خبر نشرته الصحافة أمس الأول يتضمن تصريحاً لأحد الإخوة الذين أعلنوا ترشحهم لعضوية "المجلس البلدي"، نكرر المجلس البلدي المعني بالخدمات المجتمعية وليس "المجلس النيابي" المعني بالتشريعات والمشاريع الكبيرة المعنية بموازنات الدولة ومكاسب المواطنين الأساسية، هذا التصريح كشف فيه العضو عن بعض الأفكار التي سيسعى لتطبيقها في حال فوزه.
المترشح قال بأنه يقدم على الترشح بعد دعم وتشجيع أهالي المنطقة، ما يعني أنه يمتلك أرضية داعمة له ضمن شريحة الناخبين.
شخص وضع دائرته الانتخابية بأنها تعاني من نواقص عديدة، وحددها بضرورة تطوير الشوارع وإيجاد مواقف للسيارات، وأماكن خاصة للحاويات - أعزكم الله- والاهتمام بالجانب الجمالي.
وبالنسبة للنقطة الأخيرة، فإنه أشار للتاريخ القديم لمنطقة مدينة عيسى التي كانت تضم بساتين وزراعة ونخيل، وهذا أمر صحيح، إذ يحكي لي بعض من أهالي مدينة عيسى أن بدايات المدينة قبل زحف المد العمراني كانت فيها عيون ماء، وكانت فيها مزارع وبساتين، وكان هناك دور واضح لوزارة البلديات في تشجير الشوارع، وكل هذه المظاهر اختفت مع الحاجة للتوسع العمراني، خاصة وأن هذا الأخير يحتاج للأراضي، وتذكرون هنا كيف كانت البحرين تسمى "بلد المليون نخلة" واليوم تغير هذا الحال.
عموماً، ليس هذا مربط الفرس، بل ما قاله المترشح من أنه سيعمل على إعادة إحياء الجانب الجمالي الزراعي في مدينة عيسى، عبر زراعة أشجار اللوز والليمون والكنار.
بسبب هذا التصريح ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، وعلق الآلاف من الناس بتعليقات متباينة، أغلبها بأسلوب فكاهي ساخر، وبعض قليل منها حاول التوازن في طرحه ما بين الواقع والمأمول، وما بين عملية ترتيب الأولويات وتحديد الاحتياجات التي تهم الناس.
مراقبة ردود أفعال الناس في وسائل التواصل الاجتماعي، تساعد كثيراً على تحديد اتجاه الشارع، وتفصيل "مزاج" هذا الشارع، ويمكن بناء عليها تحديد حتى أساليب العمل المطلوبة لو كان المتابع محسوباً على عملية صناعة القرار، بالتالي إغفالها غير صحيح.
لكن تكتشف ضمن المتابعة أن هناك أنماطاً مختلفة من ردود الأفعال، وبالنسبة لقصتنا هذه، والتي حولت تصريحاً مقتضباً جداً لكنه يحمل "عنوانا مثيراً" حديث الساعة، ويدفع الناس للتعليق والتندر، يتضح بأن هناك فئة تندرت بالموضوع وحولت لدعابة على اعتبار أن هموم المواطن المعيشية باتت اليوم أكبر من عمليات تجميل لمحيطه المعاش، والبعض للأسف وكأنه لم يقرأ الخبر بتمعن، ولم يدرك بأن الحديث عن ترشح لـ"مجلس بلدي" وليس "نيابي"، ما يعني أن المترشح تحدث بواقعية بما يتعلق بصميم عمله وصلاحياته، وبالتالي مطالبته بالتركيز على الأمور الأخرى المرتبطة بتشريعات تحسن من أداء الخدمات وتقديمها وتوفيرها مثل الإسكان والرواتب ومحاسبة الوزراء أمور بعيدة عن صلاحياته، وهناك نوع تمنى له التوفيق وحاول أن يبين الفرق بين دور العضو البلدي والنيابي، واعتبر ما صدر عنه اجتهاد، لو تحقق فإنه سيكون أمراً طيباً.
والجزئية الأخيرة هي النقطة الأهم، إذ لو كل شخص في موقعه التزم بتحقيق ما يعد الناس به، سواء عضو بلدي أو عضو نيابي، لتحققت كافة مطالبات المواطن في شتى الجوانب، لحلت مشاكل الإسكان والبطالة والرقابة والتشريعات الملامسة لحياة الناس، ولحلت مشاكل البيوت الآيلة، والتصريفات الإنشائية لمياه الأمطار والصرف الصحي، ولتحسنت الشوارع والطرق، وعمليات التخضير والتشجير.
وهنا لا يلام الناس إطلاقاً، لأن ما صدر عنهم، هو نتيجة تراكمات لفصول تشريعية عديدة، بالنسبة للمجالس البلدية وبالأخص للمجالس النيابية، إذ كم هي عدد الشعارات التي قدمت لهم، والوعود التي وعدوا بها خلال الحملات الانتخابية، وكم تحقق منها، وكم لم يتحقق منها؟!
بالتالي التعامل اليوم مع أية تصريحات تصدر عن مترشحين للمجلس النيابي أو البلدي، سيكون أولاً مبنياً على الشك، وعلى الخوف من الانخداع مرة أخرى.
شخصياً لا أرى أي مدعاة للتندر عن مساعي وطموحات العضو المترشح للمجلس البلدي، أقلها هو تحدث عن أمر من صميم عمله البلدي، ولم يخرج على الناس بوعود "خيالية" لا يمكن تحقيقها، وإن كانت من إمكانية لزراعة الليمون واللوز والكنار في مدينة عيسى، فما المانع من أن تمتد لتشمل جميع مناطق البحرين، ولتكن لدينا مدن خضراء عديدة، ما المانع، وما المعيب؟!
هموم الناس ذات الأولوية القصوى، معنية بشكل أساسي بالمجلس النيابي الذي عليه معالجة قضايا هامة جدا تمس المواطن في حياته ومعيشته وجيبه، هؤلاء من يفترض أن تمحص كل شعاراتهم، وتناقش، ولا يمرر لهم شيء هكذا كيفما اتفق.
ومع ذلك، رجاء البعد عن الشعارات والوعود الخيالية، إذ مازلنا نتذكر الوعود "الخرافية" التي أطلقها البعض منذ بدايات عودة العمل الديمقراطي في الفصل التشريعي الأول عام ٢٠٠٢، لم ننس من وعد بنقل "المطار" إلى البر، ومن وعد "بتسقيف" المحرق!