وسهلت وسائل التكنولوجيا الحديثة مهمة الآباء الذين يرغبون في التجسس على أبنائهم، فهناك تطبيقات ذكية مثل "تين سايف” و”فاميلي تراكر” و”أم سباي”، تتيح للآباء مراقبة أبنائهم بشكل غير مسبوق، كأن يعرفوا كل شيء عن مكالماتهم الهاتفية ومحادثاتهم النصية ومنشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويتيح بعضها للآباء أو الأمهات تتبع تحركات ابنهم وتحديد موقعه بدقة على الخارطة، كما أن تطبيق مثل "ماما بير” يرسل إشعاراً للوالدين عندما ينطلق ابنهم بسرعة زائدة بالسيارة.
ويوجد خط رفيع بين المراقبة التي تهدف إلى تقويم سلوك الابن، وبين التجسس على حياته بشكل يهتك خصوصياته، الأمر الذي تبلغ خطورته مداها في مرحلة المراهقة حينما تصبح الحياة الخاصة للإنسان خطاً أحمر، فيستعد لأن يمنع أي إنسان من تجاوزه مهما كلفه ذلك، وتتحول مراقبة الآباء إلى تجسس ويصبح ضررها أكثر من نفعها.
وتقول نانسي دارلينغ الخبيرة في علم النفس التنموي، في كلية أوبرلين الأميركية، إن الهدف النهائي من تربية الأطفال "تنشئة أشخاص بالغين أصحاء نفسياً، ناجحين في تطوير استقلاليتهم، لكن الصعوبة تكمن في الموازنة بين تنمية شخصيتهم المستقلة وفي نفس الوقت الاطمئنان على أمنهم من العديد من المخاطر”.
ويقول سكايلر هوك أخصائي علم النفس الاجتماعي في جامعة هونغ كونغ، إن تشكيل الخصوصية يعد جزءاً أساسياً في مراحل تطور الاكتفاء الذاتي للإنسان، وشدد على أن الحاجة إلى حفظ الخصوصية تعتبر حاجة إنسانية تتخطى مجرد فكرة تأمين مساحة خاصة.
وفي بداية المراهقة يتعرض دماغ وجسد الإنسان لعدة تغيرات في فترة قصيرة، بالتوازي مع تغيرات في الحياة الاجتماعية، فيحتاج إلى مساحة لاكتشاف هويته والتعبير عن نفسه، ومن أبرز سمات المراهقة الاندفاع نحو التمرد على الأهل.
ويلجأ الآباء والأمهات بدافع خوفهم وحرصهم على مصلحة أبنائهم إلى التجسس على حياتهم الشخصية، ظناً منهم بأنهم بذلك قادرون على التدخل لصالح الأبناء في الوقت المناسب، لكن للأسف فإن تجسسهم على أبنائهم يأتي بنتائج عكسية.
وبالرغم من تسهيل التكنولوجيا مهمة الآباء في التجسس على أبنائهم، إلا أن المراهقين وربما الأطفال أصبحت لديهم دراية أكثر من آبائهم بحيل التكنولوجيا وبالتالي لا يصعب عليهم اكتشاف تجسس آبائهم، ومن هنا تبدأ المشكلة.
وعند اكتشاف الطفل تجسس والديه على حياته، يفقد الثقة بهما، فيصبح أكثر تحفظاً في كشف تفاصيل حياته الشخصية، وتكون النتيجة عكسية، إذ يصبح الآباء في النهاية منفصلين عن أطفالهم، ويظهر الحاجز النفسي بين الطرفين ويعيق عملية التواصل.