ولاية الفقيه و«داعش» تحكمهما مؤسسة دينية مطلقة الصلاحياتخامنئي والبغدادي يدعيان ولاية أمر المسلمين ونسب آل البيت«داعش» ونظام ولاية الفقيه تتطابق في ادعاء العداء لإسرائيلكتب ـ حذيفة إبراهيم:جهد فقهاء الأمة في دراسة وتمحيص ظاهرة الخلافة والإمامة، وبيان كيفية وصول «الوالي» أو الفقيه لسدة الحكم وممارساته، فضلاً عن قضية الخروج على ولي أمر المسلمين أو مبايعته.ويعتبر نظاما «ولاية الفقيه» القائم منذ نهاية السبعينيات في إيران، والدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، نتاجاً لأفكار متشددة، وهي وإن اختلفت في المسميات إلا أن جوهرها واحد لجهة الأهداف والهيكل التنظيمي وآليات التجنيد ومصادر التمويل وغيرها، ما يؤشر إلى أن هذه النظم المستحدثة ولدت من رحم واحد.ورغم بروز «داعش» على السطح مؤخراً، وقدرتها على خداع العديد من الشباب العربي، وتصويرها للبغدادي على أنه خليفة المسلمين المنقذ للأمة، خرجت فتاوى لعلماء وصفت «داعش» وأتباعها بـ«الخوارج» والكفرة، ما أخر حلم «داعش» في دولتها العريضة الممتدة ولو مؤقتاً.ولا يأخذ المراقب المحلل وقتاً ليجد التشابه الكبير بين نظامي «داعش» و«ولاية الفقيه»، ابتداءً من رأس النظامين، وصولاً لأصغر التفاصيل، فخليفة المسلمين والولي الفقيه مقدسان، وتجب طاعتهما العمياء المطلقة، رغم اعتبارهما بشراً يخطئون ويصيبون، إلا أن رفض أوامرهما يعني «الموت».وتتشابه «داعش» مع «ولاية الفقيه» في اعتبار النظامين محكومين بالمؤسسة الدينية المطلقة، إذ تتحكم الأخيرة في مفاصل الدولة كاملة، وتعتبر مخالفة أوامرها مخالفة لرب العزة مباشرة، وهي تضفي الصبغة الدينية على كل ممارساتها غير المقبولة، لتجعل من الأمر غير قابل للنقاش.وتتجلى أبرز معالم الطاعة العمياء لدى تابعي «النظامين»، في عدم السماح بالمجادلة أو إبداء الرأي والمشورة في أي تحركات أو تفاصيل حكم الدولة، فالفرعون أو «ولي المسلمين» يسير وفق منهج «لا أريكم إلا ما أرى»، ويتحكم حتى في خيارات الأشخاص التابعين، وينوب عنهم في تقرير مصائرهم، وليس أمامهم سوى التنفيذ.في ولاية الفقيه يوجد «خامنئي» الـــذي يدّعي ولاية أمر المسلمين، وزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي يدّعي الشيء نفسه، وينتحلان النسب الحسيني أيضاً، ويزينان رأسيهما بالعمامة السوداء، ويحكمان بنصوص متشابهة النشأة، وإن اختلفت حيثيات الحكم.وتهدف كلتا الدولتين إلى إقامة وتأسيس «ثيوقراطية دينية» بمختلف المسميات، سواء أكانت «خلافة إسلامية» أم «ولاية فقيه»، ولا تعترف بأي أنظمة أخرى، حتى وإن بايعت شعوبها الحاكم وولي الأمر.ويقيس «النظامان» مسألة الخروج على الحاكم بمكيالين، فيقرون الخروج علـــى أي نظام شرعي ويحرضون عليه، بينما يعتبرون الخروج عليهم محرمات تؤدي لقطع الرأس في «داعش» أو الموت شنقاً في أحد الميادين العامة في دولة «ولاية الفقيه»، بينما يكمن الاختلاف في أن «الولي الفقيه» يزعم أنه يتلقى أوامره مباشرة من «المهدي المنتظر»، فيما لا توجد نهاية للخلافة الإسلامية.