تعتبر المخدرات آفة المجتمع، وظاهرة بالغة الخطورة على بنية المجتمعات من الجوانب الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، وتهدد الصغار والكبار بآثارها الكارثية، تبدأ بفقدان الوعي وتنتهي بوفاة الإنسان؛ وترجع أسباب انتشارها إلى عدة عوامل متعلقة بالفرد نفسه أو الأسرة أو البنية المجتمعية المحيطة به، وتستهدف الفئة الأكثر في المجتمع وهي فئة الشباب.
وقد تنوعت المخدرات وفقا للتطور الحاصل في المجتمعات وعلى أثر ذلك تقتسم لنوعين الأول يعتبر مخدرات في حالته الطبيعية ويتم إدخال تعديلات طفيفة عليه من الأصل النباتي، مثل القنب الهندي والأفيون ومشتقاته والكوكايين والنيكوتين والقات كذلك، والآخر مخدرات صناعية ذات طبيعة تركيبية يتم تصنيعها في المختبرات والمعامل وتكون على شكل سوائل أو حبوب.
وعلى مستوى الاحصائيات العالمية فقد ذكر تقرير الأمم المتحدة لعام 2017، الصادر عن UNODC والمتخصص في رصد صورة الوضع العالمي للمخدرات وأثارها، أن عدد الوفيات على الصعيد العالمي من وراء هذه الظاهرة قارب 190000 حالة وفاة مبكرة يرجع أغلبها لاستعمال المؤثرات الأفيونية، وبين أن 12 مليون شخص يتعاطون المخدرات بالحقن مقسمين إلى 1.6 مليون من متعاطي المخدرات بالحقن مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية، و 6.1 ملايين من متعاطي المخدرات مصابون بالتهاب الكبد من النوع c، و1.3 مليون من متعاطي المخدرات مصابون بالتهاب الكبد من النوع c وفيروس نقص المناعة البشرية معا، ويتطرق التقرير في أجزائه لتأثير المخدرات والضرر الناجم عن تعاطي المخدرات على التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتنمية المستدامة.
فلا يسعنا في هذا المقال الحديث بشكل معمق عن آثار المخدرات السيئة والكارثية على كافة المستويات، التي تمتد من الفرد إلى الأسرة ومن ثم للمجتمع، وبدوره سينعكس بشكل سلبي على الاقتصاد لأنها تحد من قدرة الفرد على الانتاج والتنمية، وتهدد القيم المجتمعية السائدة فيها وتحولها إلى مجتمع مفكك سهل القضاء عليه من قبل أعداءها. لذلك يمكن القول أن ظاهرة المخدرات لا تؤثر على الفرد المدمن فقط بل تنزح أثاره إلى أسرته ومجتمعه، فلو افترضنا أن ظاهرة المخدرات استفحلت في المدارس وبين التلاميذ في مستويات الإعدادي والثانوي فمن الطبيعي أن يدمر جيل كامل، أما لو كان أحد الزوجين مدمنا فسنلاحظ التفكك الأسري المؤدي إلى الطلاق، مما يسمح الفضول بباقي الأسرة إلى تعاطيهم، لسهولة التأثير على الأطفال وتأثرهم بآبائهم وقدوتهم رب العائلة.
لذلك تعمل الدول على القضاء على هذه الظاهرة بكل السبل القانونية الدولية منها والوطنية للحد منها ومواجهة آثارها الكارثية المجتمعية والإنسانية والاقتصادية.
وعلى مستوى الآثار الصحية للمخدرات، فقد تؤدي المخدرات إلى إصابة خلايا المخ بالضمور والتقلص واضطرابات في القلب، ويحد من قدرة الفرد على التفكير والتحكم بإرادته إلى جانب الأعراض الأخرى كالنحافة والهزل وضعف التفكير والنظر وتلف الجهاز الهضمي والضعف الجسماني، واضطراب الإدراك الحسي، وينقص المناعة مما يجعل جسم الإنسان قابل لكثير من الأمراض التي تؤثر على أجهزة الجسم الأخرى خاصة الجهاز العصبي، والجهاز التنفسي والكبد، التي تدفع المدمن إلى القيام بأفعال لا يقبلها المجتمع ويجرمها القانون، كما أن الجرعات التي تعطى عن طريق الإبر من شخص لآخر تؤدي إلى نقل مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) وبدوره يؤدي للوفاة.
وفي إطار مكافحة هذه الظاهرة اتخذت مملكة البحرين عدة آليات قانونية، إذ أصدرت المملكة الإستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في يونيو 2015، بتوجيه من وزير الداخلية وأنشأت اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، وثبت نجاح الاستراتيجية الوطنية المتبعة التى بنيت على إحصائيات والتي تقوم على عدة محاور لمحاربة ظاهرة المخدرات والحد من آثارها المجتمعية على وجه الخصوص.
وقد تولت وزارة الداخلية مهمة محاربة هذه الظاهرة من خلال انتهاج طرق وأساليب توعوية تدريبية لتوعية الرأي العام والمجتمع بأسباب وآثار المخدرات لتثقيفهم بالمخاطر المحدقة بالمجتمع ككل في حال انتشرت هذه الظاهرة في المجتمع البحريني، كذلك فإن وزارة الداخلية عززت جهودها لمحاربة هذه الظاهره من خلال تدريب رجال الشرطة لكيفية مكافحة المخدرات إلكترونيا، وانواع المخدرات الجديدة المصنفة عالميا ونوع المواد الكيماوية المصنعة منها لمعرفة كيفية محاربتها وكشفها، ولمواكبة تطورات العصابات التي تعمل على انتشارها في المجتمع. ووفقا لإحصائيات إدارة مكافحة المخدرات من خلال المواد التي يتم ضبطها يتبين بأن مادة الحشيش في الصدارة بين فئة الشباب في مملكة البحرين تليها مادة الهروين علما بأن ادمانها يعد من أخطر أنواع الإدمان ولها أضرار كبيرة، ويعود ذلك الى قرب الدول المنتجة لهذه الآفة، أما في الفترة الأخيرة انتشرت مادة الميثامفيتامين (الشبو) والتي أصبحت تضاهي مادة الحشيش والهيروين من ناحية تعاطيها وبيعها. ويستهدف مروجو المخدرات في الغالب الفئة العمرية الأقل سناً من فئات المجتمع وفقا لسجلات إدارة مكافحة المخدرات خلال العام 2015 ما بين 15-21 سنة تقريبا . وفي النهاية يجب تضافر الجهود الدولية والوطنية من أجل الحد من هذه الظاهر بالتنسيق والتشبيك مع كافة المؤسسات الدولية منها والأهلية،ومن جميع الجوانب سواء القانونية منها والإعلامية والمؤسساتية ببناء الخطط للتواصل مع هذه الفئات وتقديم يد العون والمساعدة بشتى السبل والوسائل المتاحة، وذلك بتوجيه من القيادة الحكيمة.