلف الأمكنة والمواقع.

الجملة في الرسالة تقول: «إن لم تستطع إسعاد نفسك، فعكر مزاج الآخرين، لا تقعد فاضي»!!

للوهلة الأولى قد تضحك، وتعلق كما قمت شخصياً بالتعليق بكونها من «أشنع النصائح»، لأن الحديث الشريف عن رسولنا الكريم صلوات الله عليه يفيد بأن «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، لكن بالتمعن أكثر في المقصد، تكتشف بأن الجملة تضع توصيفاً دقيقاً لممارسة سيئة تحولت وكأنها «مهنة» يحترفها البعض.

اليوم بالفعل لدينا بين ظهرانينا من مهنته تعكير صفو حياتك وحياة غيرك، تجد نوعيات تشبه «الطفيليات» تحاول التدخل فيما لا يعنيها، خاصة الأمور الشخصية من حياة الأفراد. تجد ممارسات غريبة وتصرفات أغرب، ونقلاً للكلام، وخوضاً في سير البشر، والحديث قد يصل لداخل بيوتهم.

هذا النوع أعلاه، صنف متقدم في ممتهني تعكير أمزجة الناس، لأنهم لا يعكرون مزاج من يستهدفونهم فقط، بل العملية أخطر من ذلك بكثير، هؤلاء بما يمارسونه قد يقلبون حياة أفراد رأساً على عقب، قد يهدمون بيوتاً أهلها هانئون بإشاعات وأكاذيب، قد ينهون مسيرة عملية ناجحة هنا، أو يشوهون صورة أفراد محترمين هناك.

النوع الأخطر هؤلاء، لأن مساعيهم خبيثة، وتجد حين تحلل شخصياتهم مزيجاً من عقد النقص، والحقد على الآخرين سواء في نجاحهم المهني، أو وضعهم الاجتماعي، وحتى تصل لمدى قبولهم الكبير في المجتمع، إذ هناك من يكره من يحبهم الناس ويحترمونهم، فيكون شغله الشاغل تشويه صورته الجميلة في عيون الناس.

لكن الصنف الذي نتحدث عنه بالتحديد، وهم ممتهنو مهنة تعكير مزاج الآخرين، قد لا يكونون أصحاب أجندات خبيثة، أو مرضى نفسيين أو أصحاب عقد، بل قد يكونون أشخاصاً عاديين ولربما قريبين جدا منك، لكن لديهم اهتمامات غير صحية، لديهم أساليب في «الطحن» و«الحنه» كما نسميها باللغة الدارجة دلالة على كثرة الإلحاح الذي يوصلك لمرحلة بودك أن تفقد حاسة السمع.

كم شخصاً يمر عليك في يومك، صديق كان أو زميل، وتكون في مزاج جيد، الحياة جميلة، والدنيا وردية، فيحيل نهارك ليلاً بأحاديثه وتساؤلاته التي تتجاوز الخطوط الحمراء الشخصية، أو في «عقرته» و«حشه» للناس؟!

كثيرون يمرون علينا بشكل يومي، بعضهم قد يكونون قريبين لنا جداً، لكنهم عنصر سلبي في حياتنا، لا يساعدونك على تعزيز الإيجابية، لكن يزرعون فيك الإحباط، ويفرضون عليك رؤية المجتمع والناس بسوداوية، ولربما يكون ما يقولون فيه شيء من الصحة، لكن الطريقة والأسلوب يعكر صفوك ويقصفه قصفاً.

هل البعض يفعلها متعمداً؟! هذا سؤال مهم، والقناعة هنا بأن «لا»، إذ للأسف البعض تصدر عنه بأسلوب عفوي، سببه عدم وعيه لما يقوم به، إذ تحول لديه الحديث عن الآخرين وخصوصياتهم وكأنه يقرأ نشرة أخبار عامة في إحدى نشرات البث المباشر، تحول لديه أسلوب الإلحاح و«الحنه» لأسلوب حياة بدونه لا يعيش مرتاحاً.

لكن النوع الأخطر هو من يقوم بذلك وهو يعي ما يقوم به، هؤلاء هم من يسعدون لرؤية الناس تعيش في هم وقلق وحزن، يزعجهم إن رأوا الناس سعداء فرحين ينظرون للحياة بإيجابية.

هذه الأصناف يجب الابتعاد عنها وقطع الصلة بها، أو أقلها صم الآذان عنها، إن كان إلغاؤها من حياتكم صعباً.

الخلاصة بأن انتبهوا ممن مهمتهم «تعكير مزاجكم»، بالتالي تعكير صحو حياتكم، وعيشوا بدونهم في سلام وراحة وهناء.