قال رئيس استراتيجية السلع لدى "ساكسو بنك"، أولي هانسن، في تقرير حول تحديث السلع الأسبوعي، إن الأسواق تركن للهدوء عادة في شهر أغسطس، ولكن الأحوال تغيّرت بشكل كبير هذا العام، حيث شهدت الأسواق توترات ناجمة عن التصعيد المتواصل لخطابات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وساهمت مخاوف المستثمرين في زيادة المخاطر المستقبلية على الطلب والنمو العالميين.
وتفاقمت التوترات الجيوسياسية جراء العقوبات الإضافية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا وتركيا، مع استئناف العقوبات المفروضة على إيران، مما قد ينجم عنه أزمة إمدادات قريبة بالنسبة للنفط الخام، تؤدي إلى تحويل التركيز الحالي بعيداً عن التأثيرات السلبية للحرب التجارية على الأسعار.
وتمثلت آخر الأزمات التي ضربت الأسواق في الأزمة المالية التي عصفت بتركيا الأسبوع الماضي عندما تهاوت الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي في لحظة واحدة، لتخسر أكثر من 35% من قيمتها.
ولعبت تحذيرات البنك المركزي الأوروبي بشأن المخاطر المحتملة على البنوك الأوروبية من الليرة المنهارة في دفع أسعار اليورو نحو أدنى مستوياتها خلال 14 شهراً، مما أضاف مزيداً من الدعم للقوة المستمرة للدولار لعدة أشهر حتى الآن، على الأقل قياساً بعملات الأسواق الناشئة.
وخلال الشهر الماضي، لعبت قوة الدولار وانخفاض مستوى النمو الناجم عن الحرب التجارية دوراً في تراجع أسعار الطاقة (باستثناء الغاز الطبيعي)، مع ارتفاع احتمالات توجه الصين مجدداً نحو دعم اقتصادها بإطلاق برنامج تحفيز رئيسي.
وساهم ذلك في وقف التراجع الذي تعاني منه أسعار المعادن الصناعية، حيث وجد النحاس بعض الدعم الإضافي نتيجة خطر تعرض إمدادات أكبر مناجم العالم في تشيلي للاضطرابات على وقع خطوات الإضراب المرتقبة.
كما شهدت الأشهر القليلة الماضية ارتفاعاً في أسعار القمح عالمياً، فيما استمرت توقعات الإنتاج في أوروبا وأستراليا ومنطقة البحر الأسود بالتدهور.
وتضرر إنتاج القمح والذرة وبذور اللفت في مراكز الإنتاج الرئيسية هذه بشدة جراء الحرارة الشديدة وقلة الأمطار، وفي الدنمارك حيث يوجد المقر الرئيسي لـ"ساكسو بنك"، أدى الصيف الأكثر دفئاً وجفافاً منذ عام 1874 إلى انخفاض الإنتاج بنسبة 40%.
وتركت الرسوم الجمركية الصينية على واردات فول الصويا من الولايات المتحدة الأمريكية، والتدهور الأخير "من قاعدة قوية" لظروف المحاصيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وأزمات الطقس المذكورة أعلاه في جميع أنحاء العالم، السوق يائسة للحصول على بيانات قوية لتوفير المزيد من التوجيهات السعرية.
وفي 10 أغسطس، ستصدر وزارة الزراعة الأمريكية تقريرها الشهري حول "العرض والطلب العالمي للمنتجات الزراعية"، والذي يوفر بيانات السوق حول العائد والإنتاج ومخزون المحاصيل الثلاثة الرئيسية، وبوصفه أول تقارير الموسم التي تشمل المسوحات الميدانية للمحاصيل الأمريكية، يميل تقرير أغسطس تقليدياً نحو إحداث بعض التقلبات الكبيرة في الأسعار.
ويواصل الذهب بحثه عن الدعم بعد انخفاض أسعاره بنسبة 12% من أعلى مستوياته في أبريل عند 1.365 دولار للأونصة، وأظهر المشترون مؤشرات على العودة خلال الأسبوع الماضي، حيث استمر المعدن الأصفر في إيجاد الدعم فوق عتبة 1200 دولاراً للأونصة، وهو المستوى الذي قدم الدعم في عدة مناسبات خلال العامين الماضيين.
