خلية عملاء السفارات بالسعودية
خير دليل على الأبعاد الأمنية الخطيرة للقضية
ترك الحبل على الغارب لفتيات يفتقدن الخبرة يؤسس مستقبلاً لخلايا إرهابية جديدة
إشادة من الرأي العام البحريني بالموقف الإنساني لوزير الداخلية لإعادة الفتاة لعائلتها
سد الثغرة القانونية يلزم الأنثى بالمساكنة
مع ولي أمرها ويمنع تفاقم حالات الهروب
جهات مشبوهة تشجع الفتيات
على الهروب وتمرر أفكار تنظيم المظاهرات
الفتاة عندما تهرب تكتشف
أنها وقعت في فخ عصابات ورطتها
السعودية قامت بحزم قانوني
وأمني لضرب دعاة الانحلال الأخلاقي
لعل الله يسر أن يلهم تلك المرأة المكلومة على فلذة كبدها أن تقوم بتسجيل رسالة صوتية على الهاتف تناشد الجهات المعنية بإعادة ابنتها لها وتشرح ما يتم خلف الكواليس بشأن قضية هروب الفتيات اللواتي يبلغن السن القانوني 21 سنة وتتلاعب بعقولهن جماعات لا تخاف الله ولا تتقيه من بين العديد من القصص المشابهة التي يتفطر لها القلب.
تلك الرسالة أثارت ضجة كبيرة عند الرأي العام البحريني، لدرجة أن العديد من أولياء الأمور ذكروا لنا أنهم لم يتمالكوا أنفسهم عن البكاء وهم يستمعون إلى تفاصيل ما لا يخالف الدين الإسلامي فحسب، إنما غريزة الأبوة والأمومة والمنطق والعقل، فالله سبحانه وتعالى لم يشرع في كتابه العزيز إلا ما جاء لينظم حياة البشر كمنهج وقانون دنيوي يحفظ حقوقهم ويدرك فطرة الإنسان ومتطلباته، والدين الإسلامي أقر بأنه لا يمكن أن تعيش الفتاة بدون ولي أمر قال تعالى «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم»، كما قال رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»، فمنطقياً حتى المواطن في أي دولة في العالم الحاكم أو رئيس دولته هو ولي أمره ولا يمكن لأي شيء في هذه الحياة أن يظل بلا تنظيم وأن تترك الأمور بدون ضوابط، فحريتك تقف عندما تتعدى على حريات الآخرين، فما بالك بمن حول ثغرة قانونية في قوانين البحرين إلى تجارة يتكسب منها ويسرق بنات المواطنين من منازلهم لأجل جرجرتهن في دروب الضياع والفساد وتجنيدهن ضد الدولة؟
أي أم أو أب في العالم سيدافع حتى الموت حتى لا يختطف من حضنه أطفاله، تلك فطرة أدركها الإسلام ولها حكمة بليغة، لذا جاء بهذا التشريع السماوي الذي يصون المرأة وكرامتها ويحفظ المجتمع من الانحدار والتفكك، من خلال أن تكون هناك ولاية على المرأة، بل حتى المرأة غير المسلمة عندما تدخل الإسلام يصبح من الواجب أن يكون لها ولي أمر!! ذلك قانون وتشريع سماوي، فهل نحن البشر أكثر دراية وعلماً من الله سبحانه وتعالى مثلاً «أستغفر الله» حتى نجعل للولاية تاريخ انتهاء صلاحية، ونقول عند عمر 21 سنة الفتاة لها حرية السكن والتنقل واختيار حياتها التي تريدها، حتى لو أرادت الانحراف والاتجاه في دروب تتشابه مع من قرر أن يتجه إلى دروب المخدرات والدعارة والإرهاب وولي أمرها ليس له حق في تقويمها وحفظ شرفه؟
قضية هروب الفتيات في مملكة البحرين قضية شائكة ولها عدة أبعاد منها تشريعية، وتربوية، وسلوكية، وأخلاقية، وإعلامية، واقتصادية، وغيرها، ولو كانت وجهة النظر التي تؤكد أن الأمر مقتصر على التربية والبيئة والوالدين، وهما المعنيان بالدرجة الأولى في هذه القضية فقط، فمنطقياً لم الله سبحانه وتعالى طرح هذا التشريع السماوي في القرآن الكريم وأقر به كقانون ونظام حياة ولم يترك مسألة حرية التربية ترجع للوالدين ونظامهما في الحياة ما يحكم مسألة أن تكون البنت بولي أمر من دونه؟
هذا الملف الذي سبقنا وتطرقنا له من خلال سلسلة مقالات طيلة السنين الماضية، نعود لنشدد أن علاجه وحله، وإن كان يبدو ليس بالشيء السهل، إلا أن حله السريع سد ثغرة قانونية هي نصف الحل و«شيء أحسن من لا شيء كما يقال!»، «أنت لا تستطيع أن تختار طريقة تفكير ابنك واتجاهاته وهو يتصفح مواقع إلكترونية ويتبنى أفكاراً متطرفة في عمر المراهقة والشباب والطيش، ويختار أن يكون إرهابياً، لكن بوجود قانون يمنعه من الانضمام للعصابات الإرهابية، أنت هنا ردعته بما نسبته 70%، كما أن القانون أوجد له عقاباً رادعاً لو فكر بالاتجاه لهذا الدرب وتطبيق أفكاره على أرض الواقع، فسيبقى بناء على هذه النظرية قد يحمل أفكاراً متطرفة لكن البيئة من حوله لا تنمي سلوكه ولا تشجعه على هذا الدرب حتى ينضج فكرياً أكثر ويفهم الحياة من حوله فتتغير أفكاره ونظرته ويميز الخطأ من الصح.
