السجن بكسر السين، هو المكان الذي يسجن فيه الإنسان ومنه قوله تعالى (قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) [سورة يوسف: 33]. وقد يجيء السَّجن بالفتح على المصدر يقال سجنه يسجنه سجناً، أي حبسه.

فيمكن تعريف السجن باعتباره مكانا للعقوبة فيُعرَف بأنه مكان معدٌّ لحبس المجرمين والمتهمين والمحجوزين لمصلحة معتبرة. أما السجين فهو جزء من المجتمع، وإنما عزله عنه موقف معين تحركت فيه كوامن النفس الأمارة بالسوء ودفعته إلى فعل سيئ من الأفعال فاستحق بناء على ذلك عقوبة السجن، وقد يكون السجن لأسباب أخرى غير الإقدام على فعل شيء فقضايا الحياة ومشكلاتها كثيرة وجوانب الاختلاف فيها والخصومة متعددة.

وعلى الرغم من أن من أهم خصائص العقوبة في الشريعة الإسلامية (وفي القوانين الوضعية) أنها شخصية أي لا تتعدى إلى سوى من صدرت بحقه انطلقا من القاعدة الشرعية "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، إلا أن تعدي عقوبة السجن ومساوئها لتمتد إلى أسرة السجين ومجتمعه.بل وإلى الدولة التي ينتمي إليها، فبذلك تكون العقوبة هنا متعدية حتماً وهي آثار نفسية ومجتمعية واقتصادية وسوف نتعرض إليها بالتفصيل في إضاءاتنا اليوم.

فمن جانب الآثار النفسية، فإن عقوبة السجن في كثير من الحالات تؤدي إلى إصابة النزيل ببعض الاعتلالات النفسية الناتجة عن عجزة عن التكيف مع بيئة السجن وكثرة تفكيره سواء في مصير قضيته وما ينتظره من حكم أم في مصير أسرته عقب سجنه أم في مستقبله الوظيفي ومكانته الاجتماعية بعد خروجه مما يوقعه في دائرة القلق والوسواس التي قد تتحول إلى اكتئاب يتطور في بعض حالاته إلى رغبة في إلحاق الأذى بالنفس أو الانتحار كما يصاب بعضهم بما يعرف "بالعدوانية" التي تنتج في الغالب في شعوره بالغبن الذي قد يفسره هو أنه ظلم.

وتظهر آثار تلك العدوانية في تعامله مع زملائه ومع القائمين على أمره في السجن وقد يحمله معه إلى الأسرة والمجتمع بعد الإفراج عنه. وقد لا يقتصر الأمر على الصحة النفسية فهناك آثار قد تظهر على الصحة البدنية وخاصة تلك الناشئة عن قلة الحركة وعدم حرق الدهون أو قلة التعرض للشمس.

وتختلف درجة التأثر نفسياً بظروف السجن والسجين وموقف ذويه ومعارفه، ولا يخفى أنه كلما زاد إيمان الشخص بالقضاء والقدر وحسن ظنه في الله وقوي أمله بالفرج كان الأثر النفسي أقل وطأة أو معدوماً.

كما تعاني أسرة السجين نفسياً أثناء غياب أحد أفرادها كسجين نتيجة انطوائهم وانعزالهم عن محيطهم تخوفاً من تعرضهم للوصم أو التحقير، ومنهم بالأخص الدارسين حيث يمكن أن يقلَّ عطاؤهم بل قد يخفقون دراسياً.

وتمتد الآثار النفسية إلى المجتمع والدولة فالأفراد هم مكونات الأسرة والأسر هي مكونات المجتمع، فكلما كان هناك أفراد أو أسر غير أسوياء من الناحية النفسية، فإن المجتمع وبالتالي الدولة يتأثران من جراء ذلك سواء أمن تبعات تصرفات أولئك الأفراد والأسر أم من الأعباء المالية لعلاجهم.

وبالتطرق إلى الآثار الاجتماعية للسجن فهناك عبارة تقول "السجن مقبرة للأحياء، شماتة للأعداء، به يعرف الأصفياء" إذا كان الجزء الأول من هذه العبارة قد اضمحل أو كاد في بعض البلاد، حيث تحول السجن فيه إلى دار إصلاح وتأهيل بل ويعمل فيها السجين ويكتسب من داخل سجنه، إضافة إلى تواصله مع أسرته من خلال الزيارات.

