تعلمنا من أجدادنا وآبائنا في أرض البحرين الطيبة صفات كلما كبرنا تمسكنا بها أكثر، لأنها تعكس بالفعل "أصالة" و"معدن" الإنسان البحريني.
هذا الإنسان الذي عرف منذ القدم بأنه مثال للكرم وحسن الخلق والشهامة، ولم يقدم يوماً نفسه -في السابق- على أنه "ذئب" بشري، أو "ثعلب ماكر" أو شخص تتجمع فيه الخصال السيئة.
بالتالي ما أثير عن موضوع تعرض بعض الشباب لفتيات وتعمدهم التحرش بهن في أحد المتنزهات المائية أمر يثير الغضب لمن تربى على صفات "الرجال الحقيقيين"، الرجال الذين لا يتنازلون عن ثوابت الشهامة والمروءة.
الحادثة تفيد بأن فتاتين تعرضتا لموقف معيب ومخجل من مجموعة شباب وصل لمستوى التعدي والتحرش. وجولة سريعة في وسائل التواصل الاجتماعي تكشف لك نوعيات غريبة من البشر، خاصة ممن حولوا "الضحية" إلى "مجرم" باعتبار أن اللبس غير المحتشم كان السبب فيما حصل!
معقول، أن نصل لهذا التبرير، وكأننا نقبل بالأفعال المخزية والمشينة، والتي تنعدم فيها سمات الرجل البحريني الأصيل من شهامة ومروءة، وفزعته للدفاع عن العرض والشرف؟!
لنفرض أن هناك تجاوزاً لا يمت لعاداتنا وتقاليدنا فيما يتعلق باللبس، أهذا مبرر ليتحول الطرف الآخر لـ"قاطع طريق" و"متحرش" وشخص "بذيء"، يتعرض لبنات الناس؟!
في البلد قانون، ولو كان ما حصل فيه خطأ فإن هناك جهات تطبق القانون، وللأسف هنا، نحن لا نتحدث عن فعل هدفه "تطبيق القانون" أو "الدعوة بأسلوب راقٍ" لمراعاة الذوق العام والاحتشام، نحن نتحدث عن فعل "ساقط" فيه تعدٍّ وتجاوز على حرمات الناس.
من قبل على نفسه التعرض لبنات الناس، وأعجبه هذا الأمر، ماذا سيكون موقفه لو كانت في الحادثة إحدى شقيقاته أو قريباته، هل سيقول بنفس ما قاله البعض "يستاهلون بسبب لبسهم"؟!
والله عيب، ليست "المراجل" هكذا، وحتى لو كان الأمر فيه وجهات نظر مختلفة، بعضها يرتبط بالدين والعادات والتقاليد، إلا أن التحضر يفرض على الإنسان "المحترم" ألا يتطاول على الآخرين.
ما يؤلم بأن هذا الفعل قد لا يحصل لو كان المستهدفون منه أجانب أو سياحاً في البلاد، لكن بنات بحرينيات، بغض النظر عن مستوى الانفتاح لديهن، يحصل هذا بهن، والمجتمع تصدر منه ردات فعل غريبة، وكأنها "تبيح" ما تعرضوا له، وكأنها عقوبة عادلة!
لسنا في "غابة"، نحن في مجتمع تضبطه القوانين، والناس لديها حقوق، وعليها واجبات، لسنا نقبل بالظواهر التي تسيء لديننا وعاداتنا وتقاليدنا، ولكن لسنا أيضاً مع الذي يبرر تصحيح الخطأ بخطأ جسيم أكبر منه، إذ لست أنت معنياً بتطبيق القانون بيدك، رغم أن ما حصل لا علاقة له بالقانون ولا الدعوة بالحسنى ولا شيء آخر، ما حصل "بلطجة" و"سوء أخلاق" و"انحطاط" لا يمت لصفات الرجال.
في الشقيقة المملكة العربية السعودية، وقبل أن يسمح للمرأة بقيادة السيارات، قام خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بسن "قانون للتحرش"، وذلك لحماية بنات المملكة، وكل امرأة تقود سيارتها على أرضها، من تصرفات فئات لا تمتلك شهامة ولا مروءة، فئات تتصرف كما قطاع الطرق لتؤذي بنات الناس.
لا بد أن تغلظ عقوبات التحرش والتعرض للآخرين لدينا، لا بد وأن تحفظ حقوق الناس، ترك المسألة تمر مرور الكرام هكذا له تداعيات خطيرة، إن كان فرد يتصرف بأسلوب غريب على المجتمع، لا يعني ذلك أن ترد عليه بأسلوب لا يطبقه إلا "رجال العصابات" و"قطاع الطرق".
لأولياء الأمور نقول بأن ترك الأبناء هكذا دون توعية، ودون ضبط ومراعاة لعادات المجتمع وما يأمرنا به الدين، مسألة لها تداعيات سلبية، وقد تكون سبباً في تعرض أبنائكم لمواقف لا يتمناها لهم أحد رصين محترم. في المقابل أيضاً على أولياء الأمور تنشئة أبنائهم، خاصة الأولاد على الأخلاق الحميدة، والصفات السوية، وغرس صفات الشهامة والمروءة والنخوة فيهم، لأننا في النهاية أمة عُرفت برجالها وغيرتهم وفزعتهم للحق ورفضهم للباطل، وشهامتهم وأخلاقهم الرفيعة.
ما حصل أمر مؤسف، وأكثر ما يؤسف فيه أننا رأينا "سقطة" مدوية لأخلاق الرجال. ما حصل لا توجد فيه ذرة شهامة ولا ذرة مروءة.