هذا الإنسان الذي طوع الكون وسخره. والذي لم يترك فيه شبراً إلا كشفه. لا فرق عنده بين قاع البحر وجوف السماء، فكلها له ممهدة. هذا الإنسان حتى وإن طوى الجبال والفضاء بين يده.. سيبقى متعلقاً بالغيب، جاهلاً لما لم يمتد إليه بصره.
ما هو الغيب الذي أرهق البشرية ؟ إنه أصل كل شيء، بداية تشكل كل مكتمل، المنشأ... والشرارة الأولى التي انبعث منها كل الخلق. فكل شيء في الكون استوى على حاله، ثم أتى الإنسان متأخراً ومتربعاً على ما وجد. واختلف أحفاد الإنسان الأول في تفسير البدايات، ثم اختلفوا في تفسير المآلات. ولكنهم، جميعاً، اتفقوا على تحويل الكون إلى ممتلكات.
شقي الإنسان في هذا الكون شقاء دهره. أحياناً كان سبب الشقاء ناجماً عن قسوة الكون من طبيعة وطقس وحيوات متعددة وأمراض مباغتة وفتاكة تهدد الإنسان. وتارة كان الشقاء نابعاً من طموح الإنسان الذي أرهق نفسه في السيطرة على الأرض والبحار والسماء. ومع هذا لم تبخل الخليقة كلها في إسعاد الإنسان، فقدمت له كل ما تجود به من نفائس وعجائب وغرائب. ودانت له كثيراً وأذعنت له غالباً ولم تعانده إلا قليلاً، وكان نهاية كل عناد من الطبيعة، غلبة من البشرية وبسطة وهيمنة.
ولكن السيطرة المذهلة التي أطبق بها الإنسان على الكون بقيت ناقصة وعاجزة أمام جهله للبداية والمآلات. وأمام القوة الخفية في الكون التي تهب فجأة فتفسد عليه كل ما أنجز، والتي تنقلب أحياناً على ترتيباته فتفسد عليه مخططاته. والتي تتمنع عليه أحياناً فتحرمه من بعض ما يبغي ويطلب. لذلك بقي الإنسان معلقاً بفكرة «الرب/ الإله». ومدركاً لسلطته العليا على الكون والبشر. فظهرت الأديان وتعددت الأرباب وبقي الوجدان الديني واحداً عند كل البشر.
لا فرق بين كل الأديان في تعبيرها عن عجز الإنسان وقلة اكتماله وحاجته للعناية الإلهية. لا فرق بينها في مد جسر الحب الطفولي بين الروح وخالقها، وفتح معابر الاعتراف البشري للخالق عن الضعف والحاجة والخطيئة والتوبة. التجربة الدينية عند البشر هي، في حقيقتها، تجربة فردية تتعثر روحانيتها بالدنيوية عندما يجري تأطيرها في قوانين الجماعة. وليس معيباً أو سوء أدب أن تشتد الحالة الدينية «الفردية» عند الحاجة والضعف والعجز والخوف. فالقدرة الإلهية هي التي أغدقت على البشرية، وهي التي ضربت مساحات شاسعة من الوهن وقلة الحيلة أمام الإنسان كي لا يفقد طريقه إلى الله. وكي لا يكتفي بنفسه.
هذا لا يعني أن الأديان تعبير عن الضعف والعجز، لا... على العكس تماماً... بل هي تعبير عن الوعي والاتزان. وعن فهم أعمق لهذا الكون الذي تتجاوز علاقاته القوانين التي نعرفها والمنطق الذي ندركه، إلى قوانين خاصة لن يتمكن البشر من فكها وضبطها، ولكن عليهم أن يدركوا وجودها ويتلاءموا معها في تفاعلهم مع الكون. والتدين بصفته طاقة عابرة للطبيعة هو قوة روحانية تمكنت من الصمود أمام كل المنجزات البشرية، وأمام كل مغريات الإلحاد والتشكيك والتشتيت. فجاءت مواسم العبادات استراحة زمنية للاستغراق في الدين وتأمله، ولهذا فإن لدينا في الإسلام شهراً مقدساً تتركز فيه العبادات والروحانيات أكثر من غيره.
كل ما يقال في فضائل شهر رمضان لا يعادله في الفضل أنه شهر مقدس، وإن الله اختصه بالقداسة لتقريب خلقه منه. ولإعادة شحن الطاقة الروحانية التي تعيد اتزان المسلمين مع هذا الكون، وتقوي إنسانيتهم وتواصلهم مع أرواحهم أولاً، ثم مع محيطهم ثانياً. فالحاجة للروحانيات هي فطرة لم تفقدها البشرية في رحلتها الطويلة مع التطور. والحاجة للاكتمال مع الخالق ومع الكون هي رغبة، أحد تفسيراتها، بأن الإنسان ليس إلا مخلوقاً بين سائر المخلوقات، حتى وإن تميز وحده في الكون بقدراته وعقله. غير أنه يبقى مخلوقاً للخالق وجزءاً من هذا الكون، وليس كوناً في حدا ذاته.
