- تعزيز استقرار الأوضاع المالية العامة ومواصلة تحفيز النمو الاقتصادي والتنمية
- مواصلة خطى التنمية الوطنية الشاملة بتضافر كافة الجهود وتحويل التحديات إلى فرص
- يقوم "برنامج التوازن المالي" على رؤية واضحة وجلية لسياسة مالية راشدة ودقيقة
...
عماد المختار
يعتبر "برنامج التوازن المالي" في مملكة البحرين من أهم البرامج التي تقوم بها دولة البحرين، والتي من شأنها تحديد وجهة واضحة للتطوير المستمر للاقتصاد البحريني، وبناء حياةٍ أفضل لكافة المواطنين البحرينيين، حيث تم وضع أول "استراتيجية اقتصادية وطنية" تم اعتمادها كخارطة طريق يلزم اتباعها لتحقيق الرؤية الاقتصادية.
ووقّعت البحرين الترتيبات الإطارية للتعاون المالي بشأن "برنامج التوازن المالي" بالبحرين مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت.
وتأتي الترتيبات الإطارية بهدف أساسي يتمثل في تعزيز استقرار الأوضاع المالية العامة ومواصلة تحفيز النمو الاقتصادي والتنمية، عبر تحقيق التوازن بين المصروفات والإيرادات الحكومية بالبحرين بحلول عام 2022، تحت مسمى "برنامج التوازن المالي" الذي سيتضمن ست من مبادرات أساسية لخفض المصروفات وزيادة الإيرادات الحكومية واستمرارية التنمية ومواصلة استقطاب الاستثمارات، وسيتم بموجبها دعم برنامج التوازن المالي وتمويله.
وتتضمن الترتيبات المساهمة بمبلغ 10 مليار دولار أمريكي يمثل تمويلات وقروضًا ميسرة لتمويل برنامج التوازن المالي الذي يستهدف تحقيق استقرار المالية العامة ومواصلة تحفيز النمو الاقتصادي، وفقًا لمعايير الأداء والمؤشرات الخاصة.
ويأتي التوقيع في إطار تعاون خليجي يدعم الإصلاحات الاقتصادية وسياسة البحرين المالية الاستراتيجية، ومواصلة خطى التنمية الوطنية الشاملة بتضافر كافة الجهود وتحويل التحديات إلى فرص من أجل الوطن والمواطن، وزيادة الاستثمارات وتعزيز الفرص الاستثمارية وتسهيل الإجراءات الحكومية لخلق الفرص النوعية للمواطنين.
تحفيز اقتصادي
يهدف "برنامج التوازن المالي" وفق ما أعلنته اللجنة الوزارية لشؤون المالية وضبط الإنفاق برئاسة الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء عن تفاصيل برنامجٍ حكوميٍ إلى تحقيق التوازن بين المصروفات والإيرادات الحكومية بحلول عام 2022، حيث أكد الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة أن مملكة البحرين تسعى دوماً إلى تحقيق أهداف المسيرة التنموية الشاملة التي اختطها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بدعمٍ من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء، وبمتابعة ومؤازرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.
يذكر أن حكومة البحرين بدأت بشكل فعال في تنفيذ عدد من هذه الإصلاحات، حيث تمكنت من خلال إطلاقها حزمة من المبادرات في الفترة من 2015 إلى 2017 من تحقيق أثر مالي سنوي أسهم في تقليص العجز في الميزانية العامة بمقدار 854 مليون دينار.
وشدد وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة على أن تحقيق التوازن المالي يتطلب مواصلة تلك الجهود المبذولة من خلال ما سيتم تنفيذه من مبادرات يشتمل عليها برنامج التوازن المالي الذي يهدف لتحقيق أثر مالي سنوي إضافي يصل إلى 800 مليون دينار بحلول عام 2022.
ويمثل "برنامج التوازن المالي" حلقة أساسية ضمن حلقات استكمال برامج تحقق رؤية البحرين الاقتصادية حتى العام 2030، وفق "استراتيجية اقتصادية وطنية" واضحة ومتكاملة تحقق التنمية الشاملة وتستهدف رفع المستوى المعيشي للمواطن وتأمين حياة أفضل لشعب البحرين، عبر ما يتهيأ من فرص تضمن له عملا محترما يمكنه من إعالة نفسه وأسرته، وتساعده على توفير السكن الملائم.
وتضمن "برنامج التوازن المالي" ست مبادرات، تتمحور حول السياسة المالية وسبل إدارتها، تتمثل في تقليص المصروفات التشغيلية للحكومة، وتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي، وطرح برنامج التقاعد الاختياري لموظفي الحكومة، وزيادة كفاءة هيئة الكهرباء والماء لتحقيق التوازن بين إيراداتها ومصروفاتها، وتعزيز كفاءة وعدالة الدعم الحكومي المباشر لمستحقيه من المواطنين، إلى جانب تسهيل الإجراءات الحكومية وزيادة الإيرادات غير النفطية.
