الحاجة تكمن اليوم بمجتمعاتنا في إيجاد برامج وأبواب وحملات تعمل على تطوير المهارات الفكرية والتحليلية لدى الناس لننتهي من ظاهرة الإلكتروني الجاهل
- - - - - - - -- - - --
الإلكتروني الجاهل ومجتمع الأقوياء
منى علي المطوع
أحياناً تقع مواقف تكشف لك الكثير مما لم يكن لك ظاهراً ومعروفاً، وأحياناً تجد نفسك تقول فعلاً "رب ضارة نافعة!".
الشائعة المضحكة التي أطلقتها حسابات الفتنة التي تدار من قبل عملاء إيران وقطر منذ عدة أيام، بخصوص موضوع استدعائي إلى جهاز أمن الدولة " الذي تم بالأصل إلغاؤه مطلع عام 2002 مع المشروع الإصلاحي لجلالة الملك واليوم لا يوجد في مملكة البحرين سوى جهاز الأمن الوطني الذي ليس من صلاحياته استدعاء الإعلاميين أو المواطنين"، إلى جانب إشاعة خبر اعتقالي واعترافي بتلقي أوامر والتآمر، وغيرها من أكاذيب، لا تنطلي إلا على أصحاب العقول غير الواعية والتي من الممكن وصفها في هذا الزمن بالـ"الأمي أو الإلكتروني الجاهل!!".
في القرن الماضي كانت المجتمعات تعاني من ظاهرة "الإنسان الأمي"، وهو الإنسان الذي يجهل القراءة والكتابة، ثم طرأت أمام إلزام الدول مواطنيها بضرورة التعليم ظاهرة "الجامعي الأمي أو الجاهل"، وهو ذلك المتعلم الذي لا يجمع بين العلم والثقافة ويحمل شهادات أكاديمية عليا لكنه ضحل فكرياً ومعرفياً ولا يمتلك مهارات الوعي والإدراك وتقييم الأمور والقدرة على وزن القضايا وكل ما يصادفه في هذه الحياة.
اليوم نجد أنفسنا في زمن ظاهرة الإلكتروني الأمي أو الجاهل، وهذا النوع ينقسم إلى عدة أنواع، فهناك الذي لا يعرف التعامل مع أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، أو ذاك الذي يعرف استخدامها لكنه لا يعرف التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج الإلكترونية ومحدود القدرة على استخدامها.
أما المصيبة الكبرى، هو ذاك الإلكتروني الذي يجيد تصفح مواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل معها وإدارتها وخبير في البرامج والمواقع الإلكترونية، لكنه مثل مصيبة الجامعي الجاهل لا يجمع بين العلم والثقافة خاصة ثقافة المواقع التفاعلية و"جوها " ويكون ضحل التفكير لا يعرف كيفية التعامل مع الشائعات التي تبثها هذه المواقع وكيفية معالجة المعلومات التي يحصل عليها والأخبار الواردة إليه والتأكد من صحتها، واستقراؤه للأمور يكون دائماً بشكل سطحي يعكس محدودية الفكر والثقافة وتنقصه الكثير من مهارات الوعي ووزن الأمور، لذا تجد تصدر منه تصرفات تنم عن جهله وتكشف زيف ما يظهره أمام الآخرين من ادعاء الثقافة والمعرفة والوعي وامتلاك الشهادات وخبرة المشاركة في عشرات الدورات والمؤتمرات.
فهناك من يكون أشبه بـ"الببغاء البشري" لا يعرف غير ترديد وإعادة نشر كل ما يصله وتصديقه دون التأكد منه أو حتى فهمه والفطنة وقراءة ما بين السطور أو "حتى تشغيل مخه"، لذا تجده يظهر بشكل لا يحترم فيه عقله ولا نفسه، والمضحك قد تجده حتى ينقل معلومات وأخباراً الطفل الصغير يدرك أنها غير واقعية بالأصل "في فترة التسعينات ظهرت موجة وجود أطباق طائرة ستغزو الكرة الأرضية، فأخذ الناس ينشرون الهلع والخوف فيما بينهم بأن الأرض ستتعرض لغزو من مخلوقات فضائية دون منح أنفسهم فرصة ولو لدقيقة واحدة لتحليل مثل هذه الأخبار الكاذبة والمضحكة!!"، أليست مثل هذه العقليات تجعلنا ندرك أن هناك من يستطيع أن يضحك على عقول الناس ويتلاعب بهم بأمور غير قابلة للتصديق أصلاً؟!
فإن كانت كثير من الدول قد نجحت في إنهاء عصر الأمية والقضاء عليها، فيما اجتهدت دول أخرى في رفع المستوى الثقافي والوعي لدى مواطنيها بما يقارب المستوى الأكاديمي لديهم ويحقق التوازن الفكري والمعرفي، فلعل الحاجة تكمن اليوم بمجتمعاتنا في إيجاد برامج وأبواب وحملات تعمل على تطوير المهارات الفكرية والتحليلية لدى الناس لننتهي من ظاهرة الإلكتروني الجاهل.
إحساس عابر:
الأستاذة الصحافية والأديبة فوزية رشيد علقت على شائعة استدعائي بكلام يحمل الكثير من الحكم فقالت لي: لم يستوقفني سوى أعداء النجاح الذين تمنوا أن يكون الخبر صحيحاً وكأنهم ينتظرون وقوع مكروه لك.. أعداء النجاح هم من أرادوا تشويه سمعتك بإعادة نقل الشائعة لا أعداء وطنك.. هناك من يحب تشويه سمعة الآخرين اعتقاداً منه أنه بذلك سيضمن ألا يعري ضعفه الآخر، كما أن هناك من يرى أن الإنسان الناجح والقوي يشكل مصدر تهديد له قد يكشف أنه وصل إلى مواقع لا يستحقها ويظهر أمام الناس بصورة مزيفة! مشكلتنا أننا في دولة صغيرة المساحة الكل مشغول بمطالعة الآخر، وهناك حسد غريب يجعل البعض يمارس تصرفات غير متزنة رغبة في إيذاء الآخر، والعديد من الناس للأسف يحارب الناجح والمؤثر، وهناك ثقافة عدم حب العيش في مجتمع الأقوياء إنما يحب أن يكون قوياً بين الضعفاء ويعتقد أن نجاحه مرهون بتحطيم القوي وتشويه من بنى سمعة طيبة له عند الناس فالعين ضيقة جداً، فيما دول مجاورة لنا تتخذ منهجية مجتمع الأقوياء بمعنى أن يكون الناجح والقوي متواجداً في بيئة جميع من فيها أقوياء حتى يكونوا جميعاً قوة ويداً واحدة يرتقي فيها كل واحد منهم بالآخر ويدعمه!
صدقتِ أستاذتي العزيزة. وأضيف عليك، نحتاج كما يقال إلى قلوب ناظرة وعقول نيرة، وهناك فرق كبير بين السامع والسميع والمبصر والبصير.
- - - - - - - -- - - --
الإلكتروني الجاهل ومجتمع الأقوياء
منى علي المطوع
أحياناً تقع مواقف تكشف لك الكثير مما لم يكن لك ظاهراً ومعروفاً، وأحياناً تجد نفسك تقول فعلاً "رب ضارة نافعة!".
الشائعة المضحكة التي أطلقتها حسابات الفتنة التي تدار من قبل عملاء إيران وقطر منذ عدة أيام، بخصوص موضوع استدعائي إلى جهاز أمن الدولة " الذي تم بالأصل إلغاؤه مطلع عام 2002 مع المشروع الإصلاحي لجلالة الملك واليوم لا يوجد في مملكة البحرين سوى جهاز الأمن الوطني الذي ليس من صلاحياته استدعاء الإعلاميين أو المواطنين"، إلى جانب إشاعة خبر اعتقالي واعترافي بتلقي أوامر والتآمر، وغيرها من أكاذيب، لا تنطلي إلا على أصحاب العقول غير الواعية والتي من الممكن وصفها في هذا الزمن بالـ"الأمي أو الإلكتروني الجاهل!!".
في القرن الماضي كانت المجتمعات تعاني من ظاهرة "الإنسان الأمي"، وهو الإنسان الذي يجهل القراءة والكتابة، ثم طرأت أمام إلزام الدول مواطنيها بضرورة التعليم ظاهرة "الجامعي الأمي أو الجاهل"، وهو ذلك المتعلم الذي لا يجمع بين العلم والثقافة ويحمل شهادات أكاديمية عليا لكنه ضحل فكرياً ومعرفياً ولا يمتلك مهارات الوعي والإدراك وتقييم الأمور والقدرة على وزن القضايا وكل ما يصادفه في هذه الحياة.
اليوم نجد أنفسنا في زمن ظاهرة الإلكتروني الأمي أو الجاهل، وهذا النوع ينقسم إلى عدة أنواع، فهناك الذي لا يعرف التعامل مع أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، أو ذاك الذي يعرف استخدامها لكنه لا يعرف التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج الإلكترونية ومحدود القدرة على استخدامها.
أما المصيبة الكبرى، هو ذاك الإلكتروني الذي يجيد تصفح مواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل معها وإدارتها وخبير في البرامج والمواقع الإلكترونية، لكنه مثل مصيبة الجامعي الجاهل لا يجمع بين العلم والثقافة خاصة ثقافة المواقع التفاعلية و"جوها " ويكون ضحل التفكير لا يعرف كيفية التعامل مع الشائعات التي تبثها هذه المواقع وكيفية معالجة المعلومات التي يحصل عليها والأخبار الواردة إليه والتأكد من صحتها، واستقراؤه للأمور يكون دائماً بشكل سطحي يعكس محدودية الفكر والثقافة وتنقصه الكثير من مهارات الوعي ووزن الأمور، لذا تجد تصدر منه تصرفات تنم عن جهله وتكشف زيف ما يظهره أمام الآخرين من ادعاء الثقافة والمعرفة والوعي وامتلاك الشهادات وخبرة المشاركة في عشرات الدورات والمؤتمرات.
فهناك من يكون أشبه بـ"الببغاء البشري" لا يعرف غير ترديد وإعادة نشر كل ما يصله وتصديقه دون التأكد منه أو حتى فهمه والفطنة وقراءة ما بين السطور أو "حتى تشغيل مخه"، لذا تجده يظهر بشكل لا يحترم فيه عقله ولا نفسه، والمضحك قد تجده حتى ينقل معلومات وأخباراً الطفل الصغير يدرك أنها غير واقعية بالأصل "في فترة التسعينات ظهرت موجة وجود أطباق طائرة ستغزو الكرة الأرضية، فأخذ الناس ينشرون الهلع والخوف فيما بينهم بأن الأرض ستتعرض لغزو من مخلوقات فضائية دون منح أنفسهم فرصة ولو لدقيقة واحدة لتحليل مثل هذه الأخبار الكاذبة والمضحكة!!"، أليست مثل هذه العقليات تجعلنا ندرك أن هناك من يستطيع أن يضحك على عقول الناس ويتلاعب بهم بأمور غير قابلة للتصديق أصلاً؟!
فإن كانت كثير من الدول قد نجحت في إنهاء عصر الأمية والقضاء عليها، فيما اجتهدت دول أخرى في رفع المستوى الثقافي والوعي لدى مواطنيها بما يقارب المستوى الأكاديمي لديهم ويحقق التوازن الفكري والمعرفي، فلعل الحاجة تكمن اليوم بمجتمعاتنا في إيجاد برامج وأبواب وحملات تعمل على تطوير المهارات الفكرية والتحليلية لدى الناس لننتهي من ظاهرة الإلكتروني الجاهل.
إحساس عابر:
الأستاذة الصحافية والأديبة فوزية رشيد علقت على شائعة استدعائي بكلام يحمل الكثير من الحكم فقالت لي: لم يستوقفني سوى أعداء النجاح الذين تمنوا أن يكون الخبر صحيحاً وكأنهم ينتظرون وقوع مكروه لك.. أعداء النجاح هم من أرادوا تشويه سمعتك بإعادة نقل الشائعة لا أعداء وطنك.. هناك من يحب تشويه سمعة الآخرين اعتقاداً منه أنه بذلك سيضمن ألا يعري ضعفه الآخر، كما أن هناك من يرى أن الإنسان الناجح والقوي يشكل مصدر تهديد له قد يكشف أنه وصل إلى مواقع لا يستحقها ويظهر أمام الناس بصورة مزيفة! مشكلتنا أننا في دولة صغيرة المساحة الكل مشغول بمطالعة الآخر، وهناك حسد غريب يجعل البعض يمارس تصرفات غير متزنة رغبة في إيذاء الآخر، والعديد من الناس للأسف يحارب الناجح والمؤثر، وهناك ثقافة عدم حب العيش في مجتمع الأقوياء إنما يحب أن يكون قوياً بين الضعفاء ويعتقد أن نجاحه مرهون بتحطيم القوي وتشويه من بنى سمعة طيبة له عند الناس فالعين ضيقة جداً، فيما دول مجاورة لنا تتخذ منهجية مجتمع الأقوياء بمعنى أن يكون الناجح والقوي متواجداً في بيئة جميع من فيها أقوياء حتى يكونوا جميعاً قوة ويداً واحدة يرتقي فيها كل واحد منهم بالآخر ويدعمه!
صدقتِ أستاذتي العزيزة. وأضيف عليك، نحتاج كما يقال إلى قلوب ناظرة وعقول نيرة، وهناك فرق كبير بين السامع والسميع والمبصر والبصير.