والمسألة نفسها مثل هذه القضية التي نهايتها معروفة، ولعل ما حدث في المملكة العربية السعودية، فيما يخص قضية خلية عملاء السفارات، خير دليل نؤكد فيه على ما جاء في أحد مقالاتنا في إحدى السنين بخصوص هذه القضية تحت عنوان «ليست دعارة إنما مسودة مشروع سياسي»، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية في مايو الماضي القبض على سبعة أشخاص «ركزوا هنا» يعملون بمواقع حكومية حساسة ويعملون على تجنيد الأشخاص «وسط توقعات أن تتوسع دائرة الاعتقالات لتشمل آخرين للاشتباه بتواصلهم مع جهات خارجية وتقديم دعم مالي لعناصر معادية في الخارج يعملون على نشر أفكار تدعو لمزيد من التحرر المخالف للتعاليم الدينية، حيث تركزت أنشطتهم على منصات التواصل الاجتماعي لضرب الأمن الوطني عبر توشّحهم بثوب الحقوقيين لاستدعاء المنظمات الخارجية. «ركزوا أليست هذه الجماعات التي بعضهم يدعون أنهم حقوقيون يلقنون اليوم فتيات البحرين قوانين التحرر والبنود القانونية التي تسمح لهم بعصيان أولياء أمورهم»، كما أظهرت التحريات نقلاً عن مصادر أن هؤلاء الذين هم مواطنون سعوديون تلقوا أموالاً من قبل تنظيم الحمدين الإرهابي وجهات مشبوهة، وأن هؤلاء هدفهم كان زعزعة أمن السعودية وإسقاط النظام!
شددنا في الكثير من مقالاتنا على أن هذه القضية لها بعد أمني خطير على مجتمع البحرين، وفي مقالنا «ليست دعارة بل مسودة مشروع سياسي» بتاريخ 7 مارس 2017، ذكرنا أن المخططات الإيرانية اليوم تحاول اختراق مجتمعاتنا من خلال مدخلين، الأول نشر المخدرات والمسكرات، والثاني نشر الفساد الأخلاقي في مجتمعاتنا العربية الإسلامية المحافظة، وأن هذين البابين قد لا يكونان ظاهرين على السطح اليوم، وهما بالمناسبة مداخل غير مباشرة لاختراق دولنا، فأكثر من يمارسون مهنة الاتجار بالبشر معروفة أصولهم وأجنداتهم وأهدافهم ولهم ارتباط بالخلايا الإرهابية، فما يحدث له أبعاد أمنية خطيرة على مجتمعنا، ففتاة تحمل لقب واسم عائلة من عوائل لشرفاء البحرين وغالباً ما يكون والداها أو إخوتها يعملون في مراكز أمنية حساسة، تقوم هذه العصابات بخطفها، والسيناريو المعتاد دائماً يبدأ بالدخول إليها من باب عاطفي وعلاقات، ثم يتحول الأمر مع الوقت إلى تجارة ودعارة، وحتى تضمن هذه العصابات ألا تفرط الفتاة بهم أو تكتشف يوماً أن الباب الذي دخلته أكبر مما اعتقدته وبعيداً عن النزوة العاطفية والعلاقة الغرامية، يعمدون إلى جرها إلى دروب الإدمان على المخدرات والخمور وضبط صور ومقاطع فيديو لها يهددونها بها لاحقاً، وهنا تجد نفسها قد وقعت في الفخ وتم اصطيادها بشكل لا رجوع فيه، ولن تستطيع بعدها الخروج من دائرتهم حتى تصل إلى حال لا تبيع نفسها فقط بل أهلها ووطنها وتقوم بتقديم معلومات شخصية عن أهلها ومراكزهم الوظيفية، ولربما تحاول قتلهم، «كما حدث مع الشباب الذين جندتهم داعش»، وقد رأينا في دول عديدة كيف انتهت الأمور مع هؤلاء الفتيات، حيث عندما تكبر الفتاة وتنضج وتصل لعمر ترى من في عمرها من قريناتها يعشن حياة مستقرة وباتت لديهن عائلة وأبناء، فتصل إلى مرحلة عدم الرضا عن نفسها والشعور بأن حياتها وشرفها ضاع ولا فائدة من علاج ما خسرته فتقدم على الانتحار، فيما الكثيرات يتجهن إلى صفوف داعش، حيث تجند لممارسة الأعمال الإرهابية أو تتحول إلى تاجرة من عصابات الاتجار بالبشر، فتعمد إلى استهداف الفتيات الصغيرات حتى يكنَّ مثلها.
