ليس لدي ما أضيفه على ما كتبته الشيخة مي بنت محمد في جريدة أخبار الخليج يوم أمس الأول الإثنين، فكل حرف فيه يقطر حباً وألماً وخوفاً حقيقياً على محو ما تبقى من ذاكرتنا التاريخية، تلك الجريمة التي لا تغتفر بحق أجيالنا القادمة.
وقبل أن أنقلكم بين سطور بعض مما جاد بها قلمها أتذكر حكاية رئيس وزراء أحد الدول الأوروبية الذي زارنا ولم يصدق أن البحرين جرت فيها انتخابات بلدية في العشرينات وشاركت المرأة فيها! ولا ألومه... فنحن أفشل من عجز عن توظيف إنجازاتنا التاريخية لخدمة صورتنا الحالية، بل إننا لم نكتفِ بأننا عجزنا عن نقل تاريخنا الزاهر للعالم، بل الأمر والأقسى على النفس أننا نهدم ما تبقى منه، لنكون المجتمع الأول الذي ينتحر تاريخياً!!
أترككم مع مقتطفات من المقال المؤلم:
«لا تحاربوا درس التاريخ الأول ولا تستبدلوا الجمال عن عمارة المدارس التاريخية» بقلم مي بنت محمد الخليفة
«أن تستدعي الطّفل الذي يكتشفُ العالم فيكَ، هو استدعاءٌ للطّفلِ الذي كان يجلسُ إلى كرسيّه في الفصلِ، يستذكرُ أسماءَ الأشياءِ التي قد يتعرّف إليها للوهلةِ الأولى، ويستحضرُ كيفيّة حدوثِ الأشياءِ أو انبهارِه بما يكشفُ عنه الأستاذُ في الفصلِ. الإنسانُ الذي كانت تُربّى فيه الأحلامُ ومحبّةُ المكانِ الذي فيه يبصرُ تحوّل الأفكار وعلاقاته بالأشياءِ، كانت المدرسةُ بعمرانِها الجميل هي ما تؤسّسُ فيه ذلكَ كلّه، وليس الإصغاء إلى الدّروسِ فقط، ولا التّعليم داخل الفصولِ فحسب.
وما يؤلمُ حقًّا أنّ هذا الشّطب والمحو والتّشويه، يطولُ مدارس المستقبل، مثل مدرسة (أبو عبيدة بن الجرّاح) التي لا تشبهُ المحرّق الأمّ، ولا تتّصلُ بجماليّةِ المدينةِ الكبرى، والتي أقربُ في تكوينها الهندسيّ إلى بناءٍ سكنيٍّ عالي الأسوار، كما يهدّدُ الخطر ذاته أجمل المدارس التّاريخيّة التي كرّست فضاءاتها لتخريجِ شخصيّاتٍ إنسانيّةٍ وطنيّة، مثل مدرسة مريم بنت عمران الابتدائيّة للبنات التي تأسّست عام 1948م، ومدرسةِ عمر بن الخطّاب الابتدائيّة الإعداديّة للبنين والتي أُسّست عام 1954م، والتي وردت إلينا تقارير بشأنهما تُصنّفهما كمدارس آيلةٍ للسّقوط، بالإضافة إلى مدرسة خديجة الكبرى الإعداديّة للبنات في المحرّق التي أُدرِجت كي تطولها تغييرات تشوّه من قيمتها العمرانيّة من دون الالتفات إلى التّوصيات التي تحفظُ خصوصيّتها وقِيَمها الجماليّة، إلى جانب مدرسة المنامة الثّانويّة التي تمّ إخلاؤها بِداعي الخطورةِ ومدرسة فاطِمة الزّهراء الابتدائيّة للبنات، والتي اقترحت بعضُ الجِهات الرّسميّة هدمها لإقامة مواقف سيّارات!
لابدّ أن نعترف الآن:
ليست هنالكَ مدارس آيلة للسّقوط، بل ثمّة مدارس تهدّدها معاول الهدمِ والمحو، تُحاصرها نظريّات محو التّاريخ واستبدالِ الجمالِ الدقيقِ الصّنعِ بالأسوارِ الإسمنتيّة الجاهزة. ليست هنالكَ مدارس خطِرة إن حظيت مبانيها وفضاءاتِها بالعنايةِ التي تستحقّ. فالجمال ليس خطيراً... أبداً. وبالإمكانِ عوضاً عن الهدمِ والاستبدال، أن تُرمّم ويُعاد تأهيل تلكَ المدارس كي تواصل منحها الذي بدأته.
في الواقعِ، إنّ تدريبَ الأحلامِ على هجرِ مواقعها هو ما يهدّدُ تاريخ مدارسنا. تعليمُ الطّلبةِ والطّالباتِ أنّ المدارس التّاريخيّة العريقةِ يجب توديعها إلى مصانع مدرسيّة هو ما يمثّل تهديداً! تحويلُ التّاريخِ من مقاعدِ الدّراسةِ إلى أرضيّاتٍ إسفلتيّة تقفُ فيها السّيّارات ولا يكبرُ فيها أطفالنا هو ما يُمثّل محواً للتّاريخِ والذّاكرةِ وأنسنةِ المكان». انتهى المقال
عصر قلبي وأنا أقرأ احتمال هدم مدرسة خديجة الكبرى.. معقولة؟ خافوا الله في تاريخنا، الدول تشتري تاريخاً لها لا تملك مقوماته، تدفع أموالاً لتفتح متاحف محتواها مستورد من أمكنة أخرى، ونحن نملك التاريخ ولدينا شواهد وأدلة على قدم عهدنا بالحضارة وبالتعليم، وقدم عهدنا بالتطبيب، وقدم عهدنا بالمشاركة السياسية وقدم عهدنا بكل ما هو مستحدث عند غيرنا، ولكننا مع الأسف لا نعرف قيمته، لا نعرف ما معنى أن تجلس ابنتي على مقعد دراسي جلست عليه أنا قبل ثلاثين عاماً ويوماً ما ستجلس عليه حفيدتي، تلك حقائق كان يجب أن نفاخر بها الأمم، كيف نحتفل بمئوية التعليم ونحن مقبلون على هدم معالم المئوية؟
كيف تنبهون حين ترون المدارس الغربية أو الجامعات كتب عليها «شيدت عام 1900» ونحن لدينا مدارس مر عليها مائة عام ولكننا بكل استهانة بقدرها وقيمة عمرانها نهدمها ونضع مكانها لافته نكتب عليها «كان هنا مدرسة بنيناها قبل مائة عام وهدمناها لأننا لم نعرف قيمتها»!!
غداً سأخبركم عما فعلته روسيا من جهود تعد معجزة بحد ذاتها من أجل إعادة ترميم مبنى متحف العلوم التقنية الذي بني عام 1877، لم تهدمه وتبني جديداً وكان ذلك في مقدورها، ولكنها أرادت أن تثبت للعالم أن العلوم التقنية بدأت عندها منذ ذلك التاريخ لا من خلال لافتة إنما من خلال احتفاظها بالمبنى الأصلي.
وقبل أن أنقلكم بين سطور بعض مما جاد بها قلمها أتذكر حكاية رئيس وزراء أحد الدول الأوروبية الذي زارنا ولم يصدق أن البحرين جرت فيها انتخابات بلدية في العشرينات وشاركت المرأة فيها! ولا ألومه... فنحن أفشل من عجز عن توظيف إنجازاتنا التاريخية لخدمة صورتنا الحالية، بل إننا لم نكتفِ بأننا عجزنا عن نقل تاريخنا الزاهر للعالم، بل الأمر والأقسى على النفس أننا نهدم ما تبقى منه، لنكون المجتمع الأول الذي ينتحر تاريخياً!!
أترككم مع مقتطفات من المقال المؤلم:
«لا تحاربوا درس التاريخ الأول ولا تستبدلوا الجمال عن عمارة المدارس التاريخية» بقلم مي بنت محمد الخليفة
«أن تستدعي الطّفل الذي يكتشفُ العالم فيكَ، هو استدعاءٌ للطّفلِ الذي كان يجلسُ إلى كرسيّه في الفصلِ، يستذكرُ أسماءَ الأشياءِ التي قد يتعرّف إليها للوهلةِ الأولى، ويستحضرُ كيفيّة حدوثِ الأشياءِ أو انبهارِه بما يكشفُ عنه الأستاذُ في الفصلِ. الإنسانُ الذي كانت تُربّى فيه الأحلامُ ومحبّةُ المكانِ الذي فيه يبصرُ تحوّل الأفكار وعلاقاته بالأشياءِ، كانت المدرسةُ بعمرانِها الجميل هي ما تؤسّسُ فيه ذلكَ كلّه، وليس الإصغاء إلى الدّروسِ فقط، ولا التّعليم داخل الفصولِ فحسب.
وما يؤلمُ حقًّا أنّ هذا الشّطب والمحو والتّشويه، يطولُ مدارس المستقبل، مثل مدرسة (أبو عبيدة بن الجرّاح) التي لا تشبهُ المحرّق الأمّ، ولا تتّصلُ بجماليّةِ المدينةِ الكبرى، والتي أقربُ في تكوينها الهندسيّ إلى بناءٍ سكنيٍّ عالي الأسوار، كما يهدّدُ الخطر ذاته أجمل المدارس التّاريخيّة التي كرّست فضاءاتها لتخريجِ شخصيّاتٍ إنسانيّةٍ وطنيّة، مثل مدرسة مريم بنت عمران الابتدائيّة للبنات التي تأسّست عام 1948م، ومدرسةِ عمر بن الخطّاب الابتدائيّة الإعداديّة للبنين والتي أُسّست عام 1954م، والتي وردت إلينا تقارير بشأنهما تُصنّفهما كمدارس آيلةٍ للسّقوط، بالإضافة إلى مدرسة خديجة الكبرى الإعداديّة للبنات في المحرّق التي أُدرِجت كي تطولها تغييرات تشوّه من قيمتها العمرانيّة من دون الالتفات إلى التّوصيات التي تحفظُ خصوصيّتها وقِيَمها الجماليّة، إلى جانب مدرسة المنامة الثّانويّة التي تمّ إخلاؤها بِداعي الخطورةِ ومدرسة فاطِمة الزّهراء الابتدائيّة للبنات، والتي اقترحت بعضُ الجِهات الرّسميّة هدمها لإقامة مواقف سيّارات!
لابدّ أن نعترف الآن:
ليست هنالكَ مدارس آيلة للسّقوط، بل ثمّة مدارس تهدّدها معاول الهدمِ والمحو، تُحاصرها نظريّات محو التّاريخ واستبدالِ الجمالِ الدقيقِ الصّنعِ بالأسوارِ الإسمنتيّة الجاهزة. ليست هنالكَ مدارس خطِرة إن حظيت مبانيها وفضاءاتِها بالعنايةِ التي تستحقّ. فالجمال ليس خطيراً... أبداً. وبالإمكانِ عوضاً عن الهدمِ والاستبدال، أن تُرمّم ويُعاد تأهيل تلكَ المدارس كي تواصل منحها الذي بدأته.
في الواقعِ، إنّ تدريبَ الأحلامِ على هجرِ مواقعها هو ما يهدّدُ تاريخ مدارسنا. تعليمُ الطّلبةِ والطّالباتِ أنّ المدارس التّاريخيّة العريقةِ يجب توديعها إلى مصانع مدرسيّة هو ما يمثّل تهديداً! تحويلُ التّاريخِ من مقاعدِ الدّراسةِ إلى أرضيّاتٍ إسفلتيّة تقفُ فيها السّيّارات ولا يكبرُ فيها أطفالنا هو ما يُمثّل محواً للتّاريخِ والذّاكرةِ وأنسنةِ المكان». انتهى المقال
عصر قلبي وأنا أقرأ احتمال هدم مدرسة خديجة الكبرى.. معقولة؟ خافوا الله في تاريخنا، الدول تشتري تاريخاً لها لا تملك مقوماته، تدفع أموالاً لتفتح متاحف محتواها مستورد من أمكنة أخرى، ونحن نملك التاريخ ولدينا شواهد وأدلة على قدم عهدنا بالحضارة وبالتعليم، وقدم عهدنا بالتطبيب، وقدم عهدنا بالمشاركة السياسية وقدم عهدنا بكل ما هو مستحدث عند غيرنا، ولكننا مع الأسف لا نعرف قيمته، لا نعرف ما معنى أن تجلس ابنتي على مقعد دراسي جلست عليه أنا قبل ثلاثين عاماً ويوماً ما ستجلس عليه حفيدتي، تلك حقائق كان يجب أن نفاخر بها الأمم، كيف نحتفل بمئوية التعليم ونحن مقبلون على هدم معالم المئوية؟
كيف تنبهون حين ترون المدارس الغربية أو الجامعات كتب عليها «شيدت عام 1900» ونحن لدينا مدارس مر عليها مائة عام ولكننا بكل استهانة بقدرها وقيمة عمرانها نهدمها ونضع مكانها لافته نكتب عليها «كان هنا مدرسة بنيناها قبل مائة عام وهدمناها لأننا لم نعرف قيمتها»!!
غداً سأخبركم عما فعلته روسيا من جهود تعد معجزة بحد ذاتها من أجل إعادة ترميم مبنى متحف العلوم التقنية الذي بني عام 1877، لم تهدمه وتبني جديداً وكان ذلك في مقدورها، ولكنها أرادت أن تثبت للعالم أن العلوم التقنية بدأت عندها منذ ذلك التاريخ لا من خلال لافتة إنما من خلال احتفاظها بالمبنى الأصلي.