لا يجب أن يهدأ موضوع الشهادات المزورة بطريقة وكأن أمامنا حدثاً عادياً، لأن ما حصل رغم كونه نصباً وتحايلاً و«جريمة» أدبية لا تغتفر، هو أمر يوقع ظلماً وغبناً كبيراً على عدد ليس بالقليل من أبناء الوطن الذين تعبوا على أنفسهم واجتهدوا في دراستهم.

ردود فعل غاضبة من شباب مخلصين لهذا الوطن بسبب هذا الموضوع، ونحن معهم في هذا الأمر، إذ ما ذنبنا ونحن الذين درسنا في جامعات بالخارج، دراستها أصعب ما تكون، وسهرنا وتعبنا في إعداد بحوثنا ودراسة التخرج بطريقة معقدة، وناقشناها أمام لجان رفيعة المستوى من بروفيسورات أجانب، بروفيسورات حقيقيين، بعضهم تخرج من جامعات عريقة كأكسفورد وهارفارد، ما ذنبنا حين يأتي «سارق» و«لص» لشهادة ماجستير أو دكتوراه ليتساوى معك.

أشعر بالغضب فعلاً، وهو شعور طبيعي لأي شخص تعب في دراسته، ومر بالكثير لينجزها على الوجه الأكمل ليشرف بلاده، وليفتخر في حفل تخرجه بجامعات أجنبية لا تعرف أنصاف المستويات، ولا تعترف إلا بالقيم والجيد، حتى يأتيني شخص اشترى شهادة بـ500 دولار، ليقف معي في نفس المستوى والصف؟!

هذا لسان حال كثيرين استاؤوا من هذا الموضوع، واليوم هم أقوى المتفاعلين مع توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء حفظه الله، هذا الرجل كبير القامة الذين لا يقبل من أبنائه إلا الأفضل، وهو الداعم لهم والمحفز لهم على الإنجاز العلمي وتحقيق أعلى المستويات.

حينما أتممت دراسة الماجستير بدرجة الامتياز من أحد أعرق الجامعات البريطانية، لم أعتبر ذلك مجداً شخصياً، بل هو إنجاز لأحد أبناء الوطن المخلصين، وأصررت أن تكون أول ثلاث نسخ أتشرف بتسليمها لجلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد حفظهم الله. ولا أنسى كلمات جلالة الملك وفخره بالرسالة وقوله لي: «أهم ما فيها يا فيصل أنها لأجل البحرين ومن ابن مخلص للبحرين»، وكذلك سمو رئيس الوزراء الذي حثني على مواصلة الدكتوراه من بعدها، أما سمو ولي العهد فقد اقتطع من وقته الثمين أكثر من عشر دقائق في مجلس يتصفح الرسالة ويسألني عن الجامعة وعن طرائق البحث التي استخدمتها وعن الشخصيات التي تضمنتها المقابلات والأهم توصيات الرسالة.

لذلك حينما نكتب اليوم عن موضوع الشهادات المزورة نكتب بحرقة بالغة، ولسنا نكتب لأن الموضوع وليد اللحظة، بل سنوات والناس تتحدث عن حالات غريبة تبرز في مجتمعنا الصغير، لشخصيات تخرج فجأة برسائل دراسات عليا دون أن يصاحبها علم بأن أصحابها يقضون سنتين بالنظام الجزئي أو سنة بالنظام الكلي بالنسبة لرسائل الماجستير، أو ست سنوات بالنظام الجزئي أو ثلاث سنوات بالنظام الكلي لرسائل الدكتوراه، لكن يومها كنا نفتقر للدليل والإثبات، ولا يمكن اتهام الناس ظلماً، رغم وجود مؤشرات تبعث على الريبة والشك. لكن اليوم تثار الزوبعة وتتحدث مؤسسات أجنبية بإثباتات وأسماء ومناصب وجامعات وهمية وعمليات نصب واحتيال، بالتالي لا يعقل أن تقف الدولة ساكتة، والدولة ولله الحمد تحركت بكل قوة، والحكومة بقيادتها وجهت بشكل صارم لتصحيح الأوضاع.

اليوم باسمي وباسم كل بحريني درس في الداخل وتعب في دراسته، أو درس في الخارج وتغرب وبذل الجهد ليتحصل على درجته العلمية، نطالب الجهات المسؤولة بالصرامة في التعامل مع هذا الموضوع، وعدم التهاون فيه. من مارس النصب والاحتيال في شهادة علمية، إنما هو ينصب على الدولة والمجتمع، ويأخذ بدون وجه حق موقع ورزق آخرين هم أحق منه.

لو الأمر بيدي لن أهدأ إلا حين تفضح الأسماء ويعرفهم الناس، لأن هؤلاء لم يحترموا القانون ولا الناس، بالتالي لا يستحقون الستر عليهم، هم كما اللص والمجرم الذي يجب أن يعاقب وأن يعرفه الناس ويعرفوا عاقبته، حتى يكون مثالاً لمن تراوده نفسه.