كل العالم بات يضج اليوم من انهيار أسعار النفط وتدهور العملات والذهب وتساقط كافة أنواع الاستثمارات وانحدار الأوراق المالية والبورصات العالمية مع كافة أشكال الكساد التجاري والمالي. فكل دولة تهرول لمضاعفة حصتها من صادراتها من الأسلحة أو النفط أو السياحة وغيرها لتغطية عجوزاتها الاقتصادية، لكن، لا أحد من تلكم الدول تلتفت للجياع عبر العالم، والذين يزدادون بشكل بشع ورهيب للغاية.

إذا كان المترفون في كل الدول الغنية يشكون من وضعهم المادي وعدم قدرتهم على العيش بالشكل الذي يريدونه فكيف الحال بالطبقات الفقيرة والضعيفة في العالم؟ إذا كانت الأزمات المالية عصفت بالأثرياء فكيف فعلت بالمعدمين والجياع؟ هل سألتم أنفسكم يوماً عن حقيقية أوضاعهم وكيف يعيشون وهل يأكلون أو يشربون كبقية البشر؟

إن الأرقام الحديثة تعطينا الإجابة على هذه الأسئلة بكل دقة وأمانة وصدق. فقد أكدت منظمة الصحة العالمية في آخر تقرير لها نشر على موقعها الرسمي أن «هناك ارتفاع لعدد الجياع في العالم حيث بلغ عدد الجياع 821 مليون شخص في عام 2017 أو واحد من بين كل تسعة أشخاص» مبينة أن «الجوع آخذ في الارتفاع على مدى السنوات الثلاث الماضية. وأن أكثر من 150 مليون طفل دون الخامسة يعانون من التقزم بسبب سوء التغذية، وهو ما يعرض هدف القضاء على الجوع للخطر حيث استأثرت أفريقيا وآسيا بنسبة 39% و55%على التوالي من مجمل الأطفال الذين يعانون من التقزم، وأن التقدم المحرز في معالجة الأشكال المتعددة لسوء التغذية، والتي تتراوح ما بين تقزم الأطفال والسمنة بين البالغين، هو تقدم محدود، مما يعرض صحة مئات الملايين من الناس للخطر». وأكد التقرير إلى أن «نسبة انتشار هزال الأطفال ما زالت مرتفعة للغاية في آسيا حيث يعاني واحد من كل عشرة أطفال دون سن الخامسة من نقص في الوزن بالنسبة لطولهم مقارنة بواحد فقط من كل 100 في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي». وإن «واحدة من كل ثلاث نساء في سن الإنجاب على مستوى العالم تعاني من فقر الدم، الذي له عواقب كبيرة على صحة ونمو النساء وأطفالهن. ويصف التقرير هذا الأمر بأنه «مخجل».

بالفعل، إن الأمر في غاية الخجل، فلم يعد العالم الصناعي قادراً أو راغباً في أن يوفر غطاء لحياة أفضل للفقراء والجياع عبر العالم، وما قطع المساعدات عن «أونروا» إلا مصداقاً حقيقياً لعدم اكتراث «العالم الأول» الأناني جداً بمتطلبات العالم الثالث الجائع. حين تفشل الدول الصناعية والدول الكبرى في وظيفتها الأخلاقية والإنسانية سيكون فشلها في تحقيق وظيفتها السياسية في تثبيت أركان العدالة الدولية بين دول العالم الفقير أمراً مفروغ منه.