واشنطن - نشأت الإمام
عندما أعلنت حكومة فنلندا في يونيو أنها ستستضيف قمة بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، بدأ وزير الدفاع في البلاد، جوسي نينيستو بالحديث عما يسميه "مشاعر مختلطة" بشأن موقف بلاده في هذه المحادثات.
ويدرك نيينستو أن الحوار بين الرئيسين الأمريكي والروسي يمكن أن يساعد في "إزالة التوتر" بين بلديهما، وفي الأثناء، يصقل مكانة فنلندا كجسر بين روسيا والغرب. غير أن المحادثات تخاطر أيضاً بإعطاء فنلندا "اسم سيء وسمعة سيئة"، كما يقول نينيستو، خاصة إذا بدأ ترامب وبوتين عقد صفقات على رؤوس الدول الأصغر في أوروبا. مثل هذه الصفقات لها صدى مقنع بشكل خاص في فنلندا.
وقال نينيستو الذي كان مؤرخاً عسكرياً قبل أن يدخل في السياسة "لدينا هذا التاريخ، تاريخ بلد صغير بين القوى العظمى"، وبغض النظر عما يخرج من القمة الاثنين، فإن صيغة المحادثات تذكرني بعقد قمة أخرى من شخصين في شمال أوروبا".
ففي يوم من أيام يوليو العام 1807، التقى الإمبراطور الفرنسي نابليون والقيصر الروسي الكسندر الأول، اللذين كانا أقوى زعماء العالم، على متن طوف في وسط النهر. وكانا معجبين ببعضهما البعض منذ فترة طويلة كقادة أقوياء. وبعد ساعات من المحادثة على العشاء، اتفقوا على الخطوط العريضة لصفقة سرية لتقطيع أوروبا بينهما. وفنلندا التي كانت في السابق جزءاً من السويد، انتهى بها المطاف كملكية للقيصر.
وقال نينيستو "لا نريد أن نرى مثل هذه الصفقات بعد الآن. نحن قلقون جداً بشأن سياسة القوة العظيمة التي ستعود. ما نريده هو نظام دولي قائم على القواعد".
ومع ذلك، قد تشير هذه العبارة "النظام الدولي القائم على القواعد" إلى شيء ملموس للغاية للدول الأصغر في أوروبا: مقعد على الطاولة.
فمن خلال مؤسسات مثل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، تمكنت الدول الصغيرة من ردع نزوات الدول الكبرى من خلال القواعد والقوة الجماعية للمنظمات التي ينتمون إليها.
مقاومة المؤسسات العالمية
ويرى المحلل السياسي أدريان باسيلي أن ذلك "لا يعمل دائماً". ويضيف باسيلي لـ"الوطن" "تجنبت روسيا القانون الدولي عندما استولت على أجزاء من أوكرانيا في 2014. وفعلت الولايات المتحدة الشيء نفسه عندما احتلت العراق قبل عقد من الزمن. لكن المؤسسات بقيت مكاناً لاتخاذ القرارات العالمية".
وتشارك جانان كوسيلا التي ترأس قسم التخطيط الدفاعي الوزير نينيستو مخاوفه بالقول "كنا دائماً نميل إلى العالم القائم على القواعد، مع المؤسسات متعددة الجنسيات (..) بالنسبة لبلد صغير في هذا الموقع الجغرافي السياسي، هذا أساس بقائنا. وبهذا المعنى، نشعر بالقلق عندما يتم تحدي هذه الأسس".
فيما تقول خبيرة الشؤون الدولية سارة فليبب لـ"الوطن" إنه بعد المشاحنات الأخيرة بين ترامب وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي كان أحد المآخذ في هذه المؤسسات التحول نحو الصفقات الثنائية كوسيلة مواتية لإدارة السياسة الخارجية، بدلاً من الإجماع متعدد الأطراف. ويرى باسيلي أن ترامب وبوتين كلاهما مشجعان لهذا النهج، لقد سعيا إلى عقد صفقات مع القادة الأوروبيين بدلاً من العمل مع الاتحاد الأوروبي ككل، وقاوما المؤسسات العالمية التي يرون أنها تقيد أعمالهم.
وتضيف فيليب "وفقاً لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث العام الماضي، فإن الأغلبية في العديد من الدول الأوروبية تدعم تحقيق المصالح الوطنية، ففي البلدان العشرة التي شملها الاستطلاع، كان المشاركون يميلون إلى رغبة زعمائهم في تجاهل اعتراضات الحلفاء عند السعي إلى تحقيق مصالحهم الوطنية".
لكن يبقى الفرق، بالطبع، أن قوة ترامب للحفاظ على وعوده أكثر محدودية بكثير من بوتين. فيما يتعلق بمسألة رفع العقوبات الأمريكية ضد روسيا، سيحتاج ترامب إلى موافقة الكونغرس، ورغم أنه يستطيع أن يقرر سحب القوات الأمريكية أو المعدات العسكرية بعيداً عن الحدود الروسية، فإن خطوة كهذه يمكن أن تدفع حلفاء الناتو الآخرين إلى تعزيز تلك المواقف نفسها.
لكن رمزية قمة الاثنين لا تزال كافية لجعل الفنلنديين متوترين بعض الشيء. تمتد الحدود التي تشترك فيها فنلندا مع روسيا لمسافة 1300 كلم، وهو خط صدع تحرك عدة مرات في القرن العشرين مع خوض القوى العظمى وحسم صراعاتها على رأس فنلندا. لذا يقول نينيستو "نأمل ألا يعود التاريخ".