من منطلق حرص وزارة شؤون الإعلام بمملكة البحرين على بث البرامج التوعوية عبر أثير الإذاعة.. وأثناء استماعي للبرنامج الأسبوعي الشبابي بموسمه الثالث «مجالس الشباب» حيث أنني من متابعي مثل هذه البرامج الإذاعية الهادفة.. لفت انتباهي موضوع حلقة البرنامج حيث كان عن التطرّف الفكري.. هذا الموضوع العميق الذي يحتل واجهة اهتمام المجتمعات المحلية والعربية والدولية وتناول في هذه الحلقة ظاهرة مؤلمة وخطرة بطريقة غير تقليدية اعتمدت أسلوب الحوار بين المتحدثين والضيوف والذي أحسن معدو البرنامج في اختيارهما وهما سعادة الدكتور الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة وكيل وزارة الخارجية للعلاقات الدولية.. وسعادة العميد محمد بن دينه المدير العام للإدارة العامة للإعلام والثقافة الأمنية بوزارة الداخلية.. بالإضافة إلى ممثلين للجهات المختصة والمجتمعية، وجمهور مستمع ومتفاعل من فئة الشباب لإبداء الرأي ووجهات النظر.
ماهو التطرّف الفكري؟ والى أين وصل اليوم؟ وكيف نعالجه من حيث تنشئة الأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسات الثقافية والإعلامية؟
التطرّف يعني الخروج عن القيم والمعايير والعادات الشائعة في المجتمع، وتبنّي قيماً ومعايير مخالفة لها، وهو الظاهرة المرتبطة بالظروف السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية.. وهو ليس وليد المرحلة بل هو موجود في كل الأزمنة ولدى كل الشعوب والأديان والطوائف والأحزاب وفِي كل المجتمعات.. وربما يختلف أحياناً من مجتمع لآخر.. وأحياناً داخل المجتمع الواحد وفقاً للقيم والثقافة والعادات، ومدى انسجامه معها.. إلى الدرجة التي يصعب فيها تشخيصه بصورة واضحة أو تحديد إطار له.. نظراً لصعوبة السيطرة في هذا العصر على الأفكار والقناعات وإعادة توجيهها.. فمن خلال هذه الثورة التكنولوجية الرقمية بات للجميع القدرة على التأثير والتأثير المضاد.
وأيمّا يكن الأمر، فثمة تطرف فكري في الساحة العربية الراهنة لا بد من الاعتراف به اعترافاً مسؤولاً.. والذي أصبح من أكثر القضايا إثارة للجدل والاهتمام من قبل النخب الفكرية.. فنمو ظاهرة التطرف وانتقالها إلى أطوار وأشكال جديدة يدعو إلى قراءة أكثر عمقاً وبعيداً عن التبسيط، حيث يمكن للتطرف أن يؤثر تأثيراً مباشراً في العديد من مجالات الحياة. فالتطرف يحتوي على أشكال وألوان عدة، إلى جانب أنه يزداد خطراً حين ينتقل من طور الفكر والتصور النظري، إلى طور الممارسة والتطرف السلوكي، وفرض الفكر والرأي بالقوة.. والذي يعبر عنه بأشكال مادية من أعمال قتل وتفجيرات واستخدام لوسائل العنف المادي المختلفة بشكل فردي أو جماعي وهو أحد أشكال الإرهاب المنظم.