وبالتدقيق في الشكل التنظيمي، فإن دولتي «داعش» و«ولاية الفقيه» عبارة عن مؤسسة دينية يرأسها «الخليفة» و«الولي الفقيه» المعصومان، وتندرج تحتهما خلايا منتشرة حول العالم، ترتبط بالمركز من خلال علاقات التنظيم والتمويل وتلقي الأوامر.ورغم أن نظام ولاية الفقيه «ثابت» توالى فيه على الحكم الخميني والخامنئي، إلا أن «داعش» هي تطور لفكر «القاعدة» حيث انتهى شبح وجودها من الساحة، فكان لزاماً أن تخلق الأنظمة المعادية للإسلام نظاماً آخر يعتبر عدواً جديداً، ومن هنا جاءت «داعش»، حيث لم تعلن القاعدة سابقاً عن نيتها لإقامة دولة دينية، وهو على خلاف داعش.وتحولت مجاميع القاعدة المنتشرة في الجزيرة العربية وغيرها من البلدان العربية إلى «داعش»، فيما استمرت بنفس نهج التجنيد والتنظيم، والأهداف الخاصة بضرب الأمن والاستقرار، مع اختلاف السبب، حيث كانت سابقاً بحجة ضرب المصالح الغربية والمتعاونين معها، أما الآن فأصبح التبرير هو إقامة «الدولة الإسلامية».وبالنظر في آليات التجنيد فإن المصدر الرئيس للضحايا أو المغرر بهم في النظامين هي المؤسسات الدينية والمساجد والجوامع ومراكز التحفيظ، والحسينيــــات، مـــن خـــلال ادعـــاءات المظلومية، وخلق السخط على الدولـــة والأنظمة الموجودة، مع إعطاء فتاوى دينية غير صحيحة أو شاذة، والتحريض باسم الدين. ويجند الشباب تحت مسمى «الجهاد» والدفاع عن الأماكن المقدسة، والتحشيد المذهبي ضد جميــع المذاهب الأخرى، ما يخلق حالــة من العداء لدى الشخص، ويصبح أكثر كراهية لمن حوله، مع استعداده لفعل أي أمر يظن أنه يسهم في حفظ دينه ووجوده.واستكمـــالاً لاستراتيجيـــة التجييـــش، فإن النظامين يخلقان جواً دينياً لدى الشخص المستهدف، ثم ينتقل ذلك إلى تبيـــان «خطـــة سهلــة» وواضحـة لكيفية استقطاب شباب آخرين، وإبعاد المنظمين الجدد إلى تلك الخلايا عن مجتمعاتهم، وخلق بيئة جديدة تسهم في حفظ الأفكار الهدامة المزروعة في رؤوسهم.وبالصدفة البحتة، فإن الانضمام إلى القاعدة سابقاً و«داعش» حالياً، يمر بنفس طريق الخلايا التابعة «للولي الفقيه» المقاتلة في سوريا أو العراق، حيث عادة ما تمر عبر لبنان أو تركيا، البلدان الأقرب جغرافياً إلى سوريا، ومن هناك يتم بيعهم بين التنظيمات الداخلية المختلفة حالهم حال العبيد، ليصبح الشخص أسيراً للقائد الضرورة، ولا يمكنه الخروج عليه، وذلك حسب ما روى شهود عيان عادوا لبلدانهم سراً.وتتواجد معسكرات «داعش» و«ولاية الفقيه» في العراق وسوريا، وهي تدرب شبابها على حرب الشوارع، واستخدام المتفجرات والقنابل محلية الصنع، والأسلحة المتوسطة والخفيفة.ويعتبر الشباب الفئة الأكثر استهدافاً، خصوصاً من ذوي العواطف الجياشة أو قليلي العلم والخبرة، فهم الأسهل للتجنيد، على النقيض من المتعلمين أو المثقفين.وما يميز «ولاية الفقيه» عن «داعش» في مسألة التمويل، حصول الأولى على التمويل بطريقة المال الديني المسمى بـ«الخمس» بشكل رئيس، مع وجود استثمارات أخرى، أما «داعش» فقد اعتمدت على عوائد الممتلكات في مناطق سيطرتها، وحالياً تبيع النفط لأعدائها «الولايات المتحدة والغرب» لهذا الغرض.