في مجال عملنا.. يقال إن «الصحافة ما تأكل عيش»، لكني أرى البعض يأكل «خيشة» عيش كاملة في لقمة واحدة بملعقة من الذهب المرصع بالأحجار الكريمة، فهل أكل البعض «عيش» البعض الآخر؟ أم أن لأكل العيش في الصحافة والثقافة أدوات أخرى غير تلك التي تعلمناها في الجامعات عن المهنية والمصداقية والموضوعية في الطرح وخصوصاً عند التعبير عن الرأي؟!! وهل يمكن أن نختزل النخب الثقافية والصحافيين في فئتي «ناس عايشة وناس مش لاقية»؟!! وهل على جميع المثقفين أن يختاروا «العيش» لأن الثقافة والنزاهة والموضوعية «تأكل هوا»؟!! ما سبق.. ليس أسئلتي وحدي، بل أسئلة كثيرين في العالم العربي من الصحافيين أو من الجمهور، ذلك الجمهور الذي بات يستوعب اللعبة جيداً، بل وأصبح يعلمها بدوره لـ»المهنيين» من الصحافيين الذين أغمضت المهنية أعينهم عن بريق ما وراء المهنية، ما يستلزم تخطيها أحياناً للولوج إلى العالم الآخر حيث تجد الحياة مشرعة الأبواب، وحيث «السابقين السابقين» ممن «لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»..!!
عن الحياة نتحدث، حيث يتجرد المثقف والصحافي من الواقع، ومن تلمس جراح المواطن أو الشعوب، ويعيش في مخمليته ينظر لجمهوره بنصف عين، ويتملق صاحب الكرامات، في ازدواجية غريبة تعتري شخصيته بين التضخم والتقزم، ومن طاووس بريش منفوش إلى «قط» مدلل يلعق وجه صاحبه بانتظار المزيد..!! ما يجعل المثقف يتجاوز إدراك حقيقة حاجته للعامة من الناس الذين صنعوا منه نخبة، فلولاهم لما مارس سلطته النخبوية تلك، ولما كان «شيئاً مذكوراً»، الأمر الذي يمارسه عليه أيضاً من هو أعلى منه «صاحب القط»..!! فهل يمكن أن نسمي ذلك بـ»التراتبية الجماهيرية» أو «سلم الجماهير» الذي يضع الصحافي -أو المثقف القريب من عالم الإعلام- مرة في خانة التابع وأخرى في خانة المتبوع، مرة في خانة السيد وأخرى في خانة العبد؟!! بينما يبقى النزف الثقافي قيد الجرح والوجع، تعلق كثير من الأسئلة ليسعفها الذكاء الجماهيري، ويجيب عن قليل منها مقال «المثقف ليس إطفائياً» المنشور في أفق «الفكر العربي»، ليوغل «محمد حلمي» إصبعه في الجرح ويزيده إيلاماً دموياً، لأختلج منه النبض.
* اختلاج النبض:
يحكى أن الأمير بشير الشهابي قال لخادمه يوماً: «إن نفسي تشتهي أكلة باذنجان. فقال الخادم: الباذنجان، بارك الله في الباذنجان، هو سيد المأكولات؛ لحم بلا شحم، سمك بلا حسك، يؤكل مقلياً، ويؤكل مشوياً، ويؤكل محشياً، ويؤكل مخللاً، ويؤكل مكدوساً. فقال الأمير: ولكني أكلت منه قبل أيام فنالني منه ألم في معدتي. فقال الخادم: الباذنجان؟! لعنة الله على الباذنجان! إنه ثقيل، غليظ، نفاخ، أسود الوجه!! فقال الأمير الشهابي: بل ويحك أنت! تمدح الشيء وتذمه في وقت واحد؟! فقال الخادم: يا مولاي، أنا خادم الأمير ولست خادماً للباذنجان! إذا قال الأمير: نعم، قلت له: نعم، وإذا قال: لا، قلت له: لا». ما أكثر المثقفين الباذنجانيين في أيامنا هذه!!
عن الحياة نتحدث، حيث يتجرد المثقف والصحافي من الواقع، ومن تلمس جراح المواطن أو الشعوب، ويعيش في مخمليته ينظر لجمهوره بنصف عين، ويتملق صاحب الكرامات، في ازدواجية غريبة تعتري شخصيته بين التضخم والتقزم، ومن طاووس بريش منفوش إلى «قط» مدلل يلعق وجه صاحبه بانتظار المزيد..!! ما يجعل المثقف يتجاوز إدراك حقيقة حاجته للعامة من الناس الذين صنعوا منه نخبة، فلولاهم لما مارس سلطته النخبوية تلك، ولما كان «شيئاً مذكوراً»، الأمر الذي يمارسه عليه أيضاً من هو أعلى منه «صاحب القط»..!! فهل يمكن أن نسمي ذلك بـ»التراتبية الجماهيرية» أو «سلم الجماهير» الذي يضع الصحافي -أو المثقف القريب من عالم الإعلام- مرة في خانة التابع وأخرى في خانة المتبوع، مرة في خانة السيد وأخرى في خانة العبد؟!! بينما يبقى النزف الثقافي قيد الجرح والوجع، تعلق كثير من الأسئلة ليسعفها الذكاء الجماهيري، ويجيب عن قليل منها مقال «المثقف ليس إطفائياً» المنشور في أفق «الفكر العربي»، ليوغل «محمد حلمي» إصبعه في الجرح ويزيده إيلاماً دموياً، لأختلج منه النبض.
* اختلاج النبض:
يحكى أن الأمير بشير الشهابي قال لخادمه يوماً: «إن نفسي تشتهي أكلة باذنجان. فقال الخادم: الباذنجان، بارك الله في الباذنجان، هو سيد المأكولات؛ لحم بلا شحم، سمك بلا حسك، يؤكل مقلياً، ويؤكل مشوياً، ويؤكل محشياً، ويؤكل مخللاً، ويؤكل مكدوساً. فقال الأمير: ولكني أكلت منه قبل أيام فنالني منه ألم في معدتي. فقال الخادم: الباذنجان؟! لعنة الله على الباذنجان! إنه ثقيل، غليظ، نفاخ، أسود الوجه!! فقال الأمير الشهابي: بل ويحك أنت! تمدح الشيء وتذمه في وقت واحد؟! فقال الخادم: يا مولاي، أنا خادم الأمير ولست خادماً للباذنجان! إذا قال الأمير: نعم، قلت له: نعم، وإذا قال: لا، قلت له: لا». ما أكثر المثقفين الباذنجانيين في أيامنا هذه!!