فلو تأملنا في وضع المجتمع البحريني لوجدنا أن هذا مدخل لتجنيدها وهي تحمل اسم واتجاه شرفاء البحرين، لتكون ضد البحرين وأمنها واستقرارها مستقبلاً، بل وتخرج إلى الخارج لتتكلم وتجند، كما فعل عملاء السفارات في السعودية لضرب وتشويه سمعة البلد، فترك الحبل على الغارب لفتيات يفتقدن الخبرة وتتلقفهم عصابات الاتجار بالبشر المرتبطة بالخلايا الإرهابية، يؤسس مستقبلاً لخلايا إرهابية جديدة في البحرين تقودها فتيات وجماعات محسوبة على شريحة شرفاء البحرين!
لذا فسد الثغرة القانونية مفتاح الحل لهذه القضية الشائكة جداً. في تاريخ 15 مايو 2015 تقدم خمسة من النواب وهم جمال داوود، ورؤى الحايكي، وعبدالله بن حويل، وعلي يعقوب المقلة، وعبدالرحمن بومجيد، باقتراح قانون بتعديل بعض أحكام قانون رقم 19 لسنة 2009 بإصدار قانون أحكام الأسرة القسم الأول، حيث أكدوا أهمية إجراء تعديل على قانون أحكام الأسرة يعين الأسر وأولياء الأمور على السيطرة على هذه الحالات الشاذة في المجتمع البحريني من خلال إضافة فقرة جديدة إلى المادة «129» تلزم الأنثى بالمساكنة مع ولي أمرها أو الحاضن حسب رغبتها حتى تتزوج حسبما جاء في المادة الأولى، وحيث إن هذا الالتزام لا يتحقق إلا بوضع تدابير احترازية، تلزم الأنثى بالرجوع إلى كنف الأسرة عن طريق تطبيق أحد التدابير وهي بالمساكنة مع ولي الأمر أو الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية الحكومية أو الخاصة في حال ثبت تعرضها للضرر من سوء معاملة ولي الأمر. في هذه المعضلة، هناك من يقول ماذا نفعل مع فتاة طائشة لا تود العيش في منزلها ولا نستطيع إجبارها؟ الحل بسيط. إن كانت الفتاة في صدام مع عائلتها وتم إثبات ذلك، فالمشرع هنا يحدد لها مسألة وخيارات المساكنة، بحيث من الممكن أن تختار العيش مع عمها / عمتها أو خالتها / خالتها أو العيش في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، «غالبا الفتاة عندما تبتعد عن أهلها وبنفس الوقت عن هذه العصابات التي ستفهم بعدها أنهم يودون الإضرار بها وترى الحياة على حقيقتها، ستكتشف غلطتها وتعود بعد فترة»، كما لا بد أن تعاقب من حاولت تشجيعها على الهروب بعقوبات تردع كل من تفكر في هدم وتفكيك المنازل وتشجيع الفتيات على الفساد الأخلاقي في حال إثبات ذلك أيضاً، وهذا النظام بالأصل معمول به في الشريعة الإسلامية التي يقوم عليها دستورنا البحريني. أليس في الدين عندما ترغب الفتاة بالزواج ويرفض ولي أمرها وتلجأ للمحكمة، يصبح القاضي ولي أمرها في حال إثبات الضرر ويقوم بتزويجها؟ ما الحكمة هنا مما قام به الإسلام؟ أليس رد الضرر عن هذه الحالات الاستثنائية في حال وجود مشاكل بين الفتاة وولي أمرها؟ فيما يبقى الأصل ثابتاً وهو أن كل فتاة لها ولي أمر، وفي حال ظلم ولي الأمر يصبح القاضي ولي أمرها، إنما لا يمكن وفق الحاصل حالياً أن يصبح الشارع وعصابات الاتجار بالبشر و«البويات» ولاة أمرها
المقترح الذي تقدم به بعض أعضاء مجلس النواب يكشف أنهم استشعروا ما تسببته حالات هروب الفتيات في خراب المنازل وتكسب عصابات الاتجار بالبشر، مما ساهم في إيجاد مظاهر ومشاكل اجتماعية خطيرة أرّقت الكثير من أرباب الأسر والجهات الأمنية، وأن هناك فعلاً ثغرات قانونية من الواجب تداركها قبل أن يستفحل الأمر.
