الرأي

لماذا نضع الآخرين في قفص الاتهام؟!

غريب أمر البعض، يعتبر اكتشاف أخطاء وهفوات الآخرين اكتشافاً عظيماً، ويصنف نفسه مع الأذكياء اللماحين القادرين على الرصد والانتباه لكل صغيرة وكبيرة، ظناً منهم أن من الذكاء ألا يفوتك شاردة ولا واردة فينصب نفسه رقيباً عتيداً على تصرفات الآخرين وينسى أن يراقب تصرفات أهم إنسان بالنسبة له، ينسى أن يراقب تصرفاته هو ويراقب نفسه ويرصد أخطاءه فهذا النوع من البشر الذين يرصدون أخطاء غيرهم دائماً يظنون أنفسهم منزهين عن الخطأ، فرصد أخطاء الغير، نوع من حماية الذات من النقد، ذلك داء عند بعضنا لكن دواء هذا الداء سهل للغاية، وهو التحلي بحسن الظن والبعد عن سوء الظن فعلينا أن نفسر تصرفات بعضنا البعض تفسيراً إيجابياً وأن نظن فيهم خيراً، لأن سوء الظن يثير البغض بيننا، ويضرب المسافات بين الأحبة، وقد يقطع الأرحام، فنسأل الله في هذا الشهر الكريم أن يهذب أنفسنا ويجعلنا ممن يحسنون الظن بالناس لما فيه من راحة للقلب، وسلامة للصدر ويجعل الحياة أكثر سعادة، «فلئن تحسن الظن وتخطئ، خير من أن تسيء الظن وتصيب».

إن الإسلام دين يدعو إلى حسن الظن بالناس والابتعاد كل البعد عن سوء الظن بهم، لأن سرائر الناس ودواخلهم لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وحده فقط، قال تعالى: «يا أَيها الذِينَ آمنوا اجتنبوا كثيرًا منَ الظنِّ إِنَّ بعضَ الظنِّ إِثمٌ»، فسوء الظن هو أول منافذ الشيطان التي ينفذ منها إلى قلوب العباد فيفسدها ويوقع البغضاء والفرقة بين أصحابها مما يجعل الشخص يلصق التهم بدون دليل والتخوين للأهل والأقارب في غير محله، فسوء الظن خصلة من أشنع الصفات، التي تؤدي إلى الفرقة بين العوائل، وتمزق المجتمعات مما يؤدي إلى زوال الثقة بين أفراد المجتمع، وعندما تزول الثقة، فإن عملية التعاون والتكاتف ستكون صعبة للغاية، ومع زوال التعاون والتكاتف في المجتمع فسوف تتسم تعاملاتهم بالريبة والتشكيك والتآمر ضد الآخر فيصبح المجتمع هشاً سهل الانكسار، فأكثر ما يبتلى به أفراد المجتمع على مر العصور هو سوء الظن ببعضهم البعض، حتى أن شجرة علاقاتهم الاجتماعية تذبل، وجذورها تقطع، وأوراقها تتساقط، فتتداعى وتفنى.

وعلينا أن ننتهز شهر رمضان لندرب أنفسنا على حسن الظن والابتعاد عن سوء الظن بالآخرين ولنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة وهذا ما كان يلقنه النبي - صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، يروي البخاري أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن امرأتي ولدت غلاماً أسودَ، فقال - صلى الله عليه وسلم - هل لك من إبل؟ قال نعم، قال، فما ألوانها قال، حمر، قال، هل فيها من أوراق، أي سود، قال نعم، قال، فأنى أتاها ذلك، قال عسى أن يكون نزعة عرق، قال فكذلك ابنك عسى أن يكون نزعة عرق». ولذا يجب علينا أن ندرب أنفسنا على حسن الظن ليكون صفة سائدة فينا ومن الأسباب التي تعين المسلم على حُسن الظن بالمسلم تجنب الحكم على النيات حيث إن النوايا لا يعلم حقيقتها إلا الله، وأن يحمل المسلم ما يسمعه من الكلام الصادر عن أي شخص على أحسن المحامل وأفضلها فلا يعتقد أو يظن في كلام الآخرين شراً ولا ينظر إلى أقوالهم وتصرفاتهم نظرة ريبة وشك، كما يجب التماس الأعذار للآخرين خصوصاً الأقارب والأصدقاء والمعارف، قال ابن سيرين رحمه الله: «إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد فقل: لعل له عذراً لا أعرفه»، وأخيراً يجب تذكير النفس دائماً بمساوئ سوء الظن.

ما أحوجنا هذه الأيام إلى الأخذ بحسن الظن فنحن نواجه مشكلة أصبحت شبه سائدة في المجتمع وهي سوء الظن بالآخرين وبات تأثيرها واضحا فينبغي على كل شخص مسلم عاقل أن يتغلب على هذه الآفة التي أصابت المجتمع وينظر إلى الآخرين نظرة إيجابية، ولو جال في خاطره تصور خاطئ على شخص فيجب أن يقف عنده ولا يبني عليه مواقف أخرى قد تضر بهذا الشخص أو تسيء إليه، فذاك إثم وظلم نهى عنه ديننا الحنيف، وترفضه النفس السوية حتى نحيا في مجتمع متعاون ومتكامل وقوي ودمتم أبناء قومي سالمين.