ومن هنا يأتي دور معالجة هذا النوع من التطرّف الفكري الذي يبدأ من تربية الأسرة، فرياض الأطفال، فالمدرسة، فالجامعة.. بالإضافة إلى الإنتاج الثقافي والإعلامي ومدى فعاليته في معالجة تلك الظاهرة. وكلما اتجهت المعالجات اتجاهاً أفقياً أصبحت النتائج أكثر جدوى وفائدة، فالفرد يكتسب أداء الأدوار منذ صغره وعبر التنشئة والتربية الاجتماعية، ومن خلال التعلم أو من القدوة التي يؤمن بها والمثل العليا التي يتشرب بأفكارها، أو من البيئة التي تحيط به.. فالتربية التي ينالها الفرد من والديه كفيلة لحصانة فكره وعقله، بشرط أن لا ينسى الأبوان أداء أدوارهم في مراقبة تصرفات الأبناء وصداقاتهم واتصالاتهم.. وكيفية استخدامهم لجميع وسائل التكنولوجيا.. والتركيز في أن التربية لم تعد الْيَوْمَ تلقائية بل أصبح للأبوين تخطيط جيد لها.
ثم يأتي دور المؤسسات التربوية كرياض الأطفال والمدارس والجامعات، حيث تعتبر التربية والتعليم من أهم مداخل الإصلاح الفكري بنشر العلم باعتبارها رافعة لتنمية الموارد البشرية وتكوينها.. ومن هنا فإن على المؤسسات التربوية مسؤولية تنشئة الأجيال على مفاهيم الاعتدال، نظرياً وعملياً في نفوس وعقول الأبناء.. والتركيز على التحذير من التطرّف الفكري والنهوض بالمشاريع الوطنية وتوعية الأبناء من خطر الجماعات المتطرفة وضرورة دعوة الطلاب إلى الحفاظ على أمن الوطن ومقدّراته ومكتسباته.
ومن ثم يأتي دور وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية الذي يجب من خلاله الحرص على خلق إعلام رشيد يستطيع توظيف كافة الإمكانيات والوسائل المتاحة لديه من صحافة وإعلام مرئي ومسموع.. والاستعانة بالشخصيات الاجتماعية العامة المعروفة مثل الفنانين والرياضيين وغيرهم في أن يكونوا رسائل إيجابية موجهة بشكل ذكي ومدروس إلى كافة شرائح المجتمع، لما لهذه الشخصيات من تأثير كبير ومباشر في نفوس المتلقين.. على أن تستمر مثل هذه الإسهامات ولا يكتفى بها لفترة محدودة.. بل يجب أن تتنوع في كل فترة كي لا يشعر متلقوها بالملل من كثرة تكرارها بنفس الصورة دون تغيير.
لم يعد التطرف قضية أمنية يتم معالجتها بالحزم والقوة والوسائل الأمنية المتبعة في مثل هذه الحالات.. فالكثير من هذه المعالجات الأمنية التي نراها في العديد من الدول - وإن كانت صائبة في بعض الأوقات - لكنها على المدى البعيد لا تحقق الهدف الأكبر وهو تحقيق الأمن الفكري الذي يحمي المجتمع من هذا الخطر الدائم المحيط به.
إن تحقيق الأمن الفكري في نظري يأتي عبر تكاتف كافة مؤسسات المجتمع الرسمي والمدني بمختلف مجالاتها وتخصصاتها.. عبر استراتيجية يشترك في تحديدها وصياغة مضمونها مجموعة من المختصين في المجالات السياسية والاجتماعية والتربوية والثقافية والمعتدلين من رجال الدين الأفاضل الذين يمتلكون التأثير الاجتماعي الواسع والمقبول اجتماعياً.. وفق رؤية يتم تدارسها والتخطيط لها بشكل واع ومنظم يتناسب مع ضخامة هذه القضية الشائكة.. كي تلتقي كل هذه الأفكار والاقتراحات وتتحول الى حزمة من المشاريع والبرامج.