وظهرت آخر تحديات الدعم على خلفية القوة الإضافية لأسعار الدولار التي أعقبت الانهيار المتسارع لأسعار الليرة التركية، ومع ذلك ساعد الخوف من انتشار عدوى تدهور سعر صرف الليرة التركية في استقطاب بعض عروض الملاذ الآمن، والتي لم تثبت حضورها الفاعل خلال الأشهر القليلة الماضية.
وخلال هذا الوقت، توجهت السوق نحو التركيز على الارتباط الكبير بين الذهب واليوان الصيني، حيث شهد كلاهما نسبة ضعف كبيرة.
ومع توجه الين الياباني نحو أضعف إقفال أسبوعي له منذ أكثر من عام، يحتمل أن تستمر أسعار الذهب في شقّ طريقها بصعوبة ما لم نبدأ برؤية تهديد حقيقي لاستقرار البنوك الأوروبية مع أكبر انكشاف لتركيا.
وواصلت صناديق التحوّط بيع الذهب خلال الأسبوع الأخير من التقرير وصولاً لـ 31 يوليو، وبلغ صافي صفقات البيع أرقاماً قياسية جديدة مع قفزة رئيسية بنسبة 51% مدفوعة بزيادة أخرى في إجمالي عمليات البيع إلى 153.596، والذي يعد رقماً قياسياً، وحافظ المستثمرون الحذرون على قوتهم في الوقت الحالي، بانتظار التحدي المتمثل بالاتجاه الصعودي، وبالتالي، يحمل تغيير توقعات الدولار على المدى القصير، أو التركيز المتزايد على الطلب على الملاذ الآمن في طياته مخاطر للمستثمرين الحذرين ممن ينتظرون هذا الاتجاه.
وبقيت أسعار النفط الخام عالقة بشدة بين قوتين متعارضتين حالياً، وخلال الشهر الماضي، ساعدت المخاوف بشأن الحرب التجارية وزيادة حجم العرض من "أوبك" وروسيا، في الحد من مخاوف الأسواق بشأن أزمة العرض التي تلوح في الأفق عندما تفرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات إضافية على إيران في نوفمبر، وعادت أسعار خام برنت إلى أدنى حدودها من نطاقها الثابت بين 71-81 دولاراً للبرميل، وهو مجال أشرنا إليه في توقعاتنا للربع الثالث.
وأشار تقرير النفط الصادر عن وكالة الطاقة الدولية في أغسطس إلى تراجع حدة المخاوف بشأن المعروض، نتيجة ارتفاع الإنتاج وتراجع الطلب خلال الربعين الثاني والثالث، وفي المقابل، أشارت الوكالة الدولية للطاقة: "بالتزامن مع دخول العقوبات النفطية ضد إيران حيز التنفيذ، وربما مع مشكلات الإنتاج في أماكن أخرى، قد يتسم الحفاظ على حجم الإمدادات العالمي بالصعوبة، وسيأتي على حساب الحفاظ على سوية احتياطية مناسبة".
ولا تزال ملامح التأثير الفعلي للعقوبات المتجددة ضد إيران غير واضحة، ولكن التخفيض في الحد الأعلى من التوقعات - أكثر من مليون برميل يومياً - سيترك السوق في حالة ضيق شديدة من شأنها دفع الأسعار نحو الارتفاع.
وستستمر معركة البحث عن الدعم عند 71 دولاراً للبرميل على المدى القصير، وبالنظر إلى وضع النفط الخام الذي تمتلكه الصناديق في الوقت الراهن، نجد أن السوق غير مستعدة لمزيد من الضعف، ومع تراجع مركز إجمالي صفقات الشراء "المنطقة الزرقاء" بنسبة الثلث تقريباً منذ الرقم القياسي الذي سجلته في يناير، يقترب مركز إجمالي صفقات البيع على المكشوف "المنطقة الحمراء" حالياً من أدنى مستوياته خلال السنوات الست الماضية.
ولرفع توقعاتها للطلب العالمي لعام 2019 بشكل طفيف إلى 1.5 مليون برميل يومياً، لم تلحظ الوكالة الدولية للطاقة بعد أي تأثير سلبي على الطلب من الحرب التجارية الحالية، وفيما يصعب استبعاد خطر تأثيرها على المدى الطويل، إلا أننا نعتقد أن التركيز على المدى القصير سيتحول في نهاية المطاف نحو زيادة مخاطر تحديات العرض، ليس من إيران وحدها، بل من المؤشرات الأخيرة التي تشير إلى تباطؤ نمو الإنتاج الأمريكي جراء استمرار القيود على خطوط الأنابيب.