إن من أبرز مظاهر محاربة الفساد التجاري هو محاربة الغش. فسمعة مملكة البحرين وعبر تاريخها الطويل فيما يتعلق بممارسة الانضباط التجاري وعدم وجود أي نوع من الغش إلا في الحدود الدنيا كان محط أسماع وأنظار الدول العربية قاطبة. إلا أننا بدأنا نسمع اليوم بوجود مثل هذا السلوك الاقتصادي الفتَّاك في الآونة الأخيرة، ولربما هذا يعود لمجموعة من الأسباب ربما من أبرزها هو ضعف الرقابة على البضائع والمصانع التي تنتج منتجات مُقلَّدة أو منتهية الصلاحية، ولأن حجم الصناعة زاد لدينا بنسب كبيرة للغاية إضافة أن حجم سوقنا تمدد بشكل كبير جداً ووقوع البحرين تحت مظلة التجارة الحُرة وتناقص أعداد المفتشين والمراقبين بشكل لافت في الهيئات والمؤسسات الحكومة المسؤولة عن الرقابة الصحية والتجارية إضافة لدخول مافيات أجنبية على خط التجارة والصناعة في البحرين وغيرها من العوامل الأخرى جعل مسألة الغش ليست صعبة أبداً. إذا لم يتم وضع تشريعات قوية وضامنة لحق التاجر الحقيقي والمستهلك "الإنسان" فمن المؤكد أننا سوف ندفع كلنا فاتورة هذا الغش، خاصة في المواد الاستهلاكية الخطرة كمواد الكهرباء التي تتعلق بسلامة الإنسان أو مواد غذائية تتعلق بالصحة والجسم.
ما دفعنا للحديث عن هذا الأمر هو ما نشر مؤخراً حول استخدام بضاعة منتهية الصلاحية في "إحدى الشركات الخاصة بصنع الكاكاو والشوكولاتة والحلويات السكرية وعليه تم إخطار إدارة الصحة العامة وتفتيش الشركة من قبل مأموري الضبط القضائي المختص وضبط مواد غذائية عليها ملصق دونت عليه تواريخ سارية المفعول على خلاف الحقيقة، حيث تم نزعها وتبين وجود تاريخ صلاحية منتهٍ على تلك المواد الغذائية وعليه تم التحفظ عليها وإغلاق الشركة إدارياً بمعرفة إدارة الصحة العامة".
هذا السلوك الفاضح لا يجب بأن يمر مرور الكرام، فهو بالإضافة إلى أن الفاعل الحقيقي يجب أن ينال أقصى العقوبة لتعريضه الناس لمضار صحية محققة فإنه يجب إعلام الرأي العام عن اسم المنتج والمصنع دون محاباة لأحد أو مجاملة لتاجر، تماماً كما تقوم به وزارة التجارة بالشقيقة المملكة العربية السعودية، حيث يتم اقتحام أمثال هذه المصانع والمخازن المخالفة وتصويرها بطريقة مباشرة أثناء التفتيش عليها ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي حتى دون التحفظ على نشر الأشخاص المخالفين.
نحن في البحرين نحتاج لمثل هذه الخطوات الجرئية وليست الخجولة حين يتعلق الأمر بسلامة مجتمع بأكمله. بل الغريب في الأمر، أن الخبر تم نشره دون معرفة المصنع ولا صاحبه ولا حتى اسم المنتج المغشوش "والمنتهي" الصلاحية، وهذا بحد ذاته ربما يشجع البقية على ممارسة هذا السلوك الخطير!
نحن نطالب بوجود تشريعات صارمة لمثل هذه الحالات التي تتعلق بالإضرار بسمعة التجارة والصناعة وصحة الإنسان في البحرين، ونطالب بإجراءات صارمة من قبل الجهات المعنية بهذا الأمر، لكننا مع الأسف نقرأ أخباراً مثل هذه القضايا التي توجد فيها كميات كبيرة من الغش التجاري لكن دون وجود "غشَّاشين"، وهذا الأسلوب المشوش في أذهان الرأي العام يجب أن يزول، وأن تحل محله "الشفافية" التي تعني فضح الجهة المعنية التي تتسبب بإضرار الناس عن إرادة وقصد وعمد.