تنشغل أوساط تجار الأعمال الفنية البدائية الذين اجتمعوا أخيراً في باريس، بالعهد الذي قطعه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الماضي، حول إعادة التراث الأفريقي المسلوب إلى أصحابه، مع تحذيرات من إشكاليات محتملة قد يطرحها مبدأ إعادة الأعمال الفنية إلى بلدانها الأصلية.

ويحذر خبراء وأصحاب قاعات عرض فنية شهيرة شاركوا في الأيام الماضية في ملتقى باريس للمتخصصين في القطاع من أن وعد ماكرون "غير قابل للتطبيق” وقد يفتح الباب على مشكلات جمة، من دون إخفاء مخاوفهم وحتى استيائهم.

ويقول المحامي المتخصص في تجارة الأعمال الفنية إيف برنار دوبي "الإعادة تعني إرجاع ما أخذناه، هذا الأمر يفترض وجود جهة حائزة لعمل بشكل غير قانوني من جهة ومالك سليب الحق من جهة ثانية، وهو ما لا ينطبق هنا”.

ومن البرامج التلفزيونية إلى الصحف، تحول هذا الخبير القانوني البلجيكي إلى صوت معارض لإعادة الأعمال الثقافية "المنهوبة” خلال الحقبات الاستعمارية والتي تطالب بها بعض البلدان الأفريقية.

ويقول خبير فرنسي شهير "لحسن الحظ أنه موجود”، معتبراً أنه من الصعب "مخالفة أصول اللباقة والتصرف”، رغم أنه يشاطره الرأي في طروحاته.

ويوضح جوليان فولبيه أمين متحف ترفورين البلجيكي أحد أبرز مواقع عرض الأعمال الفنية الأفريقية "إذا أعلنا معارضتنا للإعادة نُتهم بالعنصرية أو بالنزعة الاستعمارية الجديدة، كثيرون لا يرغبون في أن يوسموا بمثل هذا الوصف فيما هم بعيدون كل البعد عنه”.

ويضيف هذا الأستاذ الجامعي المتخصص في الفنون الأفريقية "هي مسروقة؟ في أوروبا أيضا نُهبت قطع فنية”.

ونشأ الجدل بعد مطلب تقدم به رئيس بنين باتريس تالون، ففي 2016، طلب هذا الأخير من فرنسا إعادة جزء من الكنوز العائدة إلى مملكة داهومي والتي استولت عليها القوات الفرنسية بين 1892 و1894 وباتت معروضة في متحف كيه برانلي في باريس.

وبعد رفض فرنسي قاطع في باديء الأمر، لقي هذا الطلب آذانا صاغية لدى الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي وعد من بوركينا فاسو بـ”إعادة التراث الأفريقي السليب إلى أفريقيا” ثم أوكل لأستاذين جامعيين من فرنسا والسنغال مطلع العام الحالي مهمة تحديد الظروف المحتملة لإتمام هذه العملية. ومن المتوقع أن يصدرا تقريرهما في نوفمبر.

لكن إيف برنار دوبي يرى أن هذا الوعد "غير قابل للتطبيق”، مشيراً إلى أن مجموعات المتاحف الفرنسية محمية بموجب قانون التراث، ويضيف "لا يمكن بيعها ولا وهبها”.

وتنص معاهدة لمنظمة اليونسكو موقعة في 1970 على إعادة المقتنيات الثقافية إلى بلدانها الأصلية إذا كانت ملكيتها غير قانونية، لكن من دون مفعول رجعي.

وفي استثناء نادر، أعادت فرنسا في 2010 إلى كوريا الجنوبية مخطوطات ملكية تطالب بها سيول منذ زمن بعيد، ويقول إيف برنار دوبي "حصل تحايل على القانون وقُدمت إعارة قابلة للتجديد، لكن اقرأوا ما ورد في الصحافة، هي نظرت إليها على أنها إعادة”.

وتعتبر جوديت شوفل دو فابري وهي صاحبة دار للمعارض الفنية أن الرئيس الفرنسي فتح الباب أمام مشكلات جمة”.

وتقول "سيصبح لكل بلد الحق في المطالبة بما له من إفريز البارثينون إلى لوحة الموناليزا ومسلة كونكورد”، مضيفة "من التبعات المباشرة لعمليات الإعادة ستكون إفراغ كل المتاحف من أهم أعمالها”.

ويوضح ديديه كلايس صاحب دار للمعارض الفنية في بروكسل المولود لأب بلجيكي وأم من الكونغو "لا الأفارقة ولا غيرهم يريدون رؤية المتاحف فارغة، لكن المتاحف الأوروبية ملأى” فيما "أفريقيا مبتورة التراث”، ويضيف "يجب على الأقل القبول بمبدأ النقاش” لفكرة إعادة الأعمال الفنية.

ويشدد كلايس على أن "لأفريقيا الحق في ألا يقتصر حضور تراثها على المجموعات الخاصة والمتاحف الأوروبية”، موضحاً أن هذا الأمر قد يحصل عبر "عمليات إعارة وهبات وتبادلات”.