الرأي

عبدالعال الباقوري الصحفي المتميز والصديق المخلص صاحب القيم والمبادئ

تزاملت مع عبد العال الباقوري في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حيث التحقنا بالكلية عام 1961 ثم تخرجنا عام 1965 نحن ننتمي لمحافظة أسيوط وفي الشهادة الثانوية كان هو الأول على المحافظة وكنت أنا الثاني على المحافظة ولم يكن أي منا يعرف الآخر في أسيوط وإنما تزاملنا في الكلية وتعرفنا ببعضنا ودامت الزمالة حتي شاء الله أن يختار عبد العال إلى ملكوته رحمه الله. وكان عبد العال كصحفي رجل مبادئ وكنا نختلف كثيراً في مناقشاتنا ولكن كان اختلافنا فكرياً وسياسياً فكان ناصريا ًيسارياً وكنت إنساناً محافظاً لم تستهويني أية أفكار سياسية سوى من أجل القراءة والتعلم فقط فقد حصلت على الدكتوراه في الثورة الثقافية الصينية وقرأت كل الفكر الصيني واليساري ولم أعتنق أي من تلك الأفكار أو غيرها وإنما كمثقف محايد تماماً وربطت المودة بيننا واستمرت حتى اللحظات الأخيرة من الحياة الدنيوية لعبد العال الباقوري رحمه الله وكان ما يثير إعجابي بعبد العال كزميل هو التمسك بمبادئه والثقافة العريضة وكنا نختلف في جذور الثقافة فأنا كنت أكره كافة الأحزاب السياسية ولدي نزعة زهد صوفية اتصالًا بجدي لأمي الذي كان شيخ طريقة في محافظة أسيوط وتعلمت منه الثقافة الدينية والابتعاد عن السياسة الحزبية لتنافيها مع الزهد الصوفي. ولكن كنا صعايدة والصعايدة دائماً يقتربون من بعضهم بعضاً خاصة إذا كانت لدى كل منا القيم المشتركة وحب الوطن بلا قيود. كان جده عمدة نزلة باقور يبدو أنه تمت تسميته على جده فهو عبد العال محمد عبد العال. أما أنا فكان جدي لأبي من أغنياء القرية ولا يهتم بالسياسة وجدي لأمي رجل تصوف ولا يهتم بالسياسة وتعلمت منهما العمل والاجتهاد بعيداً عن السياسة الحزبية أو الأيديولوجية. ولم يكن منهج أي من جدودي أن يسمي أحفاده باسمه وكان كل منهما مؤمناً بالتعليم والحزم مع أولاده وأحفاده وكان الحزم في حالتي أكثر شدة وصرامة بعد أن أخفق بعض أبناء جدودي ومن هنا أصرا على تقوية روح الاجتهاد فينا وربما كان جد عبد العال كذلك فلم نكن نعرف بعضنا قبل الانضمام للكلية بل كان كل منا ينتمي لمركز فأن من مركز ابنوب وهو من مركزأبو تيج. وعندما تخرجنا من الكلية كان ثمة مفارقة فكان هناك في دفعة 1965 أربع شخصيات فقط حصلوا على تقدير جيد جداً الأولى والثانية شابتان والثالث والرابع شابان كنت الثالث وعبد العال الرابع. وشاء الله أن ينضم عبد العال للصحافة والإعلام في الاتحاد الاشتراكي ثم جريدة الجمهورية وجريدة الأهالي ونحو ذلك أما أنا فقد التحقت بوزارة الخارجية وكانت علاقتي بالصحافة هي الكتابة فقط بمقالات تعلمت فيها من أستاذي الدكتور بطرس غالي وأهم ما تعلمته المرونة والعقلانية ثم زاد هذا التعلم أستاذي الدكتور عصمت عبد المجيد وزير الخارجية وكنت أعمل بمكتبه وشجعني على نشر المقالات المتوازنة والعقلانية والكتابة الهادئة وأستاذي السفير في النرويج جمال نجيب وعلى الرغم من ذلك كنت انتقد استاذهما محمود فوزي لحرصه الشديد ومواقفه الأكثر غموضاً أو مرونة. ولكنهما بحكمتهما لم يغضبا مني كتلميذ مجتهد بل شجعاني على الاستمرار في الكتابة الصحفية. ولكن عبد العال رجل المبادئ والإخلاص استمر في الصحافة بكل متطلباتها من مواقف وآراء وأفكار وسلوكيات. وأنا استمريت بالخارجية بمواقف وآراء وأفكار عكس عبد العال فأساس النشأة كان مختلفاً والصداقة جمعت بيننا كصعايدة ومن نفس المحافظة والتفوق في الدراسة والتمسك بقيم صعيدية من حيث المودة في القربي واحترام الآخرين مهما كان الاختلاف في الرأي والمودة في الاأل وذوي العلم حتى وإن كان الاختلاف بيننا مستمراً من الناحية النظرية. وكما يقول المثل اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية. كان عبد العال نموذجاً للوطني المتمسك بقيم الوطنية الناصرية والعروبة وكنت كذلك، وكان نموذجاً للاشتراكي المتمسك بقيم الاشتراكية وكنت عكس ذلك تماماً. ولكن الاختلاف في الرأي لم يؤثر على علاقاتنا. وظلت المودة قائمة حتى بعد أن تزوج كل منا وأنجب ذرية. كان عبد العال صحفياً مخلصاً ومحباً لمهنة الصحافة وكنت دبلوماسياً مخلصاً لمهنة الدبلوماسية. وزميلنا الصحفي القدير والمتميز محمد أبو الحديد كان أكثرنا انغماساً في الصحافة منذ كتابته في صحافة الكلية وكان نموذجاً للمثقف صاحب الرأي الهادئ والحكمة البليغة أطال الله عمره. تلك كلمات موجزة في ذكرى صديق صعيدي تزاملنا في الجامعة وتصادقنا فيما بعدها ولم نفترق سوى نتيجة متطلبات المهنة ومقتضيات العمل فعاش هو غريبا بضع سنوات في الامارات يعمل صحفيا في جريدة الاتحاد الاماراتية وأما أنا فعشت في أمواج الدبلوماسية وتنقلاتها من أقصي الشمال الاوربي مثل النرويج لاقصي الشرق في الصين ومن أقصي بلاد الحر في الامارات والكويت والهند إلى أقصى البرد في النرويج وإلى حد ما في نيويورك وظل التواصل حينا وانقطع بسبب الغربة حينا اخر وظل عبد العال زميلا مخلصا وصديقا وفيا. رحم الله عبد العال الباقوري الذي حمل اسم قريته وفيا لها ولوطنه مصر الحبيبة ولعروبته حتى وإن لم توفه بما يستحق من علم وإخلاص وتفان في حب الوطن. واتمني لاصدقائه وزملائه من الاعلام وخاصة في جريدة الجمهورية التي أفنى فيها معظم سنوات عمره أن يكرموه ويودون أسرته بمودة الزمالة الصحفية والاعلامية ودعواتي بأن تقتدي به ذريته من حب الوطن وحب الاعلام وحب الصعيد وحب العمل مثلما كان عبد العال مهما تكن الظروف الصحية التي عانى منها في أخريات حياته حتى تغمده الله برحمته.