إلا أن الجزأين الآخرين من العبارة مازالا قائمين. فمازال السجن في مجتمعنا شماتة للأعداء وبه يعرف الأصفياء، لكن الكثير من أصدقاء السجين ومعارفه يقطعون صلتهم به حتى بعد الإفراج عنه.

كما يمتد الرفض إلى المجتمع نتيجة عدم تقبله للمفرج عنه مما يجعله يعاني ممَّا يعرف (بصدمة الإفراج). إضافة إلى عدم قدرته على التكيف مع ما حدث في المجتمع من متغيرات على كافة الأصعدة من عمرانية أو اقتصادية أو غيرهما، وما طرأ على ملامح معارفه وملامحه هو من تغيرات قد يشعره أنه غريب عن هذا المجتمع، يتحول كل ذلك إلى إحباط قد يؤدي إلى نقمة على المجتمع، وهذا ما يسهل عودته إلى السلوك غير السوي.

وهذا يستوجب تضافر الجهود لإعادة النظر في "السجون"ولاحتواء المفرج عنهم والحيلولة دون عودتهم إلى السلوك السيئ. إن أهم الآثار الاجتماعية لعقوبة السجن على الأسرة إذا كان السجين هو الأب، هو غياب الضابط الاجتماعي المتمثل في السلطة الأبوية مما قد يؤدي إلى جعل أفراد هذه الأسرة فريسة سهلة لعوامل الانحراف. كما تعاني الأسرة من الرفض المجتمعي وربما الأسري كالعزوف عن زيارتهم أو عدم دعوتهم للمناسبات العامة بل ربما تجنب الزواج منهم.

والمجتمع ما هو إلا الأفراد والأسر، إن تأثير هذه المكونات ينعكس على المجتمع بشكل عام. كما أن المجتمع يتأثر أمنياً من جراء كثرة العائدين إلى ارتكاب الجريمة نتيجة رفضهم اجتماعياً أو من جراء تحول المشكلة من بسيطة إلى مركبة بتفريخ منحرفين جدد (من أفراد أسر السجناء). وأخيراً وبالحديث عن الآثار الاقتصادية فقد يحدث في أغلب الحالات أن ينقطع مصدر دخل السجين بسبب إيداعه السجن أو ينخفض عن معدله السابق في أحسن الحالات.

هذا الأثر غالباً ما يمتد إلى ما بعد الإفراج حيث يخرج السجين وهو يحمل ما يعرف بالسابقة الجنائية التي تمنعه من الالتحاق بالوظائف لفترة تطول أو تقصر. كما أسلفنا فإن انقطاع دخل العائل ينعكس بشكل مباشر على أسرته ويحولهم إلى متلقين للمساعدة.. وهذا ينعكس على نفسياتهم وربما على سلوكهم. ولا تسل عمَّا يتوقع من وراء ذلك من اضطراب أسري.

إن وجود الآلاف من أفراد المجتمع في السجون فيه تعطيل لقدرات أيدٍ عاملة وعقول مفكرة كان يمكن أن تساهم في بناء وتنمية الوطن. وقد يكون البديل عنهم استقدام عمالة وافدة مع ما يترتب على وجودهم في البلاد من آثار اقتصادية واجتماعية وأمنية كان المجتمع في غنى عنها. كما أن السجين يُعدُّ عالة على الخزينة العامة للدولة بما ينفق على رعايته وتأهيله، ويمتد هذا الأثر إلى الأسرة حيث تشكل عبئاً مالياً على مؤسسات حكومية وخيرية.

وفي ختام ذكر هذه الآثار السيئة لعقوبة السجن على السجين والأسرة والمجتمع والدولة، نود ذكر أمرين أولهما أن أسوأ مساوئ عقوبة السجن على السجين هو اختلاطه بغيره من ذوي السوابق، المتمرسين في الإجرام، وأنى للسجين أن يكون بذلك وسيلة لإصلاح السجين وتهذيبه وإعادته للمجتمع فرداً خيراً في نفسه نافعاً لغيره. وثانيهما أن تلك الآثار السيئة لعقوبة السجن للفرد لا تشمل كل من أودع السجن بل هي للأغلب والأعم، فهناك من يجعل من سجنه وقتاً مستثمراً يصلح فيه شأنه ويصدق توبته إلى ربه ليعود بالتالي إلى أسرته ومجتمعه فرداً صالحاً.

مكتب المحامي بندر بن شمال الدوسري