سياسة راشدة
يقوم "برنامج التوازن المالي" على رؤية واضحة وجلية لسياسة مالية راشدة ودقيقة، ووضع مالي مستدام، وذكر وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة أن هذه المبادرات التي تم عرضها ضمن "برنامج التوازن المالي" صيغت بصورة دقيقة وشاملة، بحيث يتوازى فيها تعزيز الاستدامة المالية مع الاستمرار في رفع مستوى الخدمات الحكومية بما يعود على دعم وتيرة التنمية الشاملة التي يشكل المواطن البحريني محورها وغايتها، مؤكداً الحرص على استيعاب البرنامج للمتغيرات الراهنة والمستقبلية ليتكامل أثر تطوير الوضع المالي مع وتيرة النمو الإيجابي لاقتصاد البحرين وتنوعه ما يعزز منظومة التنمية والبيئة الخصبة للفرص النوعية ورفع مستوى الخدمات.
وفي منظور الخبراء والمحللين الاقتصاديين لا يكون الوضع المالي مستداما إلا بنمو اقتصادي إيجابي، تكون قاعدته صلبة، من حيث الاستراتيجيات وتنويع الموارد وضبط النفقات بإقامة توازن بين الإيرادات والمصروفات الحكومية،وإعادة هيكلتها لتتواكب مع النمو الاقتصادي الإيجابي للمملكة، ولضمان استمرارية عجلة التنمية الشاملة، التي تسهم في نهاية المطاف في تحسين مستوى التصنيف الائتماني للبحرين، وفي تنشيط الحركة التجارية التي يراها المحللون في ضرورة تسهيل الإجراءات الحكومية وتسريعها، وزيادة الاستثمارات وتعزيز الفرص الاستثمارية لخلق الفرص النوعية للمواطنين، وخفض تكلفة التمويل للمستثمرين والأفراد على حد سواء، بما يعزز من استدامة الخدمات وجودتها.
حوكمة الإنفاق
يشتمل "برنامج التوان المالي" على تعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي، وترشيده، بالتركيز على المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي تضمن هذه الاستدامة، حيث ستستمر الدولة في تطبيق إصلاحات مالية إضافية ضمن سياسة إدارة الدين العام، وذلك لتحقيق ميزانية متوازنة بحلول 2020، حيث ينتظر أن يوفر دعماً جديداً للمنامة في مواجهة الصعوبات المالية التي تواجهها منذ بدء تراجع أسعار النفط في 2014، والذي أدى ارتفاع الدين العام إلى 89% من الناتج المحلي، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.
وتحتاج حوكمة الإنفاق الحكومي إلى إجراءات تنفيذية مهمة في إدارة الصرف في القطاع الحكومي، بتعزيز الرقابة الإدارية والمالية على الجهات الحكومية بهدف رفع كفاءة مصروفاتها، وزيادة تفعيل الآليات اللازمة للتدقيق عليها. ولتنفيذ هذه المرحلة المهمة أكد وفق وزير المالية، أنه سيتم استحداث آليات لمتابعة تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية لضمان اتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح الملاحظات الواردة فيها بما تستوجبه ضرورة وواجب الرقابة الذي تعتمده الحكومة.
كما سيتم أيضا إنشاء وحدة الرقابة الداخلية المركزية بوزارة المالية تناط بها مهام الرقابة على الجهات الحكومية كافة والتدقيق على شؤونها المالية والإدارية استباقاً لمراجعات ديوان الرقابة المالية والإدارية، وكذلك تنفيذ مبادرات تطويرية لمجلس المناقصات والمزايدات واعتماد خطة استراتيجية للمرحلة القادمة ترتكز في جوهرها على تحسين الخدمات ورفع كفاءة المجلس وتعزيز التنافسية والشفافية.
وأشار وزير المالية إلى أن مبادرة تعزير كفاءة الإنفاق الحكومي ستشتمل أيضاً على إنشاء الوحدة المركزية للمشتريات الحكومية لتنفيذ برنامج "المورد الاستراتيجي" والتنسيق مع فرق عمل خفض المصروفات لضمان رفع كفاءة الإنفاق الحكومي وإدارة برنامج نظام المشتريات الحكومي، وإنشاء وحدة الكفاءة المركزية التي ستعمل على دعم فرق عمل تقليص المصروفات التشغيلية ووضع استراتيجيات واضحة للإنفاق، إلى جانب إنشاء مكتب إدارة الدين العام لتأمين الاحتياجات التمويلية بأفضل التكاليف الممكنة لتحقيق استدامة وصول المملكة إلى الأسواق المالية.