واعتمدت خلايا «القاعدة» سابقاً على الخطف لتمويل ميليشياتها، وتتم عادة تلك العمليات ضد أبناء الأغنياء والتجار أو المسؤولين.وبالعودة إلى الاستراتيجية العامة للدولتين «ولاية الفقيه» و«داعش»، فهي تتشابه لحد «التطابق»، حيث يسعون إلى «التجنيد السياسي» لتنفيذ الأهداف، فضلاً عن تكوين خلايا حزبية، ترفض الآخر ولا تندمج معه.وتهدف الاستراتيجية لدى «النظامين» إلى تكوين خلايا نائمة تشكل مجتمعاً موازياً للمجتمعات المتجانسة الموجودة في الوطن العربي ودول الخليج تحديداً، إذ تمارس تلك الخلايا زعزعة الأمن والاستقرار عند وصول الأوامر إليهم.وحاولت «الخلايا النائمة» أو «الطابور الخامس» مراراً التغلغل وسط مؤسسات الدول التي تتواجد فيها بهدف السيطرة والتحكم، وذلك لحين وصول ما يسمى بـ«ساعة الصفر»، لإقامة دول تابعة لإيران أو «داعش».وتتطابق أجندات «داعش» و«ولاية الفقيه» التوسعية، والساعية للسيطرة على «العراق» و«الشام» وصولاً إلى دول الخليج عبر بوابة «اليمن» من خلال الحوثيين أو «القاعدة»، ثم الانطلاق إلى كافة دول العالم العربي، مع وجود بعض الخلايا في مصر والمغرب العربي.ورغم رفع نظامي «ولاية الفقيه» و«داعش» شعارات العداء للغرب وأمريكا وإسرائيل، إلا أن الوقائع عادة ما تثبت العكس، حيث يتم استهداف الدول العربية، بينما لم يتم المساس بأي مصالح أمريكية أو غربية أو حتى إسرائيلية، رغم القرب الجغرافي للحدود التي وصلتها «داعش» أو ميليشيات حزب الله التابعة لنظام ولاية الفقيه مع إسرائيل.وتتعاون الدولتان مع أمريكا والغرب، سواء في بيع المشتقات النفطية والثروات في المناطق الخاضعة لسيطرتها، أو شراء الأسلحة منها.واستهدف نظاما «داعش» و«ولاية الفقيه» الدول العربية ودول الخليج، مع تكفيرهم للحكام، وهي أولى محطات الأهداف التوسعية لهم.وتمتلك دولة «ولاية الفقيه» و«داعش» أجهزة إعلامية كبيرة، فيما يبرز الاختلاف هنا إلى السطح في كون الأولى لديها محطات فضائية رسمية تصل إلى أكثر من 80 محطة، ووجود مجندين في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، فيما لم تمتلك «داعش» حتى الآن فضائية واحدة، رغم سيطرتها على العديد من الحسابات الكبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تمثل المواقع الاجتماعية للطرفين إحدى وسائل التجنيد، والدعاية وتأليب الرأي العام على الحكام.ورغم التشابه الكبير بين نظامي «ولاية الفقيــــه» و«داعــش»، إلا أن المجتمـــع الدولي صنف الأخير في لائحة الإرهاب، وتجاهل نظام ولاية الفقيه، وذلك نظراً لمصلحته، حيث يمكنه في المرحلة الحالية التفاوض مع نظام «ولاية الفقيه» لتنفيذ الأجندات الخاصة بزعزعة الأمن والاستقرار في الدول العربية.بينما يعتبر «تشكيل» تحالف دولي لمواجهة نظام «داعش» هي وسيلة أخرى لضرب الإسلام، وإسقاط الإرهاب عليه، من خلال اختزال النظام الإسلامي بـ«داعش»، وهي حيلة لم تعد تنطلي على أحد.