بعد أربع سنوات من عقوبات واشنطن ضد روسيا والتوقعات بفرض قيود جديدة، أعلنت حكومة الرئيس فلاديمير بوتين، أنها تعمل على خطط لفك اعتماد اقتصادها البالغة قيمته 1.6 تريليون دولار على الدولار، سوى أن قطاعها البترولي، يمثل عقبة رئيسية في جهودها للتوقف عن استخدام الدولار

يأتي ذلك في الوقت الذي ينظر فيه مجلس الشيوخ الأمريكي، في اقتراحات تهدف إلى معاقبة روسيا على تدخلها المزعوم في الانتخابات الأمريكية والاعتداءات الدولية، الأمر الذي سيؤدي في الواقع إلى تقليص تدفقات الدولار لأكبر البنوك الروسية ومنع موسكو من الوصول إلى أسواق الديون الخارجية.

وفي الواقع منعت العقوبات الأمريكية صناعة الدفاع الروسية، وبعض أكبر مؤسساستها من استخدام العملة الأمريكية، وخفضت بشكل كبير قدرة شركات البترول والغاز عن الاقتراض بالدولار.

وذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز” أن خطة أندري كوستن، رئيس بنك "فى تى بى” الروسي، المتعلقة بتحويل التسويات الدولارية إلى عملات أخرى تحظى بدعم وزارة المالية والبنك المركزي.

بالإضافة إلى ذلك سعى الكرملين لعقد صفقات مع الشركاء التجاريين الرئيسيين لاستخدام الروبل الروسي في الواردات والصادرات.

ورحبت العديد من الدول مثل الصين وتركيا بهذه الخطوات بعد توتر العلاقات مع الولايات المتحدة، وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية إن العديد من الدول ليس فقط في الشرق بل في أوروبا بدأت التفكير في كيفية تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي.

ولكن يشكك البعض في ذلك حيث تعتمد روسيا اعتماداً كبيراً على صادرات السلع والطاقة، وهي أسواق يكون الدولار فيها هو العملة المفضلة، ومن غير المرجح أن يقنع الكرملين شركاءه الغربيين بالتداول في العملة الروسية المتقلبة.

وتساءلت الصحيفة البريطانية هل تستطيع روسيا حقاً التوقف عن استخدام الدولار الأمريكي؟، ينقسم المحللون حول مدى تأثير أربع سنوات من العقوبات الأمريكية بالنسبة للاقتصاد الروسي، ولكن من المؤكد أن التأثير على أسواق العملات والسندات كان كبيراً.

وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد أن أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، أقوى إجراءاتها ضد روسيا على الإطلاق في أبريل الماضي، والتي قطعت من خلالها تدفقات الدولار للشركات الكبرى، بما في ذلك صناعة الألمونيوم وحظرت التعاملات التجارية مع المواطنين الأمريكيين، انخفض الروبل بما يصل إلى 18% مقابل العملة الأمريكية.

وأثارت التهديدات من واشنطن بتوسيع القيود المماثلة على البنوك التي تديرها الدولة، وحظرت العقوبات مشتريات الديون السيادية الروسية، ما تسبب في عمليات بيع بقيمة 7.5 مليار دولار من سندات البلاد للأجانب.

وأوضحت الصحيفة أن روسيا هي مصدر رئيسي للصادرات بفائض تجاري يبلغ 115 مليار دولار في العام الماضي، حيث يتم استهلاك معادنها وحبوبها وزيتها وغازها في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الغرب، على الرغم من توتر العلاقات بين موسكو والعديد من العواصم الغربية.

وساعدت زيادة التجارة مع الصين والشركاء الآسيويين الآخرين في السنوات الأخيرة على خفض إجمالي مساهمة الدولار في عمليات الدفع والسداد ولكن الدولار لا يزال يمثل 68% من عمليات الدفع في العام الماضي.

وقالت رئيسة البنك المركزي الروسي: إلفيرا نابيولينا: "أنا أؤيد اتجاه زيادة المدفوعات بالعملة الوطنية، ويجب أن تستمر وفقاً للمصالح الاقتصادية ومراعاة مصالح شركات التصدير”.

وقد تتمكن البنوك والشركات الروسية التي من المرجح أن تتعرض لعقوبات جديدة من تحويل جزء كبير من ديونها من الدولار إلى الروبل.

وتعهد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ونظيره الصيني شي جين بينغ، بالوقوف معاً ومكافحة السياسات الأمريكية مثل فرض عقوبات على موسكو والتعريفات الجمركية على بكين.

وتحويل هذه المواقف إلى فوائد حقيقية سيكون أمراً حاسماً بالنسبة لجهود موسكو الرامية إلى التخلي عن الدولار.

وفي السنوات الأخيرة عوضت التجارة المتزايدة مع الصين انخفاض التجارة مع الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي أعرب فيه الزعيمين عن رغبتهما في زيادة استخدام العملات الروسية والصينية في التجارة عبر الحدود.

يأتى ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه تركيا أيضاً أنها منفتحة على التجارة بالعملات المحلية مع روسيا، لكن التجارة مع أنقرة أقل أهمية بكثير من الشركاء الغربيين الرئيسيين، كما أنه لا يزال يتعين تطوير آليات دفع ثمن السلع بالليرة أو الروبل.

وقال كونستانتين كوريتشينكو، النائب السابق لرئيس البنك المركزي الروسي إن إلغاء الدولار أمر ممكن إلى حد ما، ولكن السؤال الصعب هو إلى أين ستذهب بعد ذلك؟ اليورو أم اليوان أم البيتكوين؟ ما هو نموذج النظام التالي؟”.

وأضاف كوريتشينكو، ليس هناك حل واحد ويمكن أن يكون هناك خيارات متعددة ولكن كل واحد له تكاليفه الخاصة، ولذلك علينا أن نوازن بين تكاليف البقاء مع الدولار وتكاليف إيجاد بديل.

ورغم الوعود والتعهدات والبرامج الرامية إلى تقليل اعتماد روسيا على المواد الهيدروكربونية، لا يزال إنتاج البترول والغاز يشكلان العمود الفقري لاقتصاد موسكو، ويستحوذان على حوالي 50% من إيرادات الموازنة الحكومية.

وفي الوقت الذي يمكن أن تتم عملية بيع الغاز باليورو لأنه عادة يتم تصديره إلى الدول الأوروبية بعقود طويلة الآجل، ويمكن تسعيرها باليورو، فإن تجارة البترول العالمية هي سوق يقوم على الدولار، ومن غير المحتمل أن يقبل كبار التجار مخاطر صرف العملات الأجنبية عن طريق الشراء والبيع بعملات أخرى.

ويمكن أن تفتح الصين التي زادت مشترياتها من البترول والغاز الروسي المجال أمام خفض قيمة تلك الواردات بالدولار، ولكن من غير المحتمل أن تحذو الدول الأخرى حذوها.

وأوضح كوريشينكو، أن التخلي عن الدولار وتداول البترول باليورو ليس سهلاً، فقد حاولت ليبيا وفشلت كما فعل العراق، ولذلك لن يتغير دور الدولار في سوق النفط بسرعة.