إن البرنامج الذي استمعت إليه في الإذاعة اعتبره شخصياً بداية موفقة لطرح الموضوع عبر وسائل الإعلام الرسمي.. ولكن حبذا لو تم توسيع قاعدة المتحدثين والمشاركين فيه وذلك بتكرار مثل هذه الموضوع مستقبلاً عن طريق إشراك شرائح مجتمعية أخرى مثل التربويين والاجتماعيين وأولياء الأمور وخلق حالة دائمة من العصف الفكري الذي يغذي ذاكرة المشتغلين على إعداد الاستراتيجية التي اقترحتها بأفكار ومقترحات وتصورات من واقع عملي لهذه الشرائح المجتمعية.. وهذا سوف يكون العمود الفقري لتحقيق الأمن الفكري والاجتماعي المنشود ضد التطرف بكافة أشكاله.. وزيادة سبل التنمية والتطور من خلال إشراك الشباب وتفعيل دورهم المجتمعي وتحصينهم ضد التطرف الفكري كي يكونوا خط الدفاع الأول.. فهم أكثر الفئات الاجتماعية عرضة لهذا الخطر.
ماهو التطرّف الفكري؟ والى أين وصل اليوم؟ وكيف نعالجه من حيث تنشئة الأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسات الثقافية والإعلامية؟
التطرّف يعني الخروج عن القيم والمعايير والعادات الشائعة في المجتمع، وتبنّي قيماً ومعايير مخالفة لها، وهو الظاهرة المرتبطة بالظروف السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية.. وهو ليس وليد المرحلة بل هو موجود في كل الأزمنة ولدى كل الشعوب والأديان والطوائف والأحزاب وفِي كل المجتمعات.. وربما يختلف أحياناً من مجتمع لآخر.. وأحياناً داخل المجتمع الواحد وفقاً للقيم والثقافة والعادات، ومدى انسجامه معها.. إلى الدرجة التي يصعب فيها تشخيصه بصورة واضحة أو تحديد إطار له.. نظراً لصعوبة السيطرة في هذا العصر على الأفكار والقناعات وإعادة توجيهها.. فمن خلال هذه الثورة التكنولوجية الرقمية بات للجميع القدرة على التأثير والتأثير المضاد.
وأيمّا يكن الأمر، فثمة تطرف فكري في الساحة العربية الراهنة لا بد من الاعتراف به اعترافاً مسؤولاً.. والذي أصبح من أكثر القضايا إثارة للجدل والاهتمام من قبل النخب الفكرية.. فنمو ظاهرة التطرف وانتقالها إلى أطوار وأشكال جديدة يدعو إلى قراءة أكثر عمقاً وبعيداً عن التبسيط، حيث يمكن للتطرف أن يؤثر تأثيراً مباشراً في العديد من مجالات الحياة. فالتطرف يحتوي على أشكال وألوان عدة، إلى جانب أنه يزداد خطراً حين ينتقل من طور الفكر والتصور النظري، إلى طور الممارسة والتطرف السلوكي، وفرض الفكر والرأي بالقوة.. والذي يعبر عنه بأشكال مادية من أعمال قتل وتفجيرات واستخدام لوسائل العنف المادي المختلفة بشكل فردي أو جماعي وهو أحد أشكال الإرهاب المنظم.
ومن هنا يأتي دور معالجة هذا النوع من التطرّف الفكري الذي يبدأ من تربية الأسرة، فرياض الأطفال، فالمدرسة، فالجامعة.. بالإضافة إلى الإنتاج الثقافي والإعلامي ومدى فعاليته في معالجة تلك الظاهرة. وكلما اتجهت المعالجات اتجاهاً أفقياً أصبحت النتائج أكثر جدوى وفائدة، فالفرد يكتسب أداء الأدوار منذ صغره وعبر التنشئة والتربية الاجتماعية، ومن خلال التعلم أو من القدوة التي يؤمن بها والمثل العليا التي يتشرب بأفكارها، أو من البيئة التي تحيط به.. فالتربية التي ينالها الفرد من والديه كفيلة لحصانة فكره وعقله، بشرط أن لا ينسى الأبوان أداء أدوارهم في مراقبة تصرفات الأبناء وصداقاتهم واتصالاتهم.. وكيفية استخدامهم لجميع وسائل التكنولوجيا.. والتركيز في أن التربية لم تعد الْيَوْمَ تلقائية بل أصبح للأبوين تخطيط جيد لها.