كفاءة وعدالة
يولي "برنامج التوازن المالي" طبيعة الخدمات المقدمة للمواطنين أهمية قصوى، بهدف تعزيز كفاءة وعدالة الدعم الحكومي المباشر لمستحقيه من المواطنين وتوفير حياة كريمة، لضمان وصوله للمواطنين بعدالة وشفافية عبر إجراءات محكمة، ولأن روح التنمية الاقتصادية في نهاية المطاف هي في خدمة الشعب البحريني ولذلك أكد البرنامج على زيادة كفاءة هيئة الكهرباء والماء، مع استمرارية دعم خدمات الكهرباء والماء للمواطنين في مسكنهم الأول، لأن الحفاظ على استمرارية الخدمات وتحسين جودتها للمواطنين هو هدف محوري تسعى الحكومة دائماً لتحقيقه، ومشدداً في الوقت نفسه على حرص الحكومة على استدامة توفير الخدمات المتكاملة والتوظيف الأمثل للموارد الوطنية ومراعاتها لتوجيه الدعم لمستحقيه من المواطنين بكفاءة وعدالة.
كما أتاح طرح البرنامج خدمة أخرى يقدمها للمواطن البحريني وتتعلق بنظام التقاعد الاختياري لمن يرغب فيه من موظفي الحكومة بغرض منح الفرصة للمستفيدين منه في توظيف خبراتهم في مجال ريادة الأعمال والقطاع الخاص للمساهمة في النمو الاقتصادي للمملكة، وهي مجالات واعدة تتيح للمواطنين تنشيط الحياة الاقتصادية من جوانب متعددة ومتنوعة، وتوفير مداخيل إضافية تحقق لهم حياة نوعية.
مسؤولية وطنية مشتركة
يحتاج "برنامج التوازن المالي" إلى وعي وتعاون جميع الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة والمجتمع المدني من أجل تحقيق الأهداف المرسومة للبرنامج، وللعمل على تحقيقه لاستدامة الوضع الاقتصادي العام واستقراره. فالبحرين في رؤية 2030، تحتاج إلى وعي جماعي وتلاقي الإرادات فاليد الواحد لا تصفق، وعليه أن تظافر الجهود الحكومية والسلطة التشريعية ورجال الأعمال ووسائل الإعلام المختلفة من أجل إنجاح نماء المملكة وازدهارها عبر جملة المشاريع والخطط الحكومية الهادفة لتعزيز المكتسبات الوطنية، حتى تسهم كل جهة في تكريس مسارات التنمية التي يتواصل العمل على تطويرها في صالح المواطن والوطن.
مصير خليجي مشترك
مافتئت دول مجلس التعاون تقدم الدليل تلو الآخر على الوعي بالمصير الخليجي المشترك بين البحرين والسعودية والإمارات العربية والكويت، وما تدخلها في مراحل تاريخية مهمة وحاسمة اقتصاديا وسياسيا إلا حجة على وقفة رجل واحد، حيث سبق أن جاء الدعم السخي من أشقاء البحرين بعد أزمة 2011، وها هو يتجدد في 2018، لتبرهن هذه الدول الخليجية على عمق إيمانها بالوحدة الخليجية بالقول والفعل. ومثل هذه اللفتات ليس غريبة عن قادة الخليج المؤمنين بأهمية التعاون الدائم ووحدة المصير المشترك، وهو تأكيد على قوة ومتانة الروابط الأخوية الجامعة، التي تظهر في مختلف المحطات المصيرية في تاريخ علاقات هذه الدول فيما بينها، عبر مجموعة من المبادرات المختلفة التي تدعم الاستقرار السياسي والاقتصادي لمملكة البحرين، حتى تتحقق إصلاحات السنوات الماضية، بتراجع عجز الميزانية من 18% من الناتج المحلي في العام 2016 إلى 14% العام الماضي، ويتوقع أن ينخفض إلى 11% العام الحالي، وفق تقديرات صندوق النقد، كما تحسن النمو الاقتصادي إلى نحو 4% العام الماضي، ويتوقع أن يبقى فوق الـ3% هذا العام، والفضل في ذلك يعود بشكل رئيسي إلى المشاريع التنموية الممولة من السعودية ودول الخليج الأخرى.
وبحسب الخبراء، فإن مجرد الإعلان عن المحادثات كفيل بدعم استقرار الدينار البحريني وخفض تكلفة التأمين على الديون البحرينية.
إن البحرين التي تواجه اليوم تحديات محلية وإقليمية وعالمية، تجد نفسها في فترة حاسمة من تاريخها، مقبلة على خيارات حاسمة، في سياستها المالية وحسن إدارة مواردها وتعصير اقتصادها الوطني، ولكن لا خوف عليها فقد اشتد عودها في تحديد أولوياتها التنموية ومواكبة التطورات العالمية المعاصرة، وأصبحت بمواردها البشرية تملك من الموارد البشرية والطاقات الحيوية ما يعزز تجربة التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى في إدارة سياستها المالية من أجل تنمية مستدامة تستهدف حياة كريمة للشعب البحريني. وأضحت تملك رصيدا كبيرا من ثقة أشقائها من دول مجلس التعاون والعالم الحر، بفضل نهج سياسي راشد ومتوازن تحدد منذ فجر المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى.