إذا ما أرادت الدول أن تنهض باقتصادها وتحقق مستوى معيشياً لائقاً لمواطنيها فعليها بالاستثمار الأمثل وهو الاستثمار البشري
- - - - - - - - - -- - - - - -- - - - -- - - - - - - --
الإبداع في عصر التنافسية
مثلما حدث في مونديال 2018 كأس العالم لكرة القدم المقامة في روسيا حالياً من نتائج عجيبة حيث خرجت كبار فرق كرة القدم من الدورين الأول والثاني مثل ألمانيا والبرازيل والأرجنتين وصعد الصغار، هكذا عالم اليوم في مجال التقدم والحضارة، فأمم ما كانت تعرف على الخريطة الجغرافية للعالم مثل سنغافورة وتايلند وكوريا الجنوبية لقد كانت من أفقر بلدان العالم، وها هي اليوم من أكبر بلدان العالم تقدماً، لا يقوم اقتصادها على الموارد الطبيعية ولا على المال بل على مواهب شعبها ومهاراتهم ومعارفهم، إنه عصر التنافسية حيث ليس بالمال ولا الموارد الطبيعية وحدها تتقدم الأمم ولكن بالتصميم والإرادة والعزيمة وبرأس المال البشري، حيث إن التكنولوجيا والصناعات والدخل المرتفع للبلدان لم توجد عقول البشر ولكن العكس أن المواهب الإنسانية وعقول المبدعين هي التي صنعت التكنولوجيا والصناعات المختلفة، فلا نضع العجلة قبل الحصان ولن يخسر المبدعون والموهوبون شيئاً إذا ما تم تهميشهم وعدم رعايتهم، ولكن الدول هي التي ستخسرهم وينهار اقتصادها، فهؤلاء لهم من الدول التي تستقطبهم وتقدرهم وهجرة العقول ظاهرة تزداد انتشاراً في العالم وتدل على ذلك.
ولذا إذا ما أرادت الدول أن تنهض باقتصادها وتحقق مستوى معيشياً لائقاً لمواطنيها فعليها بالاستثمار الأمثل وهو الاستثمار البشري، وهو الذي يتم في إبداع البشر مثل الاختراع والابتكار لأنه هو الذي يساهم في تقدم البشرية ويفتح مجالات عمل جديدة أمام البشر، ولذا فإن مؤسسات العمل والشركات مطالبة اليوم بتحفيز الإبداع في أماكن العمل، حيث إن الشركات الكبرى في العالم فتحت لها أقساماً في الإبداع وتم توظيف متخصصين في الإبداع والابتكار. ولكن لنتساءل كيف يتم الإبداع الذي يتم في بيئات العمل وما هي متطلباته؟
الإبداع ليس شخصاً مبدعاً، فكل إنسان خلقة الله مبدعاً ولكنه يشترط وجود البيئة الإبداعية في معناها الواسع، وكما يقول ألكسندرو روشكا في كتابة "الإبداع العام والخاص" إن البيئة الإبداعية تعني الوسط المباشر، والتأثيرات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية والتربوية هي التي تحفز على الإبداع. وقد أظهرت كثير من الدراسات مثلاً أن الأسلوب الذي يتبعه القائد في محيط العمل هو جزء مهم من مؤثرات هذه البيئة الإبداعية والذي يتمثل في الأسلوب المعتدل للقائد تجاه الأفراد في المؤسسة والذي يقوم على التشجيع والتحفيز للفرد في محيط العمل وإيجاد الظروف المناسبة لتطوير الاهتمامات والاستعدادات في مجال النشاط المختلفة بما يمكن أن يسهم في تطوير الإنتاج في المؤسسة. كما قامت الباحثة الأمريكية "أمبل" في جامعة ستانفورد بينية بدراسة العوامل التي تؤثر على الإبداع لدى العاملين في بيئة العمل، وجاءت نتائج دراساتها لتؤكد دور مبدأ "الدافعية الذاتية" أي أن الأفراد يكونون في أحسن حالات الإنتاج لديهم عندما يشعرون بالدافعية الذاتية ومبعثها الاهتمام الشخصي ويشعرون أن العمل الإبداعي في أي مجال هو متعة ورغبة داخلية قبل أن يكون شيئاً مفروضاً من الخارج على المبدع، ويعمل على إشباع حاجة نفسية لديهم أو شعورهم بالتحدي إزاء عمل ما، ولكن إنتاجهم يقل إذا كان المصدر خارجياً. إن المدير المبدع يعي ويقدر العوامل اللازمة لإيجاد بيئة إبداعية، بالإضافة إلى كونه يتمتع بصفات الشخص المبدع فهو يقوم باتباع أسلوب إداري يعكس ويترجم هذه الصفات في عمله.
وهنا أتوقف لأقول إن التركيز على الجوائز والمكافآت لأعمال المبدعين ليس هو الطريق الوحيد لنمو الإبداع. إن الإبداع له جانب داخلي في الشخص المبدع، كثير من المبدعين أنجزوا كثيراً من الأعمال العظيمة ولم يكافؤوا على هذه الأعمال في وقتها، إنما تم تقدير أعمالهم وحصلوا على الشهرة في مجتمعاتهم بعد وفاتهم. وهذه حقيقة تؤكدها كثير من الشواهد مثلاً أن عمالقة الإبداع في الأدب والفن والعلم مثل الروائي الإنجليزي شكسبير، والفنان بيكاسو وجاليليو في العلم لم يقدروا من قبل مجتمعاتهم في فترة نضوجهم الإبداعي، ولم يكونوا حتى معروفين، ولكن ذلك لم يمنعهم من مواصلة عملهم الإبداعي، وإنتاج أكبر أعمالهم الإبداعية. إن الجوائز والمكافآت لم تخلق مبدعاً واحداً في يوم ما.
إن الأفكار الجديدة تنعكس على العمل وجودته، ولكن ما يحبط المبتكرين هو أن أعمالهم ترفض لعدم تقبل الآخرين لها ولأن هناك أناساً يرفضون التجديد ويتمسكون بطريقة واحدة في العمل، لم لا وهناك علماء رفضت أعمالهم في البداية وبعدها تم التأكد من قيمتها.
ومن أمثلة ذلك الكثير حيث في الثاني والعشرين من يونيو عام 1960 أرسل محررو "Physical Review Letters" إلى المهندس والفيزيائي الأمريكي Theodore Maiman مخترع أول أجهزة الليزر العمليّة والقابلة للاستخدام على الإطلاق، رفضاً يقولون فيه إنّ الناشر لم يعد مهتماً بالنصوص المتكررة حول تكنولوجيا المايزر Maser. ساعده إعادة نشر هذه التقرير في دوريّة Nature البريطانية الرائدة بتاريخ السادس من أغسطس 1960 على الحصول على براءة اختراع وتطوير الليزر الياقوتي. أجهزة الليزر منتشرةٌ بكثرة في يومنا الحالي، فحزم الأشعة الضيقة والمُكثّفة هذه تُستعمل في قراءة الأقراص الليزرية وتوجيه الصواريخ وإزالة الخرّاجات وتصير الأنسجة بدقة حتّى في إنتاج الفولاذ.
الخلاصة أننا مطالبون في المؤسسات والشركات باحتضان الأفكار الجديدة للعاملين لأن في ذلك تطوراً للمؤسسة أو الشركة. الأعمال الإبداعية تدرك في أول مرة على أنها تافهة ولكن مع مرور الوقت تعرف قيمتها. لن تتطور الشركة أو المؤسسة إلا بتشجيع العاملين على التجديد ورصد المكافآت للعاملين والمجددين من العاملين.
ما يعيق التقدم أن بعض المسؤولين يريدون البقاء على ما هم عليه من أساليب في العمل وكأنها طقوس تمارس، وهناك من يحب الهيمنة والمركزية في العمل وذلك مما لا يعطي العاملين فرصاً للتجديد. وأصبحت خطط التطوير والتحديث في بعض المؤسسات مجرد حبر على ورق والواقع يناقض ذلك، لذا علينا بالتغيير وتقبّل الجديد ومكافأة المجتهدين في العمل، لأن ذلك في النهاية يصب في مصلحة العمل.
- - - - - - - - - -- - - - - -- - - - -- - - - - - - --
الإبداع في عصر التنافسية
مثلما حدث في مونديال 2018 كأس العالم لكرة القدم المقامة في روسيا حالياً من نتائج عجيبة حيث خرجت كبار فرق كرة القدم من الدورين الأول والثاني مثل ألمانيا والبرازيل والأرجنتين وصعد الصغار، هكذا عالم اليوم في مجال التقدم والحضارة، فأمم ما كانت تعرف على الخريطة الجغرافية للعالم مثل سنغافورة وتايلند وكوريا الجنوبية لقد كانت من أفقر بلدان العالم، وها هي اليوم من أكبر بلدان العالم تقدماً، لا يقوم اقتصادها على الموارد الطبيعية ولا على المال بل على مواهب شعبها ومهاراتهم ومعارفهم، إنه عصر التنافسية حيث ليس بالمال ولا الموارد الطبيعية وحدها تتقدم الأمم ولكن بالتصميم والإرادة والعزيمة وبرأس المال البشري، حيث إن التكنولوجيا والصناعات والدخل المرتفع للبلدان لم توجد عقول البشر ولكن العكس أن المواهب الإنسانية وعقول المبدعين هي التي صنعت التكنولوجيا والصناعات المختلفة، فلا نضع العجلة قبل الحصان ولن يخسر المبدعون والموهوبون شيئاً إذا ما تم تهميشهم وعدم رعايتهم، ولكن الدول هي التي ستخسرهم وينهار اقتصادها، فهؤلاء لهم من الدول التي تستقطبهم وتقدرهم وهجرة العقول ظاهرة تزداد انتشاراً في العالم وتدل على ذلك.
ولذا إذا ما أرادت الدول أن تنهض باقتصادها وتحقق مستوى معيشياً لائقاً لمواطنيها فعليها بالاستثمار الأمثل وهو الاستثمار البشري، وهو الذي يتم في إبداع البشر مثل الاختراع والابتكار لأنه هو الذي يساهم في تقدم البشرية ويفتح مجالات عمل جديدة أمام البشر، ولذا فإن مؤسسات العمل والشركات مطالبة اليوم بتحفيز الإبداع في أماكن العمل، حيث إن الشركات الكبرى في العالم فتحت لها أقساماً في الإبداع وتم توظيف متخصصين في الإبداع والابتكار. ولكن لنتساءل كيف يتم الإبداع الذي يتم في بيئات العمل وما هي متطلباته؟
الإبداع ليس شخصاً مبدعاً، فكل إنسان خلقة الله مبدعاً ولكنه يشترط وجود البيئة الإبداعية في معناها الواسع، وكما يقول ألكسندرو روشكا في كتابة "الإبداع العام والخاص" إن البيئة الإبداعية تعني الوسط المباشر، والتأثيرات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية والتربوية هي التي تحفز على الإبداع. وقد أظهرت كثير من الدراسات مثلاً أن الأسلوب الذي يتبعه القائد في محيط العمل هو جزء مهم من مؤثرات هذه البيئة الإبداعية والذي يتمثل في الأسلوب المعتدل للقائد تجاه الأفراد في المؤسسة والذي يقوم على التشجيع والتحفيز للفرد في محيط العمل وإيجاد الظروف المناسبة لتطوير الاهتمامات والاستعدادات في مجال النشاط المختلفة بما يمكن أن يسهم في تطوير الإنتاج في المؤسسة. كما قامت الباحثة الأمريكية "أمبل" في جامعة ستانفورد بينية بدراسة العوامل التي تؤثر على الإبداع لدى العاملين في بيئة العمل، وجاءت نتائج دراساتها لتؤكد دور مبدأ "الدافعية الذاتية" أي أن الأفراد يكونون في أحسن حالات الإنتاج لديهم عندما يشعرون بالدافعية الذاتية ومبعثها الاهتمام الشخصي ويشعرون أن العمل الإبداعي في أي مجال هو متعة ورغبة داخلية قبل أن يكون شيئاً مفروضاً من الخارج على المبدع، ويعمل على إشباع حاجة نفسية لديهم أو شعورهم بالتحدي إزاء عمل ما، ولكن إنتاجهم يقل إذا كان المصدر خارجياً. إن المدير المبدع يعي ويقدر العوامل اللازمة لإيجاد بيئة إبداعية، بالإضافة إلى كونه يتمتع بصفات الشخص المبدع فهو يقوم باتباع أسلوب إداري يعكس ويترجم هذه الصفات في عمله.
وهنا أتوقف لأقول إن التركيز على الجوائز والمكافآت لأعمال المبدعين ليس هو الطريق الوحيد لنمو الإبداع. إن الإبداع له جانب داخلي في الشخص المبدع، كثير من المبدعين أنجزوا كثيراً من الأعمال العظيمة ولم يكافؤوا على هذه الأعمال في وقتها، إنما تم تقدير أعمالهم وحصلوا على الشهرة في مجتمعاتهم بعد وفاتهم. وهذه حقيقة تؤكدها كثير من الشواهد مثلاً أن عمالقة الإبداع في الأدب والفن والعلم مثل الروائي الإنجليزي شكسبير، والفنان بيكاسو وجاليليو في العلم لم يقدروا من قبل مجتمعاتهم في فترة نضوجهم الإبداعي، ولم يكونوا حتى معروفين، ولكن ذلك لم يمنعهم من مواصلة عملهم الإبداعي، وإنتاج أكبر أعمالهم الإبداعية. إن الجوائز والمكافآت لم تخلق مبدعاً واحداً في يوم ما.
إن الأفكار الجديدة تنعكس على العمل وجودته، ولكن ما يحبط المبتكرين هو أن أعمالهم ترفض لعدم تقبل الآخرين لها ولأن هناك أناساً يرفضون التجديد ويتمسكون بطريقة واحدة في العمل، لم لا وهناك علماء رفضت أعمالهم في البداية وبعدها تم التأكد من قيمتها.
ومن أمثلة ذلك الكثير حيث في الثاني والعشرين من يونيو عام 1960 أرسل محررو "Physical Review Letters" إلى المهندس والفيزيائي الأمريكي Theodore Maiman مخترع أول أجهزة الليزر العمليّة والقابلة للاستخدام على الإطلاق، رفضاً يقولون فيه إنّ الناشر لم يعد مهتماً بالنصوص المتكررة حول تكنولوجيا المايزر Maser. ساعده إعادة نشر هذه التقرير في دوريّة Nature البريطانية الرائدة بتاريخ السادس من أغسطس 1960 على الحصول على براءة اختراع وتطوير الليزر الياقوتي. أجهزة الليزر منتشرةٌ بكثرة في يومنا الحالي، فحزم الأشعة الضيقة والمُكثّفة هذه تُستعمل في قراءة الأقراص الليزرية وتوجيه الصواريخ وإزالة الخرّاجات وتصير الأنسجة بدقة حتّى في إنتاج الفولاذ.
الخلاصة أننا مطالبون في المؤسسات والشركات باحتضان الأفكار الجديدة للعاملين لأن في ذلك تطوراً للمؤسسة أو الشركة. الأعمال الإبداعية تدرك في أول مرة على أنها تافهة ولكن مع مرور الوقت تعرف قيمتها. لن تتطور الشركة أو المؤسسة إلا بتشجيع العاملين على التجديد ورصد المكافآت للعاملين والمجددين من العاملين.
ما يعيق التقدم أن بعض المسؤولين يريدون البقاء على ما هم عليه من أساليب في العمل وكأنها طقوس تمارس، وهناك من يحب الهيمنة والمركزية في العمل وذلك مما لا يعطي العاملين فرصاً للتجديد. وأصبحت خطط التطوير والتحديث في بعض المؤسسات مجرد حبر على ورق والواقع يناقض ذلك، لذا علينا بالتغيير وتقبّل الجديد ومكافأة المجتهدين في العمل، لأن ذلك في النهاية يصب في مصلحة العمل.