ثم يأتي دور المؤسسات التربوية كرياض الأطفال والمدارس والجامعات، حيث تعتبر التربية والتعليم من أهم مداخل الإصلاح الفكري بنشر العلم باعتبارها رافعة لتنمية الموارد البشرية وتكوينها.. ومن هنا فإن على المؤسسات التربوية مسؤولية تنشئة الأجيال على مفاهيم الاعتدال، نظرياً وعملياً في نفوس وعقول الأبناء.. والتركيز على التحذير من التطرّف الفكري والنهوض بالمشاريع الوطنية وتوعية الأبناء من خطر الجماعات المتطرفة وضرورة دعوة الطلاب إلى الحفاظ على أمن الوطن ومقدّراته ومكتسباته.
ومن ثم يأتي دور وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية الذي يجب من خلاله الحرص على خلق إعلام رشيد يستطيع توظيف كافة الإمكانيات والوسائل المتاحة لديه من صحافة وإعلام مرئي ومسموع.. والاستعانة بالشخصيات الاجتماعية العامة المعروفة مثل الفنانين والرياضيين وغيرهم في أن يكونوا رسائل إيجابية موجهة بشكل ذكي ومدروس إلى كافة شرائح المجتمع، لما لهذه الشخصيات من تأثير كبير ومباشر في نفوس المتلقين.. على أن تستمر مثل هذه الإسهامات ولا يكتفى بها لفترة محدودة.. بل يجب أن تتنوع في كل فترة كي لا يشعر متلقوها بالملل من كثرة تكرارها بنفس الصورة دون تغيير.
لم يعد التطرف قضية أمنية يتم معالجتها بالحزم والقوة والوسائل الأمنية المتبعة في مثل هذه الحالات.. فالكثير من هذه المعالجات الأمنية التي نراها في العديد من الدول - وإن كانت صائبة في بعض الأوقات - لكنها على المدى البعيد لا تحقق الهدف الأكبر وهو تحقيق الأمن الفكري الذي يحمي المجتمع من هذا الخطر الدائم المحيط به.
إن تحقيق الأمن الفكري في نظري يأتي عبر تكاتف كافة مؤسسات المجتمع الرسمي والمدني بمختلف مجالاتها وتخصصاتها.. عبر استراتيجية يشترك في تحديدها وصياغة مضمونها مجموعة من المختصين في المجالات السياسية والاجتماعية والتربوية والثقافية والمعتدلين من رجال الدين الأفاضل الذين يمتلكون التأثير الاجتماعي الواسع والمقبول اجتماعياً.. وفق رؤية يتم تدارسها والتخطيط لها بشكل واع ومنظم يتناسب مع ضخامة هذه القضية الشائكة.. كي تلتقي كل هذه الأفكار والاقتراحات وتتحول الى حزمة من المشاريع والبرامج.
إن البرنامج الذي استمعت إليه في الإذاعة اعتبره شخصياً بداية موفقة لطرح الموضوع عبر وسائل الإعلام الرسمي.. ولكن حبذا لو تم توسيع قاعدة المتحدثين والمشاركين فيه وذلك بتكرار مثل هذه الموضوع مستقبلاً عن طريق إشراك شرائح مجتمعية أخرى مثل التربويين والاجتماعيين وأولياء الأمور وخلق حالة دائمة من العصف الفكري الذي يغذي ذاكرة المشتغلين على إعداد الاستراتيجية التي اقترحتها بأفكار ومقترحات وتصورات من واقع عملي لهذه الشرائح المجتمعية.. وهذا سوف يكون العمود الفقري لتحقيق الأمن الفكري والاجتماعي المنشود ضد التطرف بكافة أشكاله.. وزيادة سبل التنمية والتطور من خلال إشراك الشباب وتفعيل دورهم المجتمعي وتحصينهم ضد التطرف الفكري كي يكونوا خط الدفاع الأول.. فهم أكثر الفئات الاجتماعية عرضة لهذا الخطر.