قلنا أكثر من مرة بأن أسلوب المعالجة لأي قضية هو الفيصل في عملية حلها.

بالتالي حينما تثار أية قضية، وتصبح قضية رأي عام يتداخل فيها الجميع، سواء في وسائل التواصل الاجتماعي أو الصحافة أو المجالس والتجمعات، فإن الخطوة التالية المطلوبة هي تصحيح المسارات من قبل الجهات الرسمية والمعنية في البلد، باعتبار أننا بلد مؤسسات وقانون، ولسنا في غابة يحق لأي فرد فيها فعل ما يريد.

وعليه، حينما يموج المجتمع ويتحدث في قضية ما، تعودنا على التفاعل السريع من قبل كبار المسؤولين في الدولة، وهذا في الغالب يحصل، سواء عبر تدخل وتوجيه كريم من جلالة الملك حفظه الله رأس السلطات، كما حصل في موضوع التقاعد وغيره من مواضيع، أو من خلال التدخل والتوجيه الذي تعودنا عليه دائماً من رأس الحكومة صاحب السمو رئيس الوزراء حفظه الله، كما حصل في موضوع الشهادات المزورة والوهمية وغيرها من مواضيع، أو من خلال التدخل والتوجيه أيضاً من قبل صاحب السمو ولي العهد حفظه الله كما حصل في موضوع الإسكان وغيره من مواضيع.

الفكرة هنا التي نريد إيصالها، بأن التفاعل السريع والإيجابي من قادة البلد موجود، وهو الضمانة التي يمكن أن يعول عليها الناس، ويثقوا بأن صوتهم مسموع، ومطالبهم يتم التفاعل معها، وحقوق من يمتلك الحق لن تضيع.

المشكلة حينما ننسى الخطوات السليمة لحل أي مشكلة أو التعامل مع أي قضية، بمعنى أن القضية تطرح وتشبع نقاشاً، وتتداخل فيها أطراف عديدة، وبعض منها -وهم الأخطر- لديهم أجندات خبيثة ومعروفة، اتركوا عنكم أسطوانة «الخوف على الوطن»، لأن من يدعون خوفهم عليه، هم أصلاً باعوه في وقت كان كيان الوطن على المحك، ففكروا في أنفسهم والوطن ككيان وامتداد تاريخي ليذهب «إلى الجحيم»، وطبعاً هناك فئات للأسف بات الإحباط واليأس متغلغلاً فيها لحد غير معقول، فترى التشكيك في كل شيء، ولا توجد أية ثقة في الإجراءات المطلوب اتخاذها، وفي هذا التعاطي ظلم أيضاً مع الجهود التي تبذل، خاصة لو كانت جهوداً صادقة.

نعم دور المجتمع مهم ومطلوب في عملية التفاعل والضغط والمطالبة بالمعالجات وعدم ترك الخطأ يسود، لكن المشكلة تكمن في الأسلوب، فعمليات محاربة الفساد هي أساس لا يمكن التخلي عنه، والدولة ملزمة به وفق شعاراتها المعلنة بشأن التصدي للفساد والمفسدين، لكن لا يعقل بموازاة ذلك أن يتحول أفراد في المجتمع أو جماعات لما يشبه «المحقق» و«القاضي» و«الجلاد» الذي ينزل العقوبة في نفس الوقت!

إن تحول الفرد إلى مصدر للتشهير بالآخرين، وسوق الاتهامات وافتراض الافتراضات، وحشر أسماء هنا وهناك، بغض النظر لو كان لديه موقف شخصي منها أو لا، فإننا بالتالي نحرف مسار عمليات التصحيح، ونحول الظاهرة العامة المعنية بخطأ معين يتضرر منه المجتمع، وكأنها ظاهرة خاصة مرتكزة على عمليات انتقام أو تصفية حسابات، وهذا خطأ جسيم.

لا يصح أبداً تصحيح الخطأ بخطأ، لذلك وضعت القوانين والأنظمة واللوائح، والأجهزة الأمنية والقضائية لتمثل «الضمانة» في الحفاظ على الحقوق، وحتى في حماية المتهم لحين إثبات إدانته. لا يمكنني اليوم كفرد أن أمنح نفسي صلاحيات «نيابة عامة»، أو صلاحيات «قاضي» يصدر الأحكام، لأنني لست في موقع التحقيق ولا فضح المتهمين، ولا في موقع إصدار الأحكام وإنزال العقوبات.

نعم لدينا دورنا الرقابي، وهو دور مطلوب أن نمارسه كمجتمع، لكن يفترض ممارسته بوعي وحصافة، عمليات التشهير ليست سلوكاً حضارياً أبداً، ولذلك وجدت جهات تستقبل الشكاوى والبلاغات المعنية بعمليات الفساد وغيرها، وهي تشترط وجود الأدلة الدامغة التي تثبت هذه العمليات، بالتالي إن توجهت لها وزودتها بكل ما عندك، فأنت تقوم بدورك الصحيح بمسؤولية تامة، لكن إن نسفت أدوار الجهات المسؤولة وأخذت تشهر بالناس وتتهمهم -حتى لو كانت التهم مثبتة- فأنت تجاوزت وضعك كمواطن يريد الإصلاح، وهدفك التشهير والتشفي ليس إلا.

لذلك نحن نقول دائماً في شأن الفساد والأخطاء، بأن الجهات الرسمية المعنية حينما تثبت قضية ما، وفيها تطاول على مصلحة عامة بالمجتمع أو مال عام، فإن المطلوب «فضح» هؤلاء المتجاوزين والمفسدين، لأن فضحهم لازم كون القضية معنية بالمصلحة العامة وليست قضايا شخصية، وبنفس الآلية لا يجب تحويل القضايا العامة لقضايا شخصية، لأن هذا خطأ جسيم، من شأنه أن يحرف القضية تماماً عن مسارها، وبالتالي يضيع الحق تماماً فيها، وتنتهي بلا نتيجة وتذهب ريحهها، ولا يبقى إلا الغبار!