الحديث عن المناضلين في العالم، لا يقتصر على المقاتلين في صفوف الجيوش الوطنية، التي تدافع عن أوطانهم، وكيانهم، أو المتصدرين والمتسيدين للمشهد الصحفي والإعلامي منادين بالحرية والديمقراطية، أو الجالسين خلف شاشات الحاسوب ينتقدون، ويروجون لأفكار، ليس هنا محل الحكم عليها سواء بالسلب أو الإيجاب.
المناضل الذي أتحدث عنه اليوم، من نوع خاص، طفل لا يتجاوز عمره ثماني سنوات، يقطع مسافة حوالي 5.4 كيلو متر يومياً، وتستغرق رحلته حوالي ساعة - في ظروف طقس صعبة للغاية - من منزله إلى مقر نضاله. إنها مدرسته الابتدائية الحريص على عدم التغيب عنها يومياً، من أجل العلم والتعلم، لا من أجل أمور أخرى كثيرة، في ظروف قد تكون أكثر تناسباً من ظروف هذا الطفل.
تصدرت صورة هذا الطفل الصيني الذي غطى الثلج شعر رأسه ورموشه وجمدهما، مواقع التواصل الاجتماعي وتناقلته الصحف ووسائل الإعلام، وحين سأل هذا الطفل عن شعوره، فأنظر ماذا كان رده أيها القارئ الموقر، «إنني أشعر بالبرد حين أذهب إلى المدرسة، ولكن الأمر ليس صعباً بالنسبة لي» وعندما سأل عن أمنياته، قال «أن أزور بكين – عاصمة الصين- وأن أكون ضابطاً في الشرطة الصينية، لأن الضباط يستطيعون أن يلقوا القبض على الأشخاص السيئين».
هذه الصورة –مع بعض الاختلافات- يشاهدها من نشأ وترعرع في الريف المصري، فغالباً ما كانت المسافة كبيرة بين مقر المدارس وبعض القرى المحيطة بها، يقطع الطلاب عدة كيلو مترات ضعف أو ضعفين وفي بعض الحالات ثلاث أضعاف المسافة التي يقطعها الطفل الصيني للذهاب إلى مدرسته. في ظل بنية تحتية فقيرة للغاية، وشتاء قارس، حرص الطلاب المصريين على الذهاب لمدارسهم، في الزمان الذي ليس ببعيد، حباً في المدرسة والتعليم والقائمين على التدريس. لقد ظلت هذه الصورة ساكنة عقل ووجدان المصري، ولكن للأسف الشديد لم تلتقط كاميرا أحد المصورين لأي طفل مصري ورحلته للمدرسة في الشتاء والصيف على السواء، وما كان يتحمله من مشقة في سبيل نضاله العلمي.
أما الآن يا سادة فالمدارس كثيرة- ونعترف أننا نحتاج المزيد- ولكنها خاوية من مريديها. ويفضل التلاميذ وذويهم التركيز على الدروس الخصوصية في المنازل أو المراكز، عن المدارس. وذلك على الرغم من المجهودات الجبارة التي تقوم بها الدولة في البنية التحتية، وتحسنها كثيراً عن السنوات السابقة.
يا سادة بناء الدول ببناء المواطنين، وليس بالاكتفاء بتشييد المدارس وفق أحدث النظم والمواصفات العالمية، بناء الدول ببناء الأطفال وتعليمهم حب أوطانهم، وحب العلم، وأن العلم يبني الأمم، والجهل يهدمها.
ما أشد الحاجة إلى بناء الإنسان والمواطن العربي علمياً ووجدانياً من الصغر، ونعلمهم أن النضال من أجل العلم والتعلم واجب وضرورة لتحقيق نهضتنا، وأحلامنا في بناء دولنا قوية شامخة، لنا في الحاضر، ولهم في الحاضر والمستقبل.
* كاتب وأكاديمي مصري
المناضل الذي أتحدث عنه اليوم، من نوع خاص، طفل لا يتجاوز عمره ثماني سنوات، يقطع مسافة حوالي 5.4 كيلو متر يومياً، وتستغرق رحلته حوالي ساعة - في ظروف طقس صعبة للغاية - من منزله إلى مقر نضاله. إنها مدرسته الابتدائية الحريص على عدم التغيب عنها يومياً، من أجل العلم والتعلم، لا من أجل أمور أخرى كثيرة، في ظروف قد تكون أكثر تناسباً من ظروف هذا الطفل.
تصدرت صورة هذا الطفل الصيني الذي غطى الثلج شعر رأسه ورموشه وجمدهما، مواقع التواصل الاجتماعي وتناقلته الصحف ووسائل الإعلام، وحين سأل هذا الطفل عن شعوره، فأنظر ماذا كان رده أيها القارئ الموقر، «إنني أشعر بالبرد حين أذهب إلى المدرسة، ولكن الأمر ليس صعباً بالنسبة لي» وعندما سأل عن أمنياته، قال «أن أزور بكين – عاصمة الصين- وأن أكون ضابطاً في الشرطة الصينية، لأن الضباط يستطيعون أن يلقوا القبض على الأشخاص السيئين».
هذه الصورة –مع بعض الاختلافات- يشاهدها من نشأ وترعرع في الريف المصري، فغالباً ما كانت المسافة كبيرة بين مقر المدارس وبعض القرى المحيطة بها، يقطع الطلاب عدة كيلو مترات ضعف أو ضعفين وفي بعض الحالات ثلاث أضعاف المسافة التي يقطعها الطفل الصيني للذهاب إلى مدرسته. في ظل بنية تحتية فقيرة للغاية، وشتاء قارس، حرص الطلاب المصريين على الذهاب لمدارسهم، في الزمان الذي ليس ببعيد، حباً في المدرسة والتعليم والقائمين على التدريس. لقد ظلت هذه الصورة ساكنة عقل ووجدان المصري، ولكن للأسف الشديد لم تلتقط كاميرا أحد المصورين لأي طفل مصري ورحلته للمدرسة في الشتاء والصيف على السواء، وما كان يتحمله من مشقة في سبيل نضاله العلمي.
أما الآن يا سادة فالمدارس كثيرة- ونعترف أننا نحتاج المزيد- ولكنها خاوية من مريديها. ويفضل التلاميذ وذويهم التركيز على الدروس الخصوصية في المنازل أو المراكز، عن المدارس. وذلك على الرغم من المجهودات الجبارة التي تقوم بها الدولة في البنية التحتية، وتحسنها كثيراً عن السنوات السابقة.
يا سادة بناء الدول ببناء المواطنين، وليس بالاكتفاء بتشييد المدارس وفق أحدث النظم والمواصفات العالمية، بناء الدول ببناء الأطفال وتعليمهم حب أوطانهم، وحب العلم، وأن العلم يبني الأمم، والجهل يهدمها.
ما أشد الحاجة إلى بناء الإنسان والمواطن العربي علمياً ووجدانياً من الصغر، ونعلمهم أن النضال من أجل العلم والتعلم واجب وضرورة لتحقيق نهضتنا، وأحلامنا في بناء دولنا قوية شامخة، لنا في الحاضر، ولهم في الحاضر والمستقبل.
* كاتب وأكاديمي مصري