من الخطر جداً في الصين أن تخرج بدون شاحن الهاتف المحمول، فمئات الملايين من البشر يعتمدون عليه في تحويل الأموال وسداد الفواتير وقضاء المشتريات في ثقافة جديدة يقود فيها جيل الألفية بلاده نحو مفهوم المجتمع غير النقدي.

ويتراجع حجم التعامل بالكاش حول العالم بنسبة %50 في %75 من الدول، ورغم أنه خيار لا يزال متاحاً لدى معظم التجار، إلا أنه في دولة مثل السويد يستخدم فقط %18 من المستهلكين الدفع النقدي لشراء احتياجاتهم، ويرى خبراء أن العقد المقبل يرفع شعار لا نقبل الدفع النقدي، والسطور التالية تسلط الضوء على التحول العالمي نحو الدفع الالكتروني والبيئة الملائمة لنجاحه.

التجربة السويدية: القانون يسمح للمتاجر برفض الدفع النقدي

تتوقع التقارير الدولية، أن تصبح السويد أول مجتمع غير نقدي في العالم بحلول 2023، ما يعني حظراً تاماً لاستخدام الأموال النقدية في الدفع بشكل عام.

وبات الطريق ممهداً لهذه الخطوة بفضل العديد من العوامل، مثل نظام الدفع بالبطاقات القوي، والبنية التحتية القوية للإنترنت، وتطبيق الدفع عبر الهاتف المحمول المعروف، والإطار القانوني الداعم، وثقافة عدم الثقة في حمل النقد.

ويعتقد الأستاذ المساعد في قسم التكنولوجيا الرقمية بكلية كوبنهاجن لإدارة الأعمال، جوناس هيدمان، أن حظر استخدام «الكاش» أمر لا مفر منه، ليس للسويد فحسب بل للدول الأخرى أيضاً.

وعرض «هيدمان»، في حواره لمجلة «وارتون» الأمريكية رحلة السويد لكي تصبح مجتمعاً بلا نقود وتداعيات ذلك على بقية العالم والدروس التى يمكن تعلمها.

في البداية، قال «هيدمان»، إن المجتمع غير النقدي يشير إلى مجتمع لا يعتبر النقد فيه وسيلة دفع مقبولة بشكل عام، فرغم وجود «البنكنوت» لن يكون هناك مجال لاستخدامه بشكل عملي.

وتشير دراسة حديثة للسوق السويدي إلى تراجع الدفع النقدي لأقل من %7 من المعاملات في السوق.

وأشار «هيدمان» إلى أنه يكفى أي متجر أن يعلق لافتة «لا نقبل الدفع نقداً» ليصبح دخول المستهلك السويدي إليه عقداً قانونياً لا يلزم بقبول «الكاش»، لكن في بلدان أخرى مثل الدنمارك على سبيل المثال، فإنَّ قوانين الدفع تلزم المتاجر بقبول الدفع النقدي، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية لنجاح تجربة السويد.

وتشير الأرقام إلى نقص حجم النقد المتداول في السويد منذ عام 2007 من 100 مليار دولار إلى 45 مليار دولار بنسبة %50 تقريباً على مدار العقد الماضي.

وتابع «هيدمان»، «عندما ننظر إلى النقد المتداول في السويد، مقارنة بالناتج القومي الإجمالي، فنحن أقل من %1، وفي الولايات المتحدة تبلغ النسبة حوالي %5 إلى %7، وفي المملكة المتحدة تبلغ %3 مقابل %30 لبلدان أمريكا الجنوبية».

وتتميز بيئة العمل في السويد بانتشار بطاقات الدفع على نطاق واسع ورقمنة الحسابات المصرفية وبنية تحتية للإنترنت والخدمات المصرفية الهائلة عبر الإنترنت.

ونشطت الاتحادات العمالية في دعم الفكرة لحماية الأعضاء من السطو المسلح، بسبب حملهم النقد، بل وقدمت الحكومة خصومات ضريبية على الدفع غير النقدي للخدمات المنزلية مثل الإصلاحات المنزلية، ورعاية الأطفال، وغسيل الملابس، وما إلى ذلك، ما يعني أن هؤلاء الناس لا يحتاجون إلى الاحتفاظ بالنقود لدفع تكاليف هذه الخدمات.

وفي الفترة من 2015 إلى 2017 استبدلت السويد أوراقها النقدية بأخرى جديدة، ما دفع إدارة تجارة التجزئة الاقتصادية لحظر قبول الدفع النقدي.

وبحسب البيانات فإن %97 من التجار في السويد لا يزالون يقبلون النقد، لكن %18 فقط من المستهلكين يرغبون في الدفع نقداً بفضل وجود الطرق البديلة للدفع مثل الدفع بواسطة الهاتف النقال والبطاقات، كما أن الدفع عبر الإنترنت أسهم في وقف تدفق النقد.

ومعظم فروع البنوك السويدية خالية من الأموال، ومن الصعب العثور على بنك يقبل المال، ففي حالة إيداع أو سحب النقود يجب الذهاب إلى أجهزة الصراف الآلى.

وتعتبر بطاقات الدفع هي الطريقة الأساسية لتسديد المدفوعات، لكن عندما يتعلق الأمر بالتحويلات الشخصية فإن تطبيقات الدفع عبر الجوال مثل «Swish» تتفوق.

وتجري جميع المعاملات في السويد عبر سجل إلكتروني للبيع، ويعتبر عدم تسجيل أي تعامل جريمة، ولذلك فإن أي عطل تقني ينتج عنه وقف البيع وإغلاق المتجر.

ويقول التقرير، إن كل دولة يجب أن تراعي طبيعة مجتمعها؛ لأن انتشار الأمية يعد عائقاً في دول العالم النامي، بينما ثقافة دفع «البقشيش» في الولايات المتحدة تتطلب وجود نقد بمحفظة المستهلك.

ويقولون في الصين، إنه من المهم الآن حمل شاحن للهاتف أكثر من محفظة النقود، فحتى شراء البطيخ يجري عبر تطبيقات تحويل الأموال من خلال الهاتف المحمول مثل تطبيق «WeChat»، ويفضل جيل الألفية الصيني التعامل غير النقدي، بل ويحبه، وذلك للاستفادة من ثورة المدفوعات عبر الهواتف النقالة في الصين والتي تسير بسرعة مذهلة.

وبحسب تقرير لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، فإنَّ قيمة التحويلات عبر الهواتف بلغت 654 مليار رينمنبي «98 مليار دولار»، خلال العام الماضي، وفقاً لمؤسسة «إي ريسيرش» البحثية، وتجاوزت قيمة مدفوعات الموبايل في الصين الإجماليات العالمية لكل من «Visa» و«Mastercard» معاً.

وتم إجراء ما يقرب من نصف المدفوعات الرقمية في العالم خلال عام 2017 في الصين، من خلال تطبيقات مثل «Alipay» وفقاً لأبحاث منظمة «بيو» الأمريكية.

ويعود الفضل في هذا التحول إلى جيل الألفية الذين كانوا أوائل من تبنوا الدفع عبر الهاتف المحمول، ولكنه سرعان ما انتشر عبر جيل آبائهم في الفئة العمرية من 40 إلى 60 عاماً، خاصة بالمدن الكبيرة.