وكل رمضان وأنتم لله أقرب، وأرواحكم عنده تتجدد.
ما هو الغيب الذي أرهق البشرية ؟ إنه أصل كل شيء، بداية تشكل كل مكتمل، المنشأ... والشرارة الأولى التي انبعث منها كل الخلق. فكل شيء في الكون استوى على حاله، ثم أتى الإنسان متأخراً ومتربعاً على ما وجد. واختلف أحفاد الإنسان الأول في تفسير البدايات، ثم اختلفوا في تفسير المآلات. ولكنهم، جميعاً، اتفقوا على تحويل الكون إلى ممتلكات.
شقي الإنسان في هذا الكون شقاء دهره. أحياناً كان سبب الشقاء ناجماً عن قسوة الكون من طبيعة وطقس وحيوات متعددة وأمراض مباغتة وفتاكة تهدد الإنسان. وتارة كان الشقاء نابعاً من طموح الإنسان الذي أرهق نفسه في السيطرة على الأرض والبحار والسماء. ومع هذا لم تبخل الخليقة كلها في إسعاد الإنسان، فقدمت له كل ما تجود به من نفائس وعجائب وغرائب. ودانت له كثيراً وأذعنت له غالباً ولم تعانده إلا قليلاً، وكان نهاية كل عناد من الطبيعة، غلبة من البشرية وبسطة وهيمنة.
ولكن السيطرة المذهلة التي أطبق بها الإنسان على الكون بقيت ناقصة وعاجزة أمام جهله للبداية والمآلات. وأمام القوة الخفية في الكون التي تهب فجأة فتفسد عليه كل ما أنجز، والتي تنقلب أحياناً على ترتيباته فتفسد عليه مخططاته. والتي تتمنع عليه أحياناً فتحرمه من بعض ما يبغي ويطلب. لذلك بقي الإنسان معلقاً بفكرة «الرب/ الإله». ومدركاً لسلطته العليا على الكون والبشر. فظهرت الأديان وتعددت الأرباب وبقي الوجدان الديني واحداً عند كل البشر.
لا فرق بين كل الأديان في تعبيرها عن عجز الإنسان وقلة اكتماله وحاجته للعناية الإلهية. لا فرق بينها في مد جسر الحب الطفولي بين الروح وخالقها، وفتح معابر الاعتراف البشري للخالق عن الضعف والحاجة والخطيئة والتوبة. التجربة الدينية عند البشر هي، في حقيقتها، تجربة فردية تتعثر روحانيتها بالدنيوية عندما يجري تأطيرها في قوانين الجماعة. وليس معيباً أو سوء أدب أن تشتد الحالة الدينية «الفردية» عند الحاجة والضعف والعجز والخوف. فالقدرة الإلهية هي التي أغدقت على البشرية، وهي التي ضربت مساحات شاسعة من الوهن وقلة الحيلة أمام الإنسان كي لا يفقد طريقه إلى الله. وكي لا يكتفي بنفسه.
هذا لا يعني أن الأديان تعبير عن الضعف والعجز، لا... على العكس تماماً... بل هي تعبير عن الوعي والاتزان. وعن فهم أعمق لهذا الكون الذي تتجاوز علاقاته القوانين التي نعرفها والمنطق الذي ندركه، إلى قوانين خاصة لن يتمكن البشر من فكها وضبطها، ولكن عليهم أن يدركوا وجودها ويتلاءموا معها في تفاعلهم مع الكون. والتدين بصفته طاقة عابرة للطبيعة هو قوة روحانية تمكنت من الصمود أمام كل المنجزات البشرية، وأمام كل مغريات الإلحاد والتشكيك والتشتيت. فجاءت مواسم العبادات استراحة زمنية للاستغراق في الدين وتأمله، ولهذا فإن لدينا في الإسلام شهراً مقدساً تتركز فيه العبادات والروحانيات أكثر من غيره.
كل ما يقال في فضائل شهر رمضان لا يعادله في الفضل أنه شهر مقدس، وإن الله اختصه بالقداسة لتقريب خلقه منه. ولإعادة شحن الطاقة الروحانية التي تعيد اتزان المسلمين مع هذا الكون، وتقوي إنسانيتهم وتواصلهم مع أرواحهم أولاً، ثم مع محيطهم ثانياً. فالحاجة للروحانيات هي فطرة لم تفقدها البشرية في رحلتها الطويلة مع التطور. والحاجة للاكتمال مع الخالق ومع الكون هي رغبة، أحد تفسيراتها، بأن الإنسان ليس إلا مخلوقاً بين سائر المخلوقات، حتى وإن تميز وحده في الكون بقدراته وعقله. غير أنه يبقى مخلوقاً للخالق وجزءاً من هذا الكون، وليس كوناً في حدا ذاته.
وكل رمضان وأنتم لله أقرب، وأرواحكم عنده تتجدد.