كما أننا نتوجه بجزيل الشكر والامتنان باسم شعب البحرين، وتلك رسالة رفعها العديد من المواطنين الذين تواصلوا معنا عند النقاش بشأن هذا الملف، إلى معالي الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية على موقفه الإنساني وتحركه السريع لأجل احتواء هذه المشكلة والحرص على إرجاع البنت لأهلها ومتابعة حيثيات القضية، وذلك موقف ليس بغريب على قائد مسيرة الأمن والأمان في البحرين، ويعكس حرصه الإنساني قبل القيادي في حفظ كرامة المواطنين، كما سجل العديد من الأهالي في مجلس جاسم أحمد بوطبنية كذلك كلمات الشكر والتقدير إلى معاليه، مبدين أنهم جميعهم «يداً بيد» معه ومع القيادة الرشيدة في سد هذه الثغرات ومعالجة الخلل الحاصل، حتى لا يجد أعداء الوطن باباً لزعزعة الأمن المجتمعي.
فهذه المبادرة الإنسانية موقف طيب تحرك عليها معالي الوزير شخصياً، لكن السؤال المهم ماذا عن القضايا الأخرى التي فقدت فيها العديد من العائلات بناتهم ويجهلون مصيرهن وأين يعشن اليوم؟ فوزارة الداخلية جهة تنفيذية في النهاية وعليها تنفيذ القانون الذي وضع، لذا الخلل ليس في الجهات التنفيذية إنما في الجهات التشريعية التي كان من الواجب عليها تدارك الثغرات القانونية، التي سمحت لأعداء الوطن ولرفقاء السوء ولعصابات الاتجار بالبشر ولما يطلقن على أنفسهم بـ«البويات»، باستغلال هذه الثغرات لجرجرة الفتيات من منازلهم وتلقينهن القوانين التي تحوي ثغرات قانونية تسمح لهن بفعل ما يريدنه، مستغلين صغر سن هؤلاء الفتيات وقلة تجاربهن في الحياة، «ألم تشتكِ الأم أن ابنتها تنتظر أن يصل عمرها 21 سنة لأجل أن تخرج من المنزل؟»، فالفاجعة التي تكلمت عنها الأم بحرقة وحل مشكلتها، لن يكون ذلك خاتمة هذه القضية المستمرة والآخذة في الازدياد في السنوات الأخيرة.
ختاماً؛ أحد المواطنين قال: هل سيصل الأمر يوماً إلى الخروج في مظاهرات لأجل حل هذه القضية؟ «وردنا عليه وعلى غيره»، الخروج على الدولة في مظاهرات واعتصامات لعبة أفكار يزرعها أعداء الوطن والجهات المشبوهة التي هي بالأصل من تجند الفتيات وتختطفهن من منازلهن بطريقة غير مباشرة، ويمررونها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لأجل زعزعة أمن البحرين وإثارة البلبلة. فحل هذه القضية هو بأن نكون مع القيادة للعلاج وضرب دعاة الانحلال الأخلاقي بحزم قانوني وأمني، كما فعلت السعودية ضد الخلية الإرهابية، وأن نكون جميعاً في وعي ومسؤولية وضد هذا المخطط التدميري لمجتمع البحرين، ولردع هؤلاء الأعداء لا منحهم ما يريدونه!
خير دليل على الأبعاد الأمنية الخطيرة للقضية
ترك الحبل على الغارب لفتيات يفتقدن الخبرة يؤسس مستقبلاً لخلايا إرهابية جديدة
إشادة من الرأي العام البحريني بالموقف الإنساني لوزير الداخلية لإعادة الفتاة لعائلتها
سد الثغرة القانونية يلزم الأنثى بالمساكنة
مع ولي أمرها ويمنع تفاقم حالات الهروب
جهات مشبوهة تشجع الفتيات
على الهروب وتمرر أفكار تنظيم المظاهرات
الفتاة عندما تهرب تكتشف
أنها وقعت في فخ عصابات ورطتها
السعودية قامت بحزم قانوني
وأمني لضرب دعاة الانحلال الأخلاقي
لعل الله يسر أن يلهم تلك المرأة المكلومة على فلذة كبدها أن تقوم بتسجيل رسالة صوتية على الهاتف تناشد الجهات المعنية بإعادة ابنتها لها وتشرح ما يتم خلف الكواليس بشأن قضية هروب الفتيات اللواتي يبلغن السن القانوني 21 سنة وتتلاعب بعقولهن جماعات لا تخاف الله ولا تتقيه من بين العديد من القصص المشابهة التي يتفطر لها القلب.
تلك الرسالة أثارت ضجة كبيرة عند الرأي العام البحريني، لدرجة أن العديد من أولياء الأمور ذكروا لنا أنهم لم يتمالكوا أنفسهم عن البكاء وهم يستمعون إلى تفاصيل ما لا يخالف الدين الإسلامي فحسب، إنما غريزة الأبوة والأمومة والمنطق والعقل، فالله سبحانه وتعالى لم يشرع في كتابه العزيز إلا ما جاء لينظم حياة البشر كمنهج وقانون دنيوي يحفظ حقوقهم ويدرك فطرة الإنسان ومتطلباته، والدين الإسلامي أقر بأنه لا يمكن أن تعيش الفتاة بدون ولي أمر قال تعالى «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم»، كما قال رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»، فمنطقياً حتى المواطن في أي دولة في العالم الحاكم أو رئيس دولته هو ولي أمره ولا يمكن لأي شيء في هذه الحياة أن يظل بلا تنظيم وأن تترك الأمور بدون ضوابط، فحريتك تقف عندما تتعدى على حريات الآخرين، فما بالك بمن حول ثغرة قانونية في قوانين البحرين إلى تجارة يتكسب منها ويسرق بنات المواطنين من منازلهم لأجل جرجرتهن في دروب الضياع والفساد وتجنيدهن ضد الدولة؟
أي أم أو أب في العالم سيدافع حتى الموت حتى لا يختطف من حضنه أطفاله، تلك فطرة أدركها الإسلام ولها حكمة بليغة، لذا جاء بهذا التشريع السماوي الذي يصون المرأة وكرامتها ويحفظ المجتمع من الانحدار والتفكك، من خلال أن تكون هناك ولاية على المرأة، بل حتى المرأة غير المسلمة عندما تدخل الإسلام يصبح من الواجب أن يكون لها ولي أمر!! ذلك قانون وتشريع سماوي، فهل نحن البشر أكثر دراية وعلماً من الله سبحانه وتعالى مثلاً «أستغفر الله» حتى نجعل للولاية تاريخ انتهاء صلاحية، ونقول عند عمر 21 سنة الفتاة لها حرية السكن والتنقل واختيار حياتها التي تريدها، حتى لو أرادت الانحراف والاتجاه في دروب تتشابه مع من قرر أن يتجه إلى دروب المخدرات والدعارة والإرهاب وولي أمرها ليس له حق في تقويمها وحفظ شرفه؟
قضية هروب الفتيات في مملكة البحرين قضية شائكة ولها عدة أبعاد منها تشريعية، وتربوية، وسلوكية، وأخلاقية، وإعلامية، واقتصادية، وغيرها، ولو كانت وجهة النظر التي تؤكد أن الأمر مقتصر على التربية والبيئة والوالدين، وهما المعنيان بالدرجة الأولى في هذه القضية فقط، فمنطقياً لم الله سبحانه وتعالى طرح هذا التشريع السماوي في القرآن الكريم وأقر به كقانون ونظام حياة ولم يترك مسألة حرية التربية ترجع للوالدين ونظامهما في الحياة ما يحكم مسألة أن تكون البنت بولي أمر من دونه؟
هذا الملف الذي سبقنا وتطرقنا له من خلال سلسلة مقالات طيلة السنين الماضية، نعود لنشدد أن علاجه وحله، وإن كان يبدو ليس بالشيء السهل، إلا أن حله السريع سد ثغرة قانونية هي نصف الحل و«شيء أحسن من لا شيء كما يقال!»، «أنت لا تستطيع أن تختار طريقة تفكير ابنك واتجاهاته وهو يتصفح مواقع إلكترونية ويتبنى أفكاراً متطرفة في عمر المراهقة والشباب والطيش، ويختار أن يكون إرهابياً، لكن بوجود قانون يمنعه من الانضمام للعصابات الإرهابية، أنت هنا ردعته بما نسبته 70%، كما أن القانون أوجد له عقاباً رادعاً لو فكر بالاتجاه لهذا الدرب وتطبيق أفكاره على أرض الواقع، فسيبقى بناء على هذه النظرية قد يحمل أفكاراً متطرفة لكن البيئة من حوله لا تنمي سلوكه ولا تشجعه على هذا الدرب حتى ينضج فكرياً أكثر ويفهم الحياة من حوله فتتغير أفكاره ونظرته ويميز الخطأ من الصح.
والمسألة نفسها مثل هذه القضية التي نهايتها معروفة، ولعل ما حدث في المملكة العربية السعودية، فيما يخص قضية خلية عملاء السفارات، خير دليل نؤكد فيه على ما جاء في أحد مقالاتنا في إحدى السنين بخصوص هذه القضية تحت عنوان «ليست دعارة إنما مسودة مشروع سياسي»، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية في مايو الماضي القبض على سبعة أشخاص «ركزوا هنا» يعملون بمواقع حكومية حساسة ويعملون على تجنيد الأشخاص «وسط توقعات أن تتوسع دائرة الاعتقالات لتشمل آخرين للاشتباه بتواصلهم مع جهات خارجية وتقديم دعم مالي لعناصر معادية في الخارج يعملون على نشر أفكار تدعو لمزيد من التحرر المخالف للتعاليم الدينية، حيث تركزت أنشطتهم على منصات التواصل الاجتماعي لضرب الأمن الوطني عبر توشّحهم بثوب الحقوقيين لاستدعاء المنظمات الخارجية. «ركزوا أليست هذه الجماعات التي بعضهم يدعون أنهم حقوقيون يلقنون اليوم فتيات البحرين قوانين التحرر والبنود القانونية التي تسمح لهم بعصيان أولياء أمورهم»، كما أظهرت التحريات نقلاً عن مصادر أن هؤلاء الذين هم مواطنون سعوديون تلقوا أموالاً من قبل تنظيم الحمدين الإرهابي وجهات مشبوهة، وأن هؤلاء هدفهم كان زعزعة أمن السعودية وإسقاط النظام!
شددنا في الكثير من مقالاتنا على أن هذه القضية لها بعد أمني خطير على مجتمع البحرين، وفي مقالنا «ليست دعارة بل مسودة مشروع سياسي» بتاريخ 7 مارس 2017، ذكرنا أن المخططات الإيرانية اليوم تحاول اختراق مجتمعاتنا من خلال مدخلين، الأول نشر المخدرات والمسكرات، والثاني نشر الفساد الأخلاقي في مجتمعاتنا العربية الإسلامية المحافظة، وأن هذين البابين قد لا يكونان ظاهرين على السطح اليوم، وهما بالمناسبة مداخل غير مباشرة لاختراق دولنا، فأكثر من يمارسون مهنة الاتجار بالبشر معروفة أصولهم وأجنداتهم وأهدافهم ولهم ارتباط بالخلايا الإرهابية، فما يحدث له أبعاد أمنية خطيرة على مجتمعنا، ففتاة تحمل لقب واسم عائلة من عوائل لشرفاء البحرين وغالباً ما يكون والداها أو إخوتها يعملون في مراكز أمنية حساسة، تقوم هذه العصابات بخطفها، والسيناريو المعتاد دائماً يبدأ بالدخول إليها من باب عاطفي وعلاقات، ثم يتحول الأمر مع الوقت إلى تجارة ودعارة، وحتى تضمن هذه العصابات ألا تفرط الفتاة بهم أو تكتشف يوماً أن الباب الذي دخلته أكبر مما اعتقدته وبعيداً عن النزوة العاطفية والعلاقة الغرامية، يعمدون إلى جرها إلى دروب الإدمان على المخدرات والخمور وضبط صور ومقاطع فيديو لها يهددونها بها لاحقاً، وهنا تجد نفسها قد وقعت في الفخ وتم اصطيادها بشكل لا رجوع فيه، ولن تستطيع بعدها الخروج من دائرتهم حتى تصل إلى حال لا تبيع نفسها فقط بل أهلها ووطنها وتقوم بتقديم معلومات شخصية عن أهلها ومراكزهم الوظيفية، ولربما تحاول قتلهم، «كما حدث مع الشباب الذين جندتهم داعش»، وقد رأينا في دول عديدة كيف انتهت الأمور مع هؤلاء الفتيات، حيث عندما تكبر الفتاة وتنضج وتصل لعمر ترى من في عمرها من قريناتها يعشن حياة مستقرة وباتت لديهن عائلة وأبناء، فتصل إلى مرحلة عدم الرضا عن نفسها والشعور بأن حياتها وشرفها ضاع ولا فائدة من علاج ما خسرته فتقدم على الانتحار، فيما الكثيرات يتجهن إلى صفوف داعش، حيث تجند لممارسة الأعمال الإرهابية أو تتحول إلى تاجرة من عصابات الاتجار بالبشر، فتعمد إلى استهداف الفتيات الصغيرات حتى يكنَّ مثلها.
فلو تأملنا في وضع المجتمع البحريني لوجدنا أن هذا مدخل لتجنيدها وهي تحمل اسم واتجاه شرفاء البحرين، لتكون ضد البحرين وأمنها واستقرارها مستقبلاً، بل وتخرج إلى الخارج لتتكلم وتجند، كما فعل عملاء السفارات في السعودية لضرب وتشويه سمعة البلد، فترك الحبل على الغارب لفتيات يفتقدن الخبرة وتتلقفهم عصابات الاتجار بالبشر المرتبطة بالخلايا الإرهابية، يؤسس مستقبلاً لخلايا إرهابية جديدة في البحرين تقودها فتيات وجماعات محسوبة على شريحة شرفاء البحرين!
لذا فسد الثغرة القانونية مفتاح الحل لهذه القضية الشائكة جداً. في تاريخ 15 مايو 2015 تقدم خمسة من النواب وهم جمال داوود، ورؤى الحايكي، وعبدالله بن حويل، وعلي يعقوب المقلة، وعبدالرحمن بومجيد، باقتراح قانون بتعديل بعض أحكام قانون رقم 19 لسنة 2009 بإصدار قانون أحكام الأسرة القسم الأول، حيث أكدوا أهمية إجراء تعديل على قانون أحكام الأسرة يعين الأسر وأولياء الأمور على السيطرة على هذه الحالات الشاذة في المجتمع البحريني من خلال إضافة فقرة جديدة إلى المادة «129» تلزم الأنثى بالمساكنة مع ولي أمرها أو الحاضن حسب رغبتها حتى تتزوج حسبما جاء في المادة الأولى، وحيث إن هذا الالتزام لا يتحقق إلا بوضع تدابير احترازية، تلزم الأنثى بالرجوع إلى كنف الأسرة عن طريق تطبيق أحد التدابير وهي بالمساكنة مع ولي الأمر أو الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية الحكومية أو الخاصة في حال ثبت تعرضها للضرر من سوء معاملة ولي الأمر. في هذه المعضلة، هناك من يقول ماذا نفعل مع فتاة طائشة لا تود العيش في منزلها ولا نستطيع إجبارها؟ الحل بسيط. إن كانت الفتاة في صدام مع عائلتها وتم إثبات ذلك، فالمشرع هنا يحدد لها مسألة وخيارات المساكنة، بحيث من الممكن أن تختار العيش مع عمها / عمتها أو خالتها / خالتها أو العيش في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، «غالبا الفتاة عندما تبتعد عن أهلها وبنفس الوقت عن هذه العصابات التي ستفهم بعدها أنهم يودون الإضرار بها وترى الحياة على حقيقتها، ستكتشف غلطتها وتعود بعد فترة»، كما لا بد أن تعاقب من حاولت تشجيعها على الهروب بعقوبات تردع كل من تفكر في هدم وتفكيك المنازل وتشجيع الفتيات على الفساد الأخلاقي في حال إثبات ذلك أيضاً، وهذا النظام بالأصل معمول به في الشريعة الإسلامية التي يقوم عليها دستورنا البحريني. أليس في الدين عندما ترغب الفتاة بالزواج ويرفض ولي أمرها وتلجأ للمحكمة، يصبح القاضي ولي أمرها في حال إثبات الضرر ويقوم بتزويجها؟ ما الحكمة هنا مما قام به الإسلام؟ أليس رد الضرر عن هذه الحالات الاستثنائية في حال وجود مشاكل بين الفتاة وولي أمرها؟ فيما يبقى الأصل ثابتاً وهو أن كل فتاة لها ولي أمر، وفي حال ظلم ولي الأمر يصبح القاضي ولي أمرها، إنما لا يمكن وفق الحاصل حالياً أن يصبح الشارع وعصابات الاتجار بالبشر و«البويات» ولاة أمرها
المقترح الذي تقدم به بعض أعضاء مجلس النواب يكشف أنهم استشعروا ما تسببته حالات هروب الفتيات في خراب المنازل وتكسب عصابات الاتجار بالبشر، مما ساهم في إيجاد مظاهر ومشاكل اجتماعية خطيرة أرّقت الكثير من أرباب الأسر والجهات الأمنية، وأن هناك فعلاً ثغرات قانونية من الواجب تداركها قبل أن يستفحل الأمر.
كما أننا نتوجه بجزيل الشكر والامتنان باسم شعب البحرين، وتلك رسالة رفعها العديد من المواطنين الذين تواصلوا معنا عند النقاش بشأن هذا الملف، إلى معالي الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية على موقفه الإنساني وتحركه السريع لأجل احتواء هذه المشكلة والحرص على إرجاع البنت لأهلها ومتابعة حيثيات القضية، وذلك موقف ليس بغريب على قائد مسيرة الأمن والأمان في البحرين، ويعكس حرصه الإنساني قبل القيادي في حفظ كرامة المواطنين، كما سجل العديد من الأهالي في مجلس جاسم أحمد بوطبنية كذلك كلمات الشكر والتقدير إلى معاليه، مبدين أنهم جميعهم «يداً بيد» معه ومع القيادة الرشيدة في سد هذه الثغرات ومعالجة الخلل الحاصل، حتى لا يجد أعداء الوطن باباً لزعزعة الأمن المجتمعي.
فهذه المبادرة الإنسانية موقف طيب تحرك عليها معالي الوزير شخصياً، لكن السؤال المهم ماذا عن القضايا الأخرى التي فقدت فيها العديد من العائلات بناتهم ويجهلون مصيرهن وأين يعشن اليوم؟ فوزارة الداخلية جهة تنفيذية في النهاية وعليها تنفيذ القانون الذي وضع، لذا الخلل ليس في الجهات التنفيذية إنما في الجهات التشريعية التي كان من الواجب عليها تدارك الثغرات القانونية، التي سمحت لأعداء الوطن ولرفقاء السوء ولعصابات الاتجار بالبشر ولما يطلقن على أنفسهم بـ«البويات»، باستغلال هذه الثغرات لجرجرة الفتيات من منازلهم وتلقينهن القوانين التي تحوي ثغرات قانونية تسمح لهن بفعل ما يريدنه، مستغلين صغر سن هؤلاء الفتيات وقلة تجاربهن في الحياة، «ألم تشتكِ الأم أن ابنتها تنتظر أن يصل عمرها 21 سنة لأجل أن تخرج من المنزل؟»، فالفاجعة التي تكلمت عنها الأم بحرقة وحل مشكلتها، لن يكون ذلك خاتمة هذه القضية المستمرة والآخذة في الازدياد في السنوات الأخيرة.
ختاماً؛ أحد المواطنين قال: هل سيصل الأمر يوماً إلى الخروج في مظاهرات لأجل حل هذه القضية؟ «وردنا عليه وعلى غيره»، الخروج على الدولة في مظاهرات واعتصامات لعبة أفكار يزرعها أعداء الوطن والجهات المشبوهة التي هي بالأصل من تجند الفتيات وتختطفهن من منازلهن بطريقة غير مباشرة، ويمررونها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لأجل زعزعة أمن البحرين وإثارة البلبلة. فحل هذه القضية هو بأن نكون مع القيادة للعلاج وضرب دعاة الانحلال الأخلاقي بحزم قانوني وأمني، كما فعلت السعودية ضد الخلية الإرهابية، وأن نكون جميعاً في وعي ومسؤولية وضد هذا المخطط التدميري لمجتمع البحرين، ولردع هؤلاء الأعداء لا منحهم ما يريدونه!