مجازاً، يقول البعض أحياناً: بأن الدنيا مسرح كبير، كلنا على خشبته "ممثلون"!
كشعوب تحب الجمل والأقوال المنمقة، سواء أكانت غامضة أم موغلة للنخاع في المثالية، قد تطرب الآذان، لكن يظل المحك هنا معنياً بإجابة ما بعد السؤال .. هل نحن بالفعل ممثلون؟!
يقول بعض مبرري اللجوء لأسلوب التمثيل، ما مفاده أن العملية كلها معنية باستخدام "الآليات الدفاعية" في العلاقات المجتمعية، ونهاية الاستفادة تكون بتجنب التصادم أو الاختلاف الذي قد يقود لاشتباك جسدي غوغائي بربري، أو اشتباك عصبي نفسي، إنه "القناع" الذي تلبسه مضطراً، حسب ذرائع البعض.
أعلاه تبرير يحاول "تجميل" التمثيل ليس إلا، ويمنحه "الصفة الملائكية" وكأنه فعل محمود يُخدم به المجتمع، عبر تجنيبه مزيداً من "الصراحة" التي قد تزيد "الرتوق" في مفاصله!
في حين هناك طرح آخر "يتعمق" أكثر في المسببات، ويكشف أن "الشيطنة" لا "الملائكية" هي الباعث الحقيقي لهذا "التمثيل" المتزايد على خشبة مسرح الواقع، كما أسموه! إذ أكثر الممثلين، لا يقومون بتلبس هذه الأدوار المجتمعية إلا سعياً "لإغواء" بشر، أو "استغلال" آخرين، أو "التقرب" لشخوصٌ وجود هؤلاء الممثلون بالقرب منهم يعود عليهم بمكاسب وفوائد، أقلها حظوة القرب منهم والتحول لفرد من الجوقة و"الانتوراج"، لكن الأخطر هم المرضى النفسيون، لا ذوي العقول المريضة المضطربة، بل أصحاب النفوس المريضة والباطن الخبيث، فهؤلاء يمثلون بدافع "الكره"، وظنا أنهم بهذا التمثيل يملكون التفوق على الآخرين، تفوقٌ مريضٌ يتمثل بأفعال وتصرفات تبدو أنها صادرة من محبين لا تكشف حقيقة الكامن الخبيث في الداخل.
تسقط أقنعة التمثيل، وينكشف المخادعون ومؤدو الأدوار الخيالية، في لحظات يفقدون فيها الاتزان للحظات ويضيع منهم التوازن بين تذكر الدور الدرامي الذي يقومون به، وبين ضبط الانفعال ورد الفعل التلقائي الذي يكشف ما بالداخل، حينها "ينضحون" قسرا بالحقيقة كما "اللافا" البركانية تندفع بقوة للخارج من فوهة البركان، حتى لو كان الأخير في صراع لإبقاء "الشر" الكامن فيه لأطول فترة ممكنة، لأن خروجها يعني تبدل صورة الجبل البركاني الخامد، ويحوله من مزار سياحي جميل، إلى قطعة من جحيم، ناج وذكي من يبتعد عنها مهرولا مسرعا.
في مجتمعنا، ممثلون كثر، غالبية كبرى منهم أدائهم الفني ضعيف لا يرتقي لمستوى "الكومبارس"، تكشفه من كلامه، نبرات صوته، تعابير وجهه، ولو ضحك الحظ لك واستمعت له -وأنت خلفه- يتحدث عنك لغيرك، كاشفا حقيقة شعوره تجاهك، ستذهل، ولكن الصنف الأخطر هو المحتاط والحذر، نوع خبيث من فصيلة "مسيلمة الكذاب" أو جماعة "منافقي ابن سلول"، هو من قد يسبب لك صدمة عنيفة، حينما تأتيك الحقيقة كطعنة خنجر غادرة في الظهر، فتتحسر حينها إذ ليتك انتبهت لفواصل التمثيل تلك، ولَم تنجرف.
كثيرا منكم لابد وأن مر بتجارب عديدة تعامل فيها مع "الممثلين" من تلكم الأوصاف أعلاه، بغض النظر أكانوا كومبارساً فاشلين أو مؤدين بارعين، كثيرون صدموا وعاهدوا أنفسهم بتحصينها من الوقوع مجدداً، لكنهم يقعون مرات ومرات، خاصة من مازال يظن أن "التعامل الطيب" و"الثقة المطلقة" مع كافة أصناف البشر هي الأساليب الصحيحة، غير مدرك بأن من لا يتعلم من التجارب، هو "الممثل الحقيقي" على ذاته، قبل أن يمثل عليه أحد.
خلاصة القول هنا ليست معنية بتعريف هذه الأنماط المريضة من الممثلين، بل على العكس، هي دعوة لكل شخص بأن يتجنب ممارسة "التمثيل" على الآخرين بغض النظر عن الدوافع! يمكنك أن تكون لبقا مع الناس لكن دون كذب، ويمكنك أن تفرز علاقاتك وتحدد مكانة الأفراد عبر ممارسة الصراحة والصدق معهم دون قسوة أو عنف، لكن بهدوء وكياسة.
لا تكن ممثلاً في هذه الدنيا، لا تكن كاذباً بحق نفسك قبل أن تكون كاذباً ومراوغاً بحق بقية البشر!