تروي الموريتانية، هابي بنت رباح، قصتها مع العبودية التي دامت ثلاثين سنة، قائلة إنها كانت طفلة في الرابعة عندما أُخذت من أمها إلى منطقة "المذرذرة" وظلت هناك حتى يوم استعادتها حريتها.
هابي دخلت السياسة ورشحت نفسها لخوض الانتخابات البرلمانية التي تجرى في بلدها في سبتمبر/ أيلول المقبل، وقد أجرت بي بي سي لقاءً معها لخصت فيها تجربتها المؤلمة.
قررت هابي أن تتكلم بصوت عال عن محنتها للفت النظر إلى وضع آلاف الموريتانيين الذين لا يزالون يئنون تحت نير العبودية.
بعد أن تحررت عام 2008 انضمت إلى حركة " إيرا" الحقوقية والمناهضة للعبودية في موريتانيا، والتي كان لها الفضل في إنقاذها من "براثن ووحشية" المالك بحسب تعبيرها.
وتقول إنها تعلمت من خلال تجربتها أن تكون " قوية، وذات إرادة صلبة" للمطالبة بالمساواة بين المواطنين ومحاربة العبودية فيى بلدها والعمل على ذلك جدياً من أجل "إقامة مجتمع حر".
لم يكن هناك خيار أمام هابي "سوى مواجهة الأسياد والإقطاعيين الذين استعبدوها وما زالوا يستعبدون ويستغلون الفقراء وينتهكون القانون الذي صدر عام 2007 والذي يقضي بتجريم العبودية".
وتقول:" أطرق الأبواب، وأتحدث إلى مجموعات من الناس كل يوم، لأشرح لهم أنني قضيت 30 عاما في العبودية، ولم يعتريني أي يأس ولن أستسلم، بل سأواجه جميع من يملكون العبيد، ورجال الدين الذين يشرعون العبودية والحقوقيين الذين يصمون آذانهم وينكرون وجود العبودية في البلاد".
وتعيش حالياً هابي في خيمة مع ابنها، البالغ من العمر 11 سنة، والذي أنجبته من مالكها الذي "اغتصبها". ويساعدها في قوتها اليومي حركة إيرا التي تنتمي إليها، وفي هذا الصدد تقول:" خيمتي تكفيني، إنها خيمة الكرامة، يكفيني الآن أنني امرأة حرة، غذائي هو حريتي وكرامتي، ويساعدني الأصدقاء والمعارف في قوتي اليومي إلى جانب الحركة".
طفولة بائسة
تتحدث بنت رباح عن طفولتها وتقول: "عندما أخذني المالك من أمي، كان عمري أربع سنوات، كانت لي شقيقان وأخت صغرى، وكان ذلك آخر يوم أرى فيه وجوههم إلى أن تم تحريري".
كانت هابي تظن ببراءة طفلة، أن المالك الجديد أخذها لتكون مثل بناته، تلبس وتأكل وتفعل ما تشاء، ولم تدرك أنها أصبحت "أمة" في ذلك المنزل مدى الحياة، تعمل بلا أجر وأحياناً بلا طعام ولا رحمة.
لكنها أدركت لاحقاً أنها "مجرد عبدة" هناك وعليها إطاعة أوامر كل أفراد عائلة المالك دون اعتراض".
وتقول:" لم أكن أعامل كإنسان، كنت آكل بقايا الطعام، وإن لم يبقَ منه شيء، كان علي النوم من دون طعام. أما نومي فكان مع الدواب والإبل أو في المطبخ أو أي مكان، لم يكن لي مكان ثابت أنام فيه".
قامت بأعمال الكبار منذ نعومة أظافرها، وعندما كبرت قليلاً، كان عليها القيام بجميع الأعمال المنزلية والرعي وإطعام الدواب وأفراد المنزل.
لم يكن سهلاً عليها حمل الماء على ظهرها لأميال، كما لم يكن سهلا عليها تنظيف المنزل وتجهيز الطعام وخدمة المالك وزوجته وأبنائه، ومع كل ذلك، كانت تُضرب لأبسط الأسباب كما تقول.
اغتصاب
تقول هابي، لم تكن نساء العائلة يُظهرن من الرحمة أو الشفقة على حالها شيئا، "كانت تعامل تماماً كما الأنعام". ولم يكن باستطاعتها الغياب لدقائق من أجل الصلاة، كان عليها أن تستأذن في "كل تصرف مهما كان حجمه".
وتضيف:" لم يكن المالك يسمح لي بالصلاة، ودائما ما كان يردد بأن روحي وضيعة ولا تستحق الصلاة، وإنني هنا فقط للعمل".
أما زوجة المالك، فلم تعترض قط على اغتصاب زوجها لهابي، بل كانت "لديهم قناعة بأن الإنجاب سيزيد من ثروتهم البشرية، أي مزيد من العبيد للعمل بدون أجر".
أنجبت هابي طفلين من مالكها، مات صغيرها الذي كان معاقاً عندما كان في الخامسة من عمره، أما ابنها البالغ 11 سنة، فيعيش معها، وكانت قد حصلت عليه من المالك "الذي رفض تسليمه لها في البداية" إلى أن ساعدها الحقوقي بيرم ولد الداعبيدي زعيم حركة إيرا.
وبهذا الصدد تقول: "أنا فخورة جداً بابني، وسأعمل ما بوسعي ليصل إلى أعلى الدرجات".
وحول محاولتها أو أي من أفراد أسرتها تقديم شكوى لدى الشرطة بحالة استعبادها، تقول:" لم تأخذ السلطات شكاوى العبيد على محمل الجد، كانوا يقفون إلى جانب المالك، بحجة أن العبيد من أفراد عائلة المالك".
وتضيف: "كيف للشرطي أو القاضي أو أي من رجال السلطة إنصافنا إذا كانوا هم أنفسهم يملكون عبيداً وعلى الأرجح يعاملونهم نفس المعاملة السيئة؟".
وشرحت عملية تحريرها من المالك، وإن كانوا قد دفعوا المال أم حررت بطرق أخرى، تقول:" كان أخي بلال هو الآخر عبداً، لكنه هرب من مالكه مستنجدا بنشطاء من حركة إيرا الحقوقية المعارضة للحكومة. فساعده ولد الداعبيدي كما ساعدني وساعد الكثيرين من قبل، والذي ما يزال يعمل على نشر أفكار التحرر من العبودية